استمرار المعارك في السودان رغم الدعوات إلى هدنة في عيد الفطر

لبنان الكبير
معارك السودان

اندلعت في شوارع العاصمة السودانية الخرطوم الجمعة معارك عنيفة بين الجيش وقوات الدعم السريع على الرغم من الدعوات إلى هدنة من أجل المدنيين في أول ايام عيد الفطر.

وتحدث شهود عن إطلاق نار وغارات جوية قبل شروق الشمس كما يحدث كل صباح منذ 15 نيسان/أبريل، في معارك أسفرت عن سقوط “413 قتيلاً و3551 جريحاً”، بحسب حصيلة جديدة لمنظمة الصحة العالمية.

وأكدت لجنة أطباء السودان المركزية في منشور على فيسبوك أنّه “في ليلة عيد الفطر المبارك تعرضت قبل قليل وما زالت تتعرض مناطق متعددة من الخرطوم للقصف والاشتباكات المتبادلة بين قوات الجيش والدعم السريع”. وأضافت أن هذه المواجهات “خلفت دمارا طال المباني والمنشآت والممتلكات العامة”.

وتكثفت الاتصالات الديبلوماسية في محاولة لإسكات المدافع، أقلّه خلال عطلة عيد الفطر.

وقال وزير الخارجية البريطاني جيمس كليفرلي الجمعة إنه قطع زيارته إلى منطقة آسيا والمحيط الهادي عدة أيام “بسبب الوضع في السودان”.

والخميس، أعلن الفريق أول عبد الفتاح البرهان قائد الجيش ورئيس مجلس السيادة الانتقالي في السودان منذ انقلاب 2021، أنه تلقى اتصالات من عدد من قادة دول المنطقة – خصوصا جنوب السودان وإثيوبيا – ومن مسؤولين في الخارج – على راسهم الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش ووزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن.

ودعا جميع هؤلاء القادة البرهان إلى وقف القتال في عيد الفطر ضد قوات الدعم السريع التي يقودها الفريق أول محمد حمدان دقلو الملقب بحميدتي، الرجل الثاني في السلطة منذ الانقلاب.

وأعلنت قوات الدعم السريع “موافقتها على هدنة لمدة 72 ساعة” اعتبارا من الساعة الرابعة بتوقيت غرينتش لمنح فترة راحة للسودانيين الذين ما زالوا عالقين في تبادل إطلاق النار.

وفي الخرطوم، ينتقد عبد الواحد عثمان (53 عاما) “الذين يحبون السلطة كثيرا”. ويقول “إنهم يقاتلون من أجل السلطة ولكنهم لا يهتمون بالفقراء الذين ليس لديهم ماء أو كهرباء ويجدون صعوبة في إطعام أنفسهم”.

في الوقت عينه، ألقى الفريق أول البرهان عبر التلفزيون الحكومي خطابا إلى السودانيين بمناسبة عيد الفطر، في أول ظهور له منذ بدء القتال في 15 نيسان/ابريل. ولم يشر البرهان في خطابه إلى أي هدنة.

قال البرهان الذي ظهر ببزة عسكرية جالسا في مكتب بين علمين للسودان “تمرّ على بلادنا هذا العام مناسبة عيد الفطر المبارك وبلادنا أصابها جرح بالغ الخطورة”.

وأضاف “يبقي الأمل الدائم في أنّنا مع شعبنا العظيم سنتجاوز هذه المحنة ونخرج منها أكثر وحدة وقوة وتماسكا ويزداد هتافنا قوة +جيش واحد، شعب واحد+”.

وأوضح أنّ “قواتكم المسلحة تتقدم في حسم المتمردين”، مؤكدا أنه “على ثقة في تجاوز هذه المحنة بالحكمة والقوة وبما يحافظ على أمن ووحدة البلاد ويمكننا من الانتقال الآمن للحكم المدني”.

من جهتها، أعلنت الولايات المتحدة الخميس أنها تنشر قوات في شرق إفريقيا تحسبا لاحتمال إجلاء موظفي السفارة الأميركية في السودان. وقال مسؤول أميركي طالبا عدم كشف هويته إنّ هذه القوات الأميركية الإضافية ستنشر في جيبوتي بشرق إفريقيا.

ومطار الخرطوم مغلق منذ السبت بينما تدعو السفارات رعاياها إلى الإبلاغ عن أماكن وجودهم لكن مع البقاء في منازلهم.

وبعد محادثات أجراها مع رئيس الاتحاد الإفريقي وقادة دوليين آخرين “اقتنع الجميع بأن الهدنة ملحة في السودان”، حسب وزير الخارجية الأميركي الذي دعا الفريقين المتنافسين إلى محاولة التفاوض مرة أخرى من أجل وقف القتال الذي يتركز خصوصا في الخرطوم ودارفور (غرب).

ولم تعد شبكة الهاتف تعمل إلا بشكل متقطع.

ويعيش سكان الخرطوم البالغ عددهم خمسة ملايين نسمة يومهم السابع وسط الغارات الجوية والانفجارات والاشتباكات في الشوارع. وقد نفدت مؤن عدد كبير من العائلات ولم يعد لديها كهرباء أو مياه جارية. ويحاول عدد كبير منها الفرار بين نقاط التفتيش التابعة لقوات الدعم السريع والجيش وسط جثث متناثرة على جانبي الطريق.

ومنذ تحول النزاع بين الجنرالين إلى معركة ضارية، فرّ عدد كبير من المدنيين إلى الخارج أيضاٍ. وذكرت الأمم المتحدة أن بين عشرة آلاف وعشرين ألف شخص خصوصا من النساء والأطفال توجهوا إلى تشاد المجاورة.

كما ألحقت عمليات إطلاق النار المستمرة أضرارا جسيمة بمستشفيات جديدة الخميس، وفقا لنقابة الأطباء. وقد أصيبت أربع مستشفيات في الأبيّض الواقعة على بعد 350 كيلومترا جنوب الخرطوم.

ويطلق كل من الجانبين إعلانات نصر واتهامات للطرف الآخر لا يمكن التحقق منها على الارض بسبب خطورة الوضع.

وقال أطباء إن سلاح الجو الذي يستهدف قواعد ومواقع قوات الدعم السريع المنتشرة في المناطق السكنية لا يتردد في إلقاء القنابل، وأحيانا فوق المستشفيات.

وذكرت نقابة الأطباء أن “سبعين بالمئة من 74 مستشفى في الخرطوم والمناطق المتضررة من القتال توقفت عن العمل” إمّا لأنها قُصفت أو لنقص الإمدادات الطبية والكوادر أو بسبب سيطرة مقاتلين عليها وطردهم المسعفين والجرحى.

واضطرت معظم المنظمات الإنسانية إلى تعليق مساعداتها وهي أساسية في بلد يعاني فيه أكثر من واحد من كل ثلاثة أشخاص من الجوع في الأوقات العادية.

وقتل ثلاثة من موظفي برنامج الأغذية العالمي في دارفور في بداية القتال. ولم تعد الأمم المتحدة تحصي عمليات “النهب والهجمات” على مخزونها وموظفيها، وهي تدين “العنف الجنسي ضد العاملين في المجال الإنساني”.

وكان مركز الأبحاث “مجموعة الأزمات الدولية” حذر من أنه “لا البرهان ولا دقلو يريد الاستسلام على ما يبدو، لذلك الوضع قد يزداد سوءًا”.

وأضاف أن “نزاعا طويل الأمد سيكون خرابًا للسودان” ثالث أكبر منتج للذهب في إفريقيا وأحد أفقر دول العالم.

وتابع “حتى لو استعاد الجيش في النهاية السيطرة على العاصمة وانسحب دقلو إلى دارفور فقد تنشب حرب أهلية” ومعها “احتمال زعزعة الاستقرار في البلدان المجاورة: تشاد وجمهورية أفريقيا الوسطى وليبيا وجنوب السودان المتضررة بالفعل على مستويات مختلفة من العنف”.

شارك المقال