جنبلاط… سلامة الجبل فوق كل اعتبار

كمال ريشا
كمال ريشا

ليس سهلاً على وليد جنبلاط تقبّل فكرة لقاء وئام وهاب الذي نشأ في كنفه صحافياً غرًّا في إذاعة صوت الجبل، بما يعني تكريس هذا الأخير مشروع زعيم ثالث على طائفة الموحدين الدروز، أو على الأقل الاعتراف بوهاب، وهو الذي كان يحرص دائماً على الثنائية فقط داخل الطائفة. ويوم كان قادراً على شطب المير طلال أرسلان من المعادلة السياسية أحجم، وكان يترك له مقعداً شاغراً ليفوز في الانتخابات، على الرغم من تنكر المير الدائم لهذا الفضل الجنبلاطي عليه.

جنبلاط الذي يقيس السياسة بميزان فائق الدقة، لم يكن ليترك للمير مقعداً نيابياً لولا حرصه على أنصار المير وعلى المير نفسه، من موقع الأبوة على الطائفة وليس من موقع الندية، وهو لا يريد أن يوقد ناراً تحت رماد قد ينفث سمومه لاحقاً في وجهه أو في وجه نجله تيمور.

وهاب استفز جنبلاط طويلاً، ولم يكن ليرد عليه أو ليعتبره، فكيف تقبل جنبلاط أن يكون وهاب على مائدة اللقاء الثلاثي، وفي دارة أرسلان؟

كتيرة هي التحليلات والاجتهادات، التي يمكن اختصارها، بأن جنبلاط، يمهد للعودة إلى سوريا، ودارة خلدة معبر ضروري، ووهاب “بوسطجي” أمين.

وحقيقة الأمر أن جنبلاط لا يريد العودة إلى سوريا، فإلى أي سوريا سيعود؟

هل سوريا التركية أم الروسية أم الإيرانية أم الكردية أم الأميركية؟

فسوريا التي يرغب الراغبون بإعادة جنبلاط إليها لم تعد موجودة، وهي تقيم في قصر المهاجرين، ولا تخرج منه إلا بحماية أجنبية.

جنبلاط الذي يستشعر بالفطرة الخطر الداهم، يعمل دائماً على احتوائه، وهو القارئ الخبير في ما ينتظر لبنان من ويلات، قد لا تجد متنفساً لها إلا في الجبل، الذي أصبح مع العهد القوي الخاصرة الرخوة وميدان تنفيس الاحتقانات على اختلافها.

جنبلاط قرأ جيداً استفزازات التيار العوني، خلال السنوات الماضية، وعدم تورع العونيين عن افتعال أي مشكل أمني درزي مسيحي، تلبية لمتطلبات الحاجات العونية.

وجنبلاط قرأ ويقرأ جيداً، العراضات التي قام بها أنصار وهاب في اتجاه المختاره.

وجنبلاط قرأ جيداً حوادث الشويفات وتداعياتها التي لا تزال تتناسل.

وفي الآتي من الأيام ومع اشتداد الأزمة الاقتصادية بكل تداعياتها السياسية والاجتماعية، يخشى جنبلاط أن يكون الجبل مسرح تنفيس الاحتقان الداخلي. فالخلاف الشيعي – الشيعي خط أحمر، يقف عنده طرفا الثنائي “حزب الله” وحركة “أمل”، والخلاف المسيحي ـ المسيحي لا يجد له طرفاً مقابل التيار العوني، حيث إن حزب القوات اللبنانية لن يقدم للتيار معركة جديدة مجانية لا أفق لها على المستوى المسيحي أو الوطني، بل على العكس قد يستفيد منها التيار العوني باستعادة أدبيات رافقت ما سمي بـ”حرب الإلغاء”، وصولاً الى اليوم، خصوصاً أن الوزير باسيل شن هجوماً غير مبرر على رئيس القوات مؤخراً، والتيار العوني على جهوزية تامة لفتح النار على خصمه التقليدي في أي وقت ومن دون مبرر سوى التوهم بإعادة لم شمل ما جمعه العماد عون بنفس الخطاب قبل عقود.

أما الخلاف السني ـ الشيعي، فهو بدوره خط أحمر، يحرص عليه طرفا المعادلة اللبنانية، ويقفان عند تخومه، لعلمهما أن هكذا اشتباك قد يبدأ في لبنان ولا أحد يعرف أين ينتهي.

يبقى الخلاف الدرزي ـ الدرزي والخلاف الدرزي ـ الماروني، الأوفر حظًّا للاشتعال، في ظل حاجة التيار العوني إلى اشتباك يكون فيه ضحية يستثمر فيه في أدبيات ما قبل المصالحة التاريخية التي أرساها البطريرك الراحل نصرالله صفير ورئيس الاشتراكي وليد جنبلاط.

هذا الخلاف يجد في طرفي اللقاء أرسلان ووهاب ضالّته، لحاجتهما إليه لتكريس زعامتهما وانتزاع اعتراف وليد جنبلاط بهما، وإن كان وهاب ضنيناً أكثر بالدم الدرزي، ويقف عند حدود هدر هذا الدم.

لهذه الأسباب عمل جنبلاط على إعادة لملمة شمل طائفة الموحدين، ولا بأس من مشاركة وهاب في الاجتماع ولا بأس أن يكون في دارة خلده، فجنبلاط فوض خلال اجتياح العاصمة من قبل ميليشيا حزب الله في السابع من أيار المير طلال أرسلان ليتحدث عنه وباسمه وصولاً إلى إنهاء ذيول الاجتياح.

براغماتية جنبلاط وقدرته على الاحتواء كانت خلف لقاء خلده الدرزي، فسلامة الجبل بالنسبة لجنبلاط تفوق ما عداها من اعتبارات مهما عظمت. وهو فوّت على المصطادين في الماء العكر أي إمكان لزعزعة استقرار الجبل، وليبحثوا عن مكان آخر لتنفيس احتقاناتهم وأحقادهم.

شارك المقال
ترك تعليق

اترك تعليقاً