أحكام جائرة بحق العشائر تغاضت عن مسؤولية “حزب الله”!

زياد سامي عيتاني

“الأحكام المجحفة والظالمة التي صدرت عن المحكمة العسكرية بشأن أحداث خلدة، لم تكن أحكاماً قضائية، بل كانت أحكاماً سياسية بغطاء قضائي”، بهذه العبارة يلخّص أحد مشايخ العشائر، الأحكام الجاحدة وغير المنصفة، كما وصفها، جازماً بأنّ ضغوطَاً وتدخلات من “حزب الله”، (الذي يملك نفوذاً واسعاً داخل المحكمة)، برّأته بصورة نهائية من مسؤولية تسبّبه بأحداث خلدة ونتائجها، خصوصاً وأنّ التحقيقات السابقة لم ينتج عنها توقيف أيّ عنصر من عناصره، بعد أن منعت اللجنة الأمنية التابعة له المحققين من إستجواب الجرحى داخل المستشفيات.

إذاً، جاءت الأحكام غير العادلة، الصادرة عن المحكمة العسكرية لتنكأ الجراح بخنجر سام (!)، بدلاً من تضميدها، ما أعاد الأجواء إلى التشنّج بين العشائر و”حزب الله”، لا سيما وأنّ شعوراً من الخيبة والغدر يسود في صفوف العشائر، التي تعتبر أنّ المفاوضات التي جرت لدى مديريّة مخابرات الجيش، كانت مجرّد خدعة كبيرة من الحزب، الذي كان يناور كسباً للوقت، حتى يتاح له المجال للتدخّل السياسي في مجرى التحقيق، مستفيداً من نفوذه الذي جعله يتحكّم بمسار ملف القضية، الذي هو في الأساس ضعيف وغيرمتكافئ، لعدم توافر المعطيات الكافية بسبب منع التحقيق مع “حزب الله” بصورة نهائية، ما جعل الأحكام جائرة، وأقرب ما تكون إلى الأحكام العرفية، بمحاكمة صورية.

وعليه، تعتبر العشائر أنّ الأحكام طعنة غادرة في الظهر، وانقلاب سافر على التسوية التي تمّ الاتفاق عليها، (نصّت على خفض العقوبات إلى ما دون السنوات الخمس وإقفال هذا الملف نهائياً، على أن تشمل مدانين من الطرفين)، إلّا أنّ “حزب الله” لم يتقيّد بالاتفاق، واستطاع من خلال نفوذه الواسع داخل القضاء والمنظومة السياسية الانتقام على طريقته من العشائر، وأبناء خلدة.

في المقابل، لم تتمْ ملاحقة أو معاقبة أيّ عنصر من “حزب الله”، على الرغم من ثبوت مشاركتهم في الاشكال المسلح، بحيث تشير أوساط العشائر العربية إلى أنّ الحزب استطاع التنصّل من المسؤولية، وحماية عناصره من الملاحقة والمساءلة، وفرض المحاكمة على أبناء عرب خلدة.

وعلى الرغم من الأجواء المشحونة في المنطقة جراء الأحكام التي “تبنتها” المحكمة العسكرية (!)، وبدلاً من الشروع في المعالجة السياسية الحكيمة والمسؤولة لتداعيات الأحكام القضائية في الاشكال الذي مضى عليه عشرون شهراً، تمّ التعامل مع الموضوع “أمنياً”، من خلال تكثيف انتشار الجيش اللبناني، ومنع أبناء عشائر العرب من التعبير عن سخطهم وإحتجاجهم على الأحكام الجائرة بحقهم، ما زاد من منسوب الاحتقان في نفوسهم، في وقت يشاهدون أمام أنظارهم وعلى الملأ، جماعات “سرايا المقاومة” (ذراع البلطجة للحزب) تسرح وتمرح بحريّة مطلقة، وبصورة إستفزازية، مزهوة بنصرها القضائي، هذه المرة.

أمام هذه المقاربة لملف أحداث خلدة، يبدي متابعون للموضوع خشيتهم من أن يكون الملف برمته، وظّفه “حزب الله” سياسياً، ككمين في وجه قائد الجيش العماد جوزيف عون، في إطار حملته الممنهجة “المبطنة” بالتواتر من خلال من يطلب منهم تنفيذها (لا سيما بقايا الأدوات العونية – الباسيلية)، بهدف تشويه صورته، منذ أن بدأ التداول بإسمه مرشحاً رئاسياً (على الرغم من عدم إبداء رغبته في الترشح)، فاستفاد الحزب من هيكلية تكوين القضاء العسكري، حيث أن المشرّع أعطى وزير الدفاع وقيادة الجيش صلاحية في تشكيلاته.

إذا صحت هذه القراءة، فإنّ “حزب الله” يكون مرة جديدة قد ضرب من “تحت الحزام” ليس قائد الجيش كموقع، بكلّ ما يمثله من ضمانة وطنية وأمنية ومناقبية، في هذا الظرف البالغ الدقة والخطورة، وفي ظل الشلل التّام في مؤسسات الدولة، بل المؤسّسة العسكرية برمتها، وهي الموسّسة الوحيدة المتبقية من كلّ ركائز الدولة ومقوماتها في لبنان، والتي تمكّنت من المحافظة على وجودها وإستمراريتها، في وقت كلّ مؤسّسات البلد تنهار وتتهاوى، حتى بات يصح القول: “لم يبقَ من الدولة اللبنانية إلّا جيشها”.

شارك المقال