ويوضح فيبير “يصعّب ذلك على الاستخبارات وأجهزة الأمن الروسية إمكانية تثبيطها. يُعقّد ذلك أيضًا عملية التحقق من المزاعم … دون أدلّة دامغة”.
قامت مجموعتا “وايت باور رينجر سكواد” White Power Ranger Squad (WPRS) و”روسيتش” Rusich بالخيار نفسه، على عكس “الحركة الإمبراطوية الروسية” التي أنشأت معسكرات تدريب في روسيا و”مسار النهضة الوطنية الروسية” NVSRP و”مواطنو الاتحاد السوفياتي” وهم مؤمنون بنظرية المؤامرة مقتنعون بأن الاتحاد السوفياتي ما زال موجودًا.
يتلاشى تبرير الرئيس الروسي فلاديمير بوتين للغزو بأنه ضروري “لاجتثاث النازية”، في ضوء عدد المجموعات اليمينية المتطرّفة التي يراعيها نظامه علنًا.
هؤلاء اليمينيون المتطرفون يتحركون بنشاط كبير رغم محدودية عددهم وهم قوميون سلافيون ووثنيون جدد وإمبرياليون ومعادون للسامية وبعضهم أيضًا من مثيري الشغب في ملاعب كرة القدم. جميعهم يبكون العظمة الضائعة للإمبراطورية ونقاء العرق الأبيض المهدّد.
– انقسامات منذ 2014 –
لم تتسامح موسكو مع هذه المجموعات منذ الثورة البلشفية في العام 1917 فحسب، بل استغلتها أيضًا. فإذا أرادت موسكو “تفريق تظاهرة أو تعزيز قوات الأمن لديها، يمكنها استدعاء” هذه المجموعات، بحسب الباحث في منظمة “كاونتر اكستريميزم بروجكت” Counter-Extremism Project (مشروع مكافحة التطرف) كاسبر ريكاويك.
ويوضح “تُستخدم هذه المجموعات للقيام بالأعمال القذرة بدلًا من الآخرين. بالتالي، ليسوا فاعلين مستقلين” عن السلطة.
لكن هذه المجموعات انقسمت في العام 2014 مع ضمّ موسكو شبه جزيرة القرم وبدء التمرّد الموالي لروسيا في حوض دونباس بشرق أوكرانيا.
ويؤكّد ريكاويك أن “من هم في روسيا اليوم هم من اتّبعوا الخطّ الرسمي قبل سنوات”، مضيفًا “كلّ من كان يشكّك بالموقف الروسي رحلوا، إمّا إلى أوكرانيا أو إلى السجن أو ماتوا”.
منذ بدء الغزو الروسي لأوكرانيا في 24 شباط/فبراير 2022، والذي وصفته موسكو بأنه “عملية عسكرية خاصة”، بدّد النزاع “جميع المخاوف الأخرى بما في ذلك بالنسبة للقوميين الروس”، حسبما كتبت المحللة في مركز “سوفا للأخبار والتحاليل” في موسكو ناتاليا يودينا.
وأضافت يودينا “انقسمت آراؤهم، كما حصل في العام 2014، رغم أن غالبية اليمين المتطرف انتهى بها الأمر هذه المرة بدعم ’العملية الخاصة’، رغم أن الكثيرين انتقدوا بشدة كيفية إجرائها”.
بنى الأشخاص الذين عبروا الحدود اعتبارًا من العام 2014، مثل عناصر “فرقة المتطوعين الروس”، صداقات من جانب اليمين المتطرف الأوكراني أو حتى روابط عائلية. عددهم غير معروف لكن يُقدّر بالمئات. وسبق أن قاتل العديد منهم في دونباس.
– “نحارب نظام الكرملين” –
قابل مراسلو وكالة فرانس برس مؤخرًا عبر تطبيق زوم للاتصالات عبر الفيديو أحد أعضاء “فرقة المتطوعين الروس” يُدعى ألكسندر (40 عامًا) ومعروف بلقب “فورتشون” (ثروة).
وقال “نضمّ مجنّدين جددًا ونتدرّب ونقاتل … على طول الجبهة”.
وأضاف “نحارب نظام الكرملين الحالي كما نفعل منذ بداية حياتنا كراشدين”، موضحًا أن “فرقة المتطوعين الروس” هي وحدة مستقلة خارج أوكرانيا لكنها “تابعة مباشرة” على جبهة القتال لوزارة الدفاع الأوكرانية.
وأوضح “في البداية، لم تكن (الفرقة) إلّا فكرة … في آب/أغسطس، أعلنّا إنشاء وحدة. جهزنا أنفسنا بأدوات إعلامية … وبدأنا نكرس حياتنا للوحدة”.
في سان بطرسبرغ في آب/أغسطس، أعلن “الجيش الوطني الجمهوري” مسؤوليته عن الهجوم قرب موسكو الذي أدّى إلى مقتل داريا دوغينا، وهي ابنة مفكّر مقرّب من الكرملين.
لكن “يجب أن نبقى حذرين”، بحسب فيبير، إذ إن المجموعة موجودة أيضًا “كقوة إعلامية” خصوصًا على تطبيق تلغرام لكن “قد تكون عملية حرب نفسية ليس لها جهاز عسكري يعتد به”.
فالحرب الإعلامية جزء من الحرب النفسية في النزاع الأوكراني.
في بريانسك، لم تقم “فرقة المتطوعين الروس” إلّا بالتسلل إلى قرية وبنشر فيديو على الانترنت. لا وزن لهذه الفرقة على ساحة القتال، مقارنة بوزن كتيبة آزوف الأوكرانية على سبيل المثال.
لكنها فرقة تثير غضب الكرملين.
ويقول ريكاويك “عندما يدمّر أحد ما روايتكم القائلة للعالم ولشعبكم إن كل شيء يسير نحو الأفضل، تكون هذه صفعة على وجهكم. وتأتي الصفعة من بضعة رجال يسخرون من جيشكم”.
– تحدّ –
من الجانب الروسي، تقاتل أيضًا عدة مجموعات سيادية، مثل “وايت باور رينجر سكواد” WPRS و”روسيتش”، مرتبطة إلى حد ما بمجموعة فاغنر المسلّحة.
وفي أحد تقاريره، لفت “مركز صوفان” المتخصص بالأبحاث حول الأمن ومقره نيويورك، إلى أنه غير قادر على تحديد “ما إذا كانت WPRS تعمل كقوة متجانسة ومستقلة في أوكرانيا أو إذا كان أعضاؤها منتشرين في صفوف الجيش الروسي”.
لكنه أكّد أن هذه المجموعة تستخدم في تدريباتها “أسلحة ومعدات عالية الجودة”.
تشكّل هذه المجموعات على أي حال، أكانت موالية لموسكو أو لكييف أو متماسكة ايديولوجيًا أو انتهازية، تحديًا دائمًا لكلا الجانبَين.
فالمجموعات الموالية لروسيا يمكنها أن تسعى إلى محاسبة نظام استخدمها ثمّ خيّب أملها أو أن تقول للكرملين “وعدتنا بإمبراطورية لكنك عاجز عن محاربة أوكرانيا”، بحسب ريكاويك.
أمّا المجموعات الموالية لأوكرانيا، فقد تشعر بالخيانة لتلقي كييف مساعدات غربية غير كافية برأيها، وبالتالي تعمد إلى التخلص من وصاية كييف عليها.
غير أن الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي لا يملك الوقت للانشغال بها. فزيلينسكي “يقاتل من أجل بقاء بلده” و”لا يمكنه عزل أي جهة تدعمه”، بحسب الباحث رفايلو بانتوشي من كلية س. راجاراتنام للدراسات الدولية في سنغافورة.
ويقول بانتوشي “أقل ما يقلقه هو الدخول في معركة سياسية حول ما هو جيد أو سيئ”.
مع ذلك، فإن دخول جماعات يمينية متطرفة في نزاعات لا يبشّر بالخير.
ويضيف بانتوشي “خطير جدًا أن تحاول دولة ما التلاعب بمثل هذه المجموعات، باعتقادها أنها تستطيع السيطرة عليها… لأنه سبق أن رأينا أن ذلك لم يفلح”.