كان لافتا القرار الأخير الصادر عن المجلس التأديبي للقضاة بصرف النائبة العامة الاستئنافية في جبل لبنان القاضية غادة عون من الخدمة بناءً على شكاوى عدّة مقدمة أمام التفتيش القضائي بحقها. ولم يكن مستغرباً صدور هذا القرار خصوصاً وأن “قاضية عهد جهنم” لديها ملف حافل بمخالفاتها القانونية وتجاوز صلاحياتها المكانية وإمعانها في تدمير المؤسسات الدستورية في البلد، فأمام التفتيش القضائي هناك أكثر من 10 ملفات قضائية بحقها، وقد استدعاها مجلس القضاء الأعلى للمثول أمامه بتهمة عدم الأهلية للاستمرار في القضاء، وعلى الرغم من كل هذا لم تمثل مرة واحدة ولا تزال تتصدر مركزها بحماية سياسية عونية خصوصاً وأن وزير العدل في حكومة تصريف الأعمال هنري خوري التابع لـ”التيار الوطني الحر” يحمي ظهرها ويساندها غير عابئ بأعمالها غير الدستورية، فمن ينسى إقتحامها “شركة مكتف” بطريقة ميليشياوية بمساندة “الحرس القديم”، ومداهمتها مصرف لبنان ودخولها عنوةً بهدف اعتقال الحاكم رياض سلامة؟ ومن ينسى تصدرها “الترند” عبر مواقع التواصل الاجتماعي من خلال نشر اتهاماتها الحافلة بالافتراء والقدح والذم، وإبلاغ السلطات العامة أخباراً كاذبة ومساهمتها في تضليل الرأي العام وإثارة النعرات الطائفية من دون العودة الى الأدلة والاثباتات اللازمة، مع العلم أن القاضي ممنوع عليه الادلاء بتصريحات إعلامية وتحديداً السياسية منها؟ ومن ينسى أنها تمردت على سلطتها القضائية بعدما أصدر النائب العام التمييزي القاضي غسان عوديات قراراً بكف يدها عن الملفات، وذهابها الى الخارج من دون إذن مرجعيتها، الى جانب إستدعاء مجلس القضاء الأعلى لها مرتين سنداً للمادة 95 من قانون التنظيم القضائي لكن الرئيس السابق ميشال عون تدخل حينها وسحب الملف؟ واذا أردنا استكمال سرد تجاوزاتها فلن ننتهي من عدّها.
واليوم، بعد صدور القرار التأديبي المسطر بحقها تمردت القاضية عون مجدداً ورفضته جملةً وتفصيلاً وسرعان ما استأنفت بواسطة وكيلتها القانونية التي قدمت اعتراضاً على القرار بصرف موكلتها من الخدمة، ما جعلها تستمر في تأدية عملها من دون رادع وقامت بإدعاءات جديدة على “بنك البحر المتوسط” بتهمة تبييض الأموال.
وهنا تطرح تساؤلات: هل يحق لقاضية مصروفة من عملها بناءً على قرار صادر عن المجلس التأديبي أن تستمر في ادعاءاتها وعملها كأن شيئاً لم يكن؟ وماذا عن صلاحيات وزير العدل بايقاف عملها ريثما يصدر القرار الاستئنافي خصوصاً أن هذا القرار إستنسابي؟ وما رأي أهل الاختصاص بقانونية ما يحدث في هذا الملف؟
وزير العدل السابق سمير الجسر أكد في حديث عبر موقع “لبنان الكبير” أن “المادة 90 من قانون القضاء العدلي تعطي الحق لوزير العدل أن يوقف عن العمل، بناء على اقتراح مجلس هيئة التفتيش القضائي، القاضي المحال على المجلس التأديبي، بحيث يتقاضى القاضي الموقوف عن العمل نصف راتبه وتعويضاته، وهذه الآلية مبنية على اقتراح مجلس هيئة التفتيش وبامكان هذا الوزير ايقاف القاضي عن العمل اذا اقترحوا عليه هذا الشق”.
وأوضح أن “هناك في قانون القضاء العدلي صلاحيات معينة معطاة لوزير العدل وتعتبر سلطة إستنسابية لأنها السلطة التي لا تخضع في عملها بحكم القانون لرقابة”، مشيراً الى أن “القاضية غادة عون استأنفت امام الهيئة العليا للتأديب وطعنت بالقرار الصادر عن المجلس التأديبي أمام هذه الهيئة ولها الحق بتقديم هذا الطعن، والقرار النهائي يصدر عن الهيئة، واذا لم يتم توقيفها عن العمل فبامكانها الاستمرار في عملها، لكن اذا تم ايقافها عن العمل بموجب القرار الأولي فبامكان السلطة الادارية المتمثلة بوزير العدل أو مجلس القضاء الأعلى اللذين لديهما صلاحيات في حالات التأديب ايقاف القاضي عن العمل”.
أما الرئيس السابق لمجلس شورى الدولة القاضي شكري صادر فقال: “المجلس التأديبي رأى أن تصرفات القاضية عون تستأهل القول لها بأنها لم تعد ضمن هذه العائلة القضائية، وصدر بحقها قرار صرف من الخدمة، وعندما يستأنف القاضي الذي صدر بحقه قرار تأديبي من هذا النوع، فهذا الاستئناف يوقف التنفيذ، يعني لا يمكننا تنفيذ القرار الابتدائي قبل أن يصدر القرار الاستئنافي عن هيئة التأديب العليا الا في حالة وحيدة اذا كان معالي وزير العدل لديه نص فيها ويحق له توقيف قاضٍ عن العمل بالنظر الى خطورة ما أسند الى هذا القاضي من مخالفات توقفه عن العمل لمدة 6 أشهر”.
وشدد على وجوب “تسليط الضوء على صلاحية وزير العدل لأن القانون ينص على أن القاضية تبقى مستمرة في عملها الى حين صدور القرار الاستئنافي، لكن بإمكانه في حال أراد النظر الى خطورة العقوبة التي أنزلت بحق القاضية غادة عون أن يقول لها: ما أسند اليك خطير جداً أدى الى أخذ اصدار المجلس التأديبي قراراً بصرفك من الخدمة وبالتالي أريد توقيفك عن العمل ريثما يصدر القرار الاستئنافي. وبالتالي هذه السلطة معطاة لوزير العدل وهي إستنسابية لكن حتى هذه اللحظة لم يأخذ هذا القرار ما يعني أنه لا ينوي اتخاذه”.
وأكد صادر أن “صلاحية وزير العدل بإمكانه إستخدامها بما له من سلطة استنسابية، ولم يتخذ قراراً بوقف القاضية عون عن العمل وبالتالي تبقى مستمرة في عملها الى حين صدور القرار بالاستئناف، وفي المجمل هذه القرارات سرية من جهة ولا يمكننا معرفة ماذا هناك من تفاصيل داخل الملف من جهة أخرى”. ووصف صادر هذه العقوبات بـ “الصعبة نظراً الى كونها تؤثر على مسيرة القاضي بأكملها”، لافتاً الى أن “الاستئناف في الظروف العادية لا يأخذ أكثر من شهر ونصف الشهر أو شهرين للبت فيه فهو ليس بدعوى تبقى خمس سنوات”.
أمام هذه التفسيرات القانونية يتضح أن بإمكان وزير العدل توقيف قاضية البلاط السابقة عن مهامها، لكن أمام حساباته السياسية والاملاءات الضيقة لكونه محسوباً على “التيار” قرر التمنع عن هذه الصلاحية المعطاة له وغض النظر عن كل ما ترتكبه عون، لتبقى مسيرتها رهينة القرار الاستئنافي الذي سيصدر عن الهيئة العليا للتأديب، فهل “ستتأدب” أم تستمر في مسرحياتها الهزلية؟