من سيكون الرئيس؟

صلاح تقي الدين

السؤال الذي يراود جميع اللبنانيين لم يعد من هو الرئيس الذي سيدخل إلى قصر بعبدا ليبدأ عهد انتشال البلد من الأزمات التي غرق فيها نتيجة ممارسات العهد السابق، بل أصبح يتعلق بموعد وصوله وما إذا سيكون بمقدوره إنقاذ الوطن والمحافظة على كيانه.

لكن هذا السؤال أصبح أكثر إلحاحاً بعد الحركة الديبلوماسية الأخيرة التي شهدتها الساحة اللبنانية وأعقبت الاتفاق الايراني – السعودي الذي عقد في العاصمة الصينية بكين والزيارة التي قام بها وزير الخارجية الايرانية حسين أمير عبد اللهيان إلى بيروت، ثم العودة الميمونة لسفير خادم الحرمين الشريفين وليد بخاري وحركة اتصالاته الكثيفة التي أجراها وأوحت وكأن الانتخابات الرئاسية باتت قاب قوسين أو أدنى.

وفي القراءة الأولية لما نتجت عنها هذه الحركة كانت إعادة التأكيد على أن الخارج يشدّد على ضرورة إجراء الانتخابات الرئاسية في أسرع وقت ممكن، وأن القرار يجب أن يكون لبنانياً لجهة اختيار المرشح الأنسب لتبوؤ سدة الرئاسة وأن الخارج لا يدعم أي مرشح بعينه كما أوضح عبد اللهيان، وأن لا فيتو على أي اسم كما شدد بخاري، وأن الموعد الذي حدده رئيس مجلس النواب نبيه بري لانتخاب رئيس قبل منتصف الشهر المقبل يتماشى مع جدية الحراك الخارجي والداخلي على السواء.

لكن على جبهة المرشحين المعلنين والذين يتم التداول بأسمائهم في الكواليس، ما هي حظوظهم في الوصول إلى بعبدا؟

يبدو مرشح الثنائي الشيعي رئيس تيار “المردة” سليمان فرنجية متقدماً على أي مرشح آخر في هذا السباق نتيجة وحدة موقف فريق الممانعة والعمل الدؤوب الذي يبذله “حزب الله” وبري في محاولة حشد الأصوات الكافية لتأمين انتخابه بالأكثرية المطلوبة من 65 صوتاً، لكن المعلومات التي تعبّر عنها مصادر نيابية معنية تؤكد أن فرنجية لا يزال بعيداً عن الوصول إلى هذا الرقم على الرغم من كل التسريبات التي تصدر عن فريق الممانعة وتؤكد أنه بات قريباً جداً من الحصول على هذا العدد. لكن يبقى موضوع تأمين النصاب للدورة الثانية والتي يحددها الدستور بثلثي أعضاء المجلس النيابي.

وعلى الرغم من الزيارة التي قام بها فرنجية إلى منزل السفير بخاري في اليرزة، ومحاولته التعبير من خلال تغريدة على صفحته على موقع “تويتر” كما لو أنه حاز على رضى المملكة السعودية لانتخابه رئيساً، فإن تصريح بخاري عقب اللقاء وبعد زيارته إلى كتلة “تجدد” بحضور المرشح النائب ميشال معوض، محا هذا الانطباع بحيث أعاد التأكيد على عدم التدخل في الأسماء وعدم دعم أي مرشح.

من جهة أخرى، يبدو أن ترشيح الفريق السيادي للنائب معوض قد سقط نهائياً بعدما فشل على مدى 11 جولة انتخابية فولكلورية في تأمين العدد المقبول من الأصوات لصالحه، فكان رئيس الحزب “التقدمي الاشتراكي” وليد جنبلاط أول المنسحبين من فريق المؤيدين لمعوض مع اقتناع “القوات اللبنانية” و”الكتائب” بعدم جدوى السير بهذا الترشيح بسبب انفراط عقد ما يسمى بـ”التغييريين” في الاجتماع معهم حول اسم معوض.

وفي هذا الاطار، سجل نائب رئيس مجلس النواب الياس بو صعب على نفسه القيام بمبادرة “استطلاعية” لتوحيد الأصوات النيابية خلف مرشح توافقي، ولاقاه النائب المستقل غسان سكاف في جولة شبيهة، لكن هدف الأخير كان محاولة حشد الأصوات لصالح مرشح توافقي من بين أسماء ثلاثة يتلاقى فيها مع اسمين من الأسماء التي رشحها جنبلاط نفسه وهما النائب السابق صلاح حنين والوزير السابق جهاد أزعور.

وإذا كانت المعلومات تحدثت عن قرب التوافق بين التغييريين مجتمعين على اسم أزعور، فتجدر الاشارة إلى وزير المال السابق هو ضمناً مرشح رئيس “التيار الوطني الحر” جبران باسيل، الذي تتحدث المعلومات عن أنه تمكن من خلال المفاوضات التي تجري مع “القوات اللبنانية” عبر النائبين فادي كرم وجورج عطا الله من إقناع سمير جعجع بالسير بأزعور لكن دون ذلك محاذير عديدة.

إن توافق “التيار الوطني الحر” مع “القوات اللبنانية” و”الكتائب” على اسم أزعور يعني أن باسيل قطع جميع الخيوط التي تصله بـ “حزب الله”، والسؤال الذي يطرح نفسه هل هو قادر على السير بهذا النهج ومعاداة الفريق السياسي الوحيد الذي كان يؤيده ويدعمه طيلة السنوات الست التي قضاها عمه الرئيس السابق ميشال عون في بعبدا؟ وهل اتفاق القوى المسيحية الرئيسة على اسم أزعور يعني أن فريق الممانعة سيستسلم لهذا الخيار المسيحي وينسحب من خوض معركة فرنجية، أم أن خلف الأكمة ما هو غير منظور؟

وإذا كانت اللعبة الديموقراطية ستأخذ مجراها كما حدث في العام 1970 عندما فاز الرئيس الراحل سليمان فرنجية على منافسه في تلك الدورة الرئيس الراحل الياس سركيس بصوت واحد، هل ينزل فريقا الممانعة والمعارضة للتواجه في المجلس النيابي ديموقراطياً بمرشحين هما فرنجية وأزعور؟ من المبكر الحديث عن هذه المواجهة، فوفقاً لمصادر قواتية إن خوفاً يعتري “القوات” من إمكان أن يكون باسيل يناور ويحاول في الوقت نفسه الحصول على مكتسبات من خلال التفاوض من تحت الطاولة مع “حزب الله” للسير بفرنجية، ويسدد بذلك ضربة موجعة الى جعجع.

لكن يبقى في الميدان “حديدان” المخفي وهو قائد الجيش العماد جوزيف عون الذي لا تزال أوراقه رابحة بجميع المقاييس والمواصفات التي تضعها القوى الخارجية والتي تتحرك برضى أميركي – سعودي عبر الموفد القطري لمحاولة حشد التأييد اللازم ليفوز بمنصب الرئاسة، علماً أن مختلف القوى السياسية باستثناء الثنائي الشيعي قد تتقاطع للتوافق على اسمه. غير أن العقبة الكبرى التي تقف أمام طريق عون هي الرئيس بري الذي لم يخرج أرنب الالتفاف على المادة 49 من الدستور التي تنص على عدم جواز انتخاب أحد موظفي الفئة الأولى قبل ستة أشهر على تقديم استقالته من الوظيفة.

لغاية كتابة هذه السطور، لا تزال شخصية المرشح الذي سيفوز بقصب السباق إلى بعبدا غير واضحة، وكل التسريبات والبوانتاجات التي تظهر من هنا أو هناك غير مؤكدة، لكن الأمر يبقى منوطاً بالسادة النواب لكي يمارسوا دورهم الطبيعي والتفضل بالنزول إلى البرلمان لانتخاب رئيس إذ كما قال بري نفسه، إن كلفة استمرار الشغور الرئاسي كبيرة ولا يمكن للبلد أن يتحملها.

شارك المقال