الذكرى الخمسين لرحيله… شهاب مالئ الشغور

هيام طوق
هيام طوق

في 25 نيسان 1973، رحل الرئيس فؤاد شهاب عن عمر يناهز الـ 71 عاماً إثر نوبة قلبية. رحل الرجل الذي بنى مؤسسات الدولة وحقق العدالة الاجتماعية وأطلق عجلة النمو والتطور والنهوض بالوطن على المستويات كافة، حتى وصف عهده بالاستثنائي، والمليء بالانجازات، الا أنه منذ أن ترك منصبه في رئاسة الجمهورية في 22 أيلول 1964، انطوى الرئيس فؤاد شهاب على نفسه بعدما استشعر الخطر الذي يهدّد لبنان، ورأى أنه يسير نحو الإنهيار والتفكك، ولكن لو كتب له أن يعيش الى اليوم، ماذا كان ليفعل الرجل الآدمي، صاحب الضمير الحي حين يرى أن المؤسسات التي بناها، انهارت، والازدهار الذي حققه بات في خانة الاندثار، والعدالة الاجتماعية التي أرساها، تبخرت، والبلد الذي أراده رائداً ومنارة ليس في المنطقة وحسب انما في العالم، أصبح في آخر طبقات جهنم، ومهدداً بين يوم وآخر بالتفتت والتحلل والانهيار التام.

في الذكرى الخمسين على رحيل الرئيس فؤاد شهاب، يستذكره كثيرون، ويعتبرون أن أعماله تشهد له، تشهد على الرئيس السيادي والاصلاحي وباني مؤسسات الدولة والحامي للدستور، والمؤمن بالانماء المتوازن، وبالعدالة بين جميع المواطنين في مختلف المناطق. والحسرة اليوم، أكبر على رحيل القامات الكبيرة، ورجالات الدولة، خصوصاً في ظل كل الأزمات التي تعصف بالبلد، وتهدد وجوده.

الكلام عن الرئيس شهاب والحقبة الشهابية، يطول، لكن لا بد من التساؤل: هل لبنان في حاجة اليوم إلى أمثال صاحب الذكرى، وإلى رجال من طينته خصوصاً أن المسؤولين تخلوا عن مسؤولياتهم، ولم يحققوا أي خطوة في مسيرة الاصلاح لا بل فشلوا في فرملة الانهيار المتسارع، ولم يلتزموا بالدستور في انتخاب رئيس للجمهورية، وفي إجراء العديد من الاستحقاقات الدستورية، ويتلهون بمناكفاتهم الكيدية والشعبوية؟

اعتبرت النائب غادة أيوب “أننا في حاجة أولاً الى رئيس للجمهورية، ومن طينة الرئيس شهاب لأن الدستور في عهده كان الأساس. كان يطلب دائماً اللجوء الى الكتاب والاستعانة به. نحن اليوم في أمس الحاجة للعودة الى المبادئ الدستورية والقانونية، وإلى دولة القانون ودولة المؤسسات التي حاول الرئيس شهاب أن يبنيها، لكن منذ أن انتهى عهده، بدأت مسيرة التدهور والانهيارات المتلاحقة”.

وقالت: “عند انتهاء ولاية الرئيس شهاب، طلب منه الاستمرار في الحكم، وفي سدة الرئاسة، لكنه رفض حينها لأنه كان يرى أن النهج المتبع، والمحاصصة والزبائنية التي أصبحت تتبع في الحكم، لا تتناسب ولا تتجانس ولا تتوافق مع نهج بناء المؤسسات. وبالتالي، فضّل الالتزام في منزله، لأنه لا يريد أن يشهد على انهيار المؤسسات التي كان المساهم الأول في بنائها”.

ورأت أيوب “أننا اليوم، نشهد أسوأ عصر من الانهيارات على صعيد المؤسسات كافة، ولم يبق سوى المؤسسات العسكرية والأمنية تقوم بواجباتها فيما المؤسسات الأخرى، انهارت، وما تبقى من الدولة يقضون عليه تباعاً، وما حصل في جلسة التمديد للمجالس البلدية، وجلسة اتخاذ قرارات حكومية كلها قابلة للطعن لأنها تضرب بالقانون عرض الحائط تحت عنوان الظروف الاستثنائية، يؤكد ذلك”.

وشددت على “أننا بأمس الحاجة الى رجال دولة، يتسلحون بالدستور، ولا تُلوى ذراعهم، ولا يلجؤون الى التسويات والتنازلات أو ينصاعون الى أطراف معينة. يجب أن يكون لدينا رئيس إنقاذي، لا يتحدى أي طرف انما يعمل على تطبيق الدستور، ويحمي سيادة لبنان ووحدة أراضيه، وأن يتمتع بالقوة والارادة، وأن يتسلح بقاعدة شعبية وتمثيلية، تساعده في الوقوف في وجه محاولات ضرب القانون ومقومات الدولة”.

وأكد الوزير السابق رشيد درباس أن “لبنان بلد الفرص الضائعة. الرئيس شهاب أراد أن يكون لبنان دولة حقيقية وفق ما أراده مؤسسوه، فأولى عناية كبرى للمناطق الفقيرة، وعمل على التنمية المتوازنة، وبنى المؤسسات وفق القواعد الحديثة اذ استعان بالخبرات الفرنسية، وكانت مؤسسات ناجحة جداً، ومنها مجلس الخدمة المدنية، والدور الفاعل الذي لعبه في بناء الدولة، كما أن القضاء كان له المقام المحترم والعالي، وتفتيش مركزي فاعل، ومؤسسة عسكرية حافظت على هيبتها ومناقبيتها وجاهزيتها بالاضافة الى أن اللعبة الديموقراطية هي التي كانت سائدة”.

وأوضح أنه “حين طلب من الرئيس شهاب، الاستمرار في الحكم، حذّر في بيان مهم جداً من أنه لا يجوز الاستمرار في تركيبة النظام كما هي، انما تتطلب اصلاحاً، وقال أنا لن أدخل في هذه اللعبة، وأعتذر. وحين انتهت ولاية الرئيس شارل حلو، طُلب من الرئيس شهاب العودة الى سدة الرئاسة، فأصدر بياناً مشابهاً وموقفاً متطابقاً”، معتبراً أنه “الرجل الذي كانت المناصب تسعى إليه، وكان هو يرفضها، لكن حين مارسها، مارسها كأمير وكلواء، وكرجل شريف، وكوطني من الطراز الأول. وبالتالي، ما بناه الرئيس فؤاد شهاب، سرنا عليه منذ ذلك الحين، لكن نضيّعه اليوم. ونستنتج لنقول اننا في دولة الفرص الضائعة”.

ورأى أن “المواصفات الموجودة في الرئيس شهاب، يجب أن يتحلى بها الرئيس المقبل، ومنها أولاً العفة والترفع وممارسة السلطة بجدارة والتقيد بالأنظمة والقوانين. تمتع الرئيس شهاب بفكر إصلاحي، وأحب بلده، وكانت له مكانته واحترامه بين الدول التي نسج علاقات معها، وسخّر ذلك لمصلحة لبنان. من هو اليوم، الجدير والعفيف والذي يمارس السلطة من دون أن يعتبرها ملكاً خاصاً أو تركة من أهله؟”.

وقال: “هل يجوز أن ننسى لقاءه مع الرئيس جمال عبد الناصر الذي كان حينها معبود العرب من المحيط الى الخليج، وكانت سوريا تحت رئاسته في الجمهورية العربية المتحدة؟ اذ لم يكن وارداً أن يأتي عبد الناصر الى لبنان حينها، والرئيس شهاب لا يريد أن يذهب الى قصر الضيافة، فطلب الأخير أن يتم اللقاء في خيمة نصفها في الأرض اللبنانية والنصف الآخر في الأرض السورية، وذلك احتراماً وتقديراً للسيادة الوطنية لكلا البلدين، بحيث جلس عبد الناصر في الجانب السوري، وشهاب في الجانب اللبناني، واتفقا على استراتيجية شاملة، سياسياً وأمنياً وإعلامياً، تتضمن احترام سيادة لبنان من جانب القطب العربي الأبرز مقابل تفاهم على ألا تتعارض السياسة الخارجية اللبنانية مع السياسة العربية والدولية التي تنتهجها الجمهورية العربية المتحدة، لكن من غير أن يفرض ذلك على لبنان التخلي عن صداقاته مع العالم الخارجي. وتطبيقاً لهذا الاتفاق، سحبت العناصر المسلحة وغير المسلحة كلها التي دخلت لبنان إبان حوادث ثورة 1958 وعرف لبنان بعدها وعلى مدى 10 سنوات، ازدهاراً وأمناً وبحبوحة ووداً عربياً ودولياً بارزاً ومهماً، أتاح للرئيس فؤاد شهاب أن يكمل وضع برنامجه الإصلاحي والإنمائي لبناء دولة الاستقلال حتى هزيمة 1967”.

شارك المقال