صورة فرنجية وحظوظه… تهتز!

صلاح تقي الدين

لم يكن رئيس تيار “المردة” الوزير السابق سليمان فرنجية موفقاً في إطلالته التلفزيونية الأخيرة والتي اعتقد كثيرون أنها ستكون المناسبة ليعلن فيها ترشحه إلى الانتخابات الرئاسية، غير أنه خالف هذه التوقعات بتبرير عدم وجود نص يلزم “الطامح” الى تبوؤ المنصب الأول في الجمهورية بأن يعلن ترشحه، كما أثبت من خلال تطرقه إلى الملفات الخلافية أنه ابن فريق الممانعة قلباً وقالباً، ما زعزع صورته التي حاول أن يبيّضها سابقاً عندما أعلن انفتاحه وخصوصاً على البيئة العريية.

وإذا كان نائب الأمين العام لـ “حزب الله” الشيخ نعيم قاسم قد خيّر اللبنانيين قبل مدة بين خيارين إما انتخاب المرشح الجدي الذي هو فرنجية وإما الفراغ، فإن موقف رئيس كتلة “الوفاء للمقاومة” النائب محمد رعد نفض هذه النظرية عندما دعا الفرقاء السياسيين إلى الحوار للتوافق على اسم رئيس للجمهورية، مشيراً الى عدم تمسك حزبه بفرنجية مقابل عدم تمسك الفريق السيادي بمرشح يشكل تحدياً له.

وبالعودة إلى مقابلة فرنجية التلفزيونية، فإنه على الرغم من محاولاته العديدة لتأكيد إيمانه بموقع لبنان الطبيعي في بيئته العربية ومحاولات التودد إلى المملكة العربية السعودية، إلا أن رئيس “المردة” وقع في مطبين يشكلان هاجساً بالنسبة الى فريق كبير من اللبنانيين ناهيك عن رفض المملكة العربية السعودية لهما أصلاً.

المطب الأول كان تأكيده على الوقوف بصورة حاسمة إلى جانب فكرة الثلث الضامن في الحكومة، وهي بالنسبة إليه أساس في تشكيل الحكومة على اعتبار أن هذا الثلث سيؤمن التضامن الوزاري وعدم صدور أي قررات حكومية لا ترضي جميع الفرقاء. غير أن فرنجية وإن لم يعلنها صراحة، كان يلمح الى أن رئيس الحكومة العتيد، والذي تطرح فرنسا الداعم الأول لوصول فرنجية إلى بعبدا، أن يكون من فريق المعارضة وتحديداً السفير نواف سلام، لن يكون مطلق الصلاحيات في إدارة عمل حكومته وهذه هي مشكلة وجود الثلث أصلاً.

وفضلاً عن هذه المشكلة، لم يقل فرنجية لمن يريد أن يكون هذا الثلث وربما كان الاستنتاج منطقياً إن اعتبرنا أنه يلمح الى إعطائه إلى فريق الممانعة الذي “يفتخر” بالانتماء إليه وذلك لكي يستمر في التحكم بشؤون البلد وقراراته السياسية والاقتصادية.

والمطب الثاني الذي أوقع فرنجية نفسه فيه كان إصراره على التدخل في أسماء الوزراء الذين سيقترحهم رئيس الحكومة في التشكيلة التي سيرفعها إليه، وهو يؤكد في هذا الموضوع أولاً أنه ممسك بصلاحية إصدار التشكيلة الحكومية أو رفضها إن لم تعجبه، وثانياً أنه سيستمر في السير على منهاج الرئيس السابق ميشال عون في الضرب بصلاحيات رئيس الحكومة الذي ينص الدستور على أنه من يشكل الحكومة من دون شريك له في التشكيل وإن كانت الموافقة على التشكيلة مرهونة بتوقيع رئيس الجمهورية.

هذان المطبان كانا ولا يزالان يشكلان الاعتراض الأول والأهم بالنسبة الى المملكة العربية السعودية التي بالتأكيد لن تقف متفرجة على العبث باتفاق الطائف الذي رعته وكانت الأحرص على تطبيقه نصاً وروحاً، وهذا ما سبّب نأيها بنفسها عن لبنان بعدما أمعن فريق العهد القوي ومن خلفه وأمامه “حزب الله”، في الضرب بروح الدستور وجرّ لبنان إلى سياسة المحاور.

وإذا صح ما أعلنه عضو كتلة “اللقاء الديموقراطي” النائب وائل أبو فاعور أمس بأن الفرنسيين يقولون إن المملكة العربية السعودية تعيد تقويم موقفها من فرنجية، فالأرجح أن هذا التقويم سيكون سلبياً وقد يدفعها إلى إعلان ذلك بالعودة إلى التشديد على عدم تدخلها في الأسماء لكنها تفضّل أن يكون الرئيس العتيد جامعاً وبعيداً عن المحاور، على الرغم من أن جميع المؤشرات الحالية توحي بأن المملكة أصبحت اللاعب الأكثر أهمية في مسألة مستقبل لبنان وانتخاباته الرئاسية.

في الوقت الذي بدا واضحاً أن مفاعيل الاتفاق السعودي – الايراني الذي من بنوده الرئيسة خفض الخطاب الاعلامي التحريضي بين البلدين قد نجح بدليل عدم تطرق الأمين العام لـ “حزب الله” السيد حسن نصر الله إلى المواضيع التي كانت تشكل عصب إطلالاته والتي كان يوجه فيها الانتقادات من كل صوب الى المملكة وقيادتها، وعدم صدور أي مواقف تصعيدية من الفريق السياسي المقابل ضد إيران ومحاولات ربط النزاع مع الحزب، لم ينجح فرنجية في تحييد نفسه وتلميع صورته وهذا ما دفع بعض المراقبين إلى القول بأن صورة فرنجية وحظوظه اهتزت.

إلى أن يدخل الاتفاق الذي رعته بكين في المرحلة الثانية من تطبيقه أي تبادل السفراء والبدء بالخطوات العملية للتبادل الاقتصادي والاستثماري، فإن الانتخابات الرئاسية اللبنانية تبدو على الأقل لتاريخه، بعيدة المنال على الرغم من أن التفاؤل الموازي للحركة الديبلوماسية الكثيفة التي تشهدها المنطقة دفعت البعض إلى الاعتقاد بأن الطبخة الرئاسية أصبحت على نار حامية.

شارك المقال