هل تتكرر عمليات اصطياد بارونات المخدرات في سوريا؟

فاطمة حوحو
فاطمة حوحو

يطرح مقتل “اسكوبار سوريا” مرعي الرمثان، بغارة شنتها طائرات حربية أردنية داخل الأراضي السورية، على الحدود بين البلدين، أسئلة كثيرة عما اذا بدأ الانفتاح العربي على النظام يؤتي ثماراً، في معالجة تهريب المخدرات لا سيما الكبتاغون من سوريا ولبنان نحو الأردن ومن ثم الى دول الخليج، بعدما فشل نظام العقوبات الأميركية المفروض على النظام السوري في منع التهريب وتبييض الأموال، ولم تؤذِ مصالح التجار أو توقف أعمالهم غير الشرعية داخل سوريا وخارجها أيضاً، أو تحد من قدرة “حزب الله” على بناء المصانع في المناطق التي تمركز فيها في سوريا أو التي يسيطر عليها في البقاع ويؤمن الحماية لتجار المخدرات تصنيعاً وتهريباً، على الرغم من قرار الولايات المتحدة الأميركية “مكافحة انتشار المخدرات وتهريبها للأسد” أو “قانون الكبتاغون” الذي أقره مجلس النواب الأميركي في أيلول العام الماضي، الهادف الى تعطيل الانتاج وملاحقة النظام، الا أن ما شهدناه انفتاح على النظام من دول غربية وعربية لاحقاً بداعي مكافحة المخدرات التي يريد الأسد الافادة منها لاستبدالها بأموال تدعم نظامه مبتزاً هذه الدول الخائفة من تزايد عمليات التهريب، والقول لها ان ليس باستطاعته ضرب هذه المافيات المتحكمة. ولكن بعد اجتماعي جدة وعمان والاصرار على وقف التهريب بدا أنه مع التعاون، وهو ما يفسر التحرك الأردني في العملية التي قام بها وأدت الى مقتل “اسكوبار سوريا”. وقد تتزايد مثل هذه العمليات في سياق الحد من تهريب المخدرات، وانتشارها في سوريا وخارجها أيضاً بحيث تشير تقارير الى أن الحبوب المخدرة من السهل الحصول عليها في سوريا أكثر من العدس أو الخبز، وأن تجار المخدرات هم قادة ميليشيا محلية، بعضهم ورد اسمه على لائحة العقوبات ومن بينهم أشخاص من عائلة الأسد.

لقد أحبط الأردن خلال الأشهر الماضية عدة محاولات للتهريب عبر الحدود الجنوبية، التي لم يمنعها النظام السوري لكونه في الأعوام الأخيرة كان يعتمد على عائدات تجارة المخدرات ويؤمن الحماية لعشرات منشآت التصنيع. وبدا في حينه أن التطبيع مع النظام ساعد في زيادة التهريب ولم يحد منها، كما أن عودته الى عضوية الانتربول ساهمت في ذلك أيضاً.

اما اليوم ومع عودة سوريا السريعة الى الجامعة العربية اثر الاتصالات واللقاءات المكثفة التي حرّكت مشغلات العودة ووضعت شروطاً أو خريطة طريق وهو ما بدا واضحاً في بيان اللقاء التشاوري الذي انعقد في عمان ونصّ على “تعزيز التعاون بين دمشق ودول الجوار والدول المتأثرة بعمليات الاتجار بالمخدرات وتهريبها عبر الحدود السورية”، تم التأكيد على تعاون الحكومة السورية مع الأردن والعراق في تشكيل فريقي عمل سياسيين – أمنيين مشتركين منفصلين خلال شهر، لتحديد مصادر إنتاج المخدرات وتهريبها، والجهات التي تنظم عمليات تهريب عبر الحدود مع الأردن والعراق وتديرها وتنفذها، واتخاذ الخطوات اللازمة لانهائها.

ويبدو أن الغارة التي استهدفت تاجر المخدرات السوري منذ يومين بداية لما تم التوافق عليه وترجمة عملية للقرار الذي اتخذ وجرى تنفيذه من دون أن ينطق النظام ببنت شفة لكون الغارة حصلت في الأراضي السورية من دولة مجاورة، فقد قال وزير الخارجية الأردني أيمن الصفدي: “عندما نتخذ أي خطوة لحماية الأمن الوطني سنعلنها في وقتها المناسب، وقضية المخدرات تهديد كبير للمملكة والمنطقة في ضوء تصاعد عمليات التهريب”.

وفي المستقبل القريب قد لا يكون مستغرباً أن تتكثف مثل هذه الغارات النادرة الحصول، وظهر أن النظام بدأ يتعاون أمنياً مع العرب لحلحلة مشكلة المخدرات، وتسليم مفاتيح هذه التجارة المدمرة للقيام بما يجب، لمنع خطر ترويجها في الأردن والخليج.

لقد تحولت صناعة الكبتاغون غير القانونية كمنشط ارتبط بالحرب السورية، لدعم النظام والميليشيات الايرانية و”داعش” أيضاً بمليارات الدولارات. وتحول الكبتاغون الى أهم صادرات سوريا الى العالم، وراج استخدامه عند الأثرياء والفقراء على حد سواء لكونه مخدراً رخيصاً ولقب بـ “كوكايين الفقير” وليس محرماً كما هو حال الكحول في الدول الاسلامية.

ومن المعروف أن المهرّبين يعملون على إعداد شحنات للتصدير والنقل ويتلقون عملات بملايين الدولارات ويعملون ضمن شبكات تضم سوريين ولبنانيين وأردنيين وسعوديين وعراقيين، ومعظم البارونات في تجارة التهريب هذه من العشائر البدوية. كما أن الحبوب ذات الجودة الرديئة والأقل نقاوة تباع في سوريا، بينما تهرّب الأدوية ذات الجودة الأفضل إلى خارج البلاد، كما تشير تقارير صحافية.

وانتاج الكبتاغون في سوريا كان يتم بصورة سرية قبل العام 2011، ومع انهيار سلطة الأسد وغياب القانون، وتدمير الاقتصاد السوري، ازدهرت صناعته على أيدي الميليشيات المدعومة من مراكز السلطة، اذ انخرط النظام وعائلة الأسد والمقربون منها في التجارة بعد الانتاج، مع تدهور الوضع الاقتصادي، الى أن تحول الى أكبر صادرات سوريا، اذ وفر لها أموالًا مهمة بالعملة الأجنبية، أبقت على ثراء العائلة الأسدية ومقربيها.

وتوزعت مرافق الانتاج في الأجزاء التي يسيطر عليها النظام، وعلى الحدود مع لبنان والأردن، وبالقرب من الموانئ في محافظة اللاذقية ومن العاصمة دمشق، حيث يسمح إنتاج المخدرات على مقربة من المعابر الحدودية والموانئ بتهريب الشحنات بسرعة أكبر وبتكلفة أقل.

وكان الأردن طريق تهريب شائعاً بصورة متزايدة، بحيث كانت السلطات تصادر شحنات باستمرار وتشارك في معارك بالأسلحة النارية مع المهرّبين على الحدود.

شارك المقال