نيّال الكلب في لندن

الراجح
الراجح

لكل شعب تقاليده في إظهار المحبة والكرم. فعلى سبيل المثال، في لبنان تبالغ الأم في حب إبنها بالقول: “يقبرني جبران تأخر عن الغدا”. وفي سوريا يسأل الصديق أي زائر: “أيمتى جيت وأيمتى مسافر؟”.

في لندن تقول لك السيدة الأنيقة بتحبُّب: “بحبّك كأنّك كلبي”. وإذا تجرّأ أحدنا لغويّاً على استبدال حرف الكاف بـ “القاف”، يرى المسألة بسيطة. فالقضيّة واقفة على حرف – لضرورة الترجمة العربيّة. الحقيقة أن القضية واقفة على حيوان محتقر في بلادنا وبلاد العالم الثالث اسمه الكلب. الكلب في بلادنا عنوان للإهانة. إذا خاطبت أحداً بعبارة “يا إبن الكلب”، رفع عليك دعوى (كان هذا أيام زمان)، لأن البعض في أيامنا هذه اقتنع بأنه ابن كلب ولم تعد تسري هذه المخاطبة تحت عنوان القدح والذم وأشباههما…

في لندن الكلب سلطان زمانه وعصره؛ مكانه محفوظ في القهوة والمطعم وإلى جانب سائق التاكسي أحياناً، وأكيد في البيوت. أكله خصوصي (لأن معدته حساسة ولا تهضم جميع المأكولات). تراه موجوداً على شاشات التلفزيون والسينما، والأهم في الاعلانات التشجيعية.

آخر إعلان “كلبي” شاهدته على شاشة التلفزيون في لندن: مائدة غير مستديرة عليها أشهى المأكولات، وعلى حافة الطاولة زجاجة “مشروب” ماركة كذا، “يشمشمها” الكلب ثم يفتحها و”يكرع”. ويبدأ الاعلان “الكلب شرب مشروب كذا – فعليك تقليده، وكل يوم”.

عال – إذاً كان الحق مع كُتابِنا محمد الماغوط وإبراهيم سلامة وعلي الجندي حين ألفوا جمعية الكتاب الكلبيِّين، وكانت برئاسة الأخير. ويومها طرحوا شعارها، ومن باب المبالغة، الكلب أعلى مراحل الانسانيّة.

الكلب اللُّندني مدلَّل، مرفَّه، ولا أحد يسميه (بلا مؤاخذة) كلباً. له إسم يناديه به صاحبه، فيسرع ملبِّياً النّداء… ثم الكلاب أنواع؛ منها من يمشي ويتغنّج أحياناً وكأنه من قبيلة مارلين مونرو في أيام زمانها.

لا يحق لك الاعتراض على وجود كلب في المقهى أو في المطعم، لأن جواب الحضور كما صاحبه – إنّه لطيف.

لا تقتصر دولة الكلاب في لندن على السيارات والمطاعم والمقاهي، بل تتعدّاها إلى الفنادق والطائرات حتى، وطبعاً إلى دور السينما. وإذا كان الشعب اللبناني يشكو من نقص المواد الغذائية، ومن القدرة الشرائية، ومن كل شيء تقريباً، فإن الكلاب في أوروبا تعيش فوق المستوى المطلوب لأي شعب من الشعوب الفقيرة – فأحسن اللحوم وغرف النّوم، كما العيادات والمصحات، من دون أن ننسى “الحلاقين” المتخصصين في ذوق الكلاب ومزاجها، وأخيراً المقابر… ونحن لا يهمنا من كل ذلك إلا المصحَّات، وإذا تعذر فالمقابر.

وبعد ذلك، يأتيك من يتحدث عن أسعار الطاقة، وعن الأزمة الاقتصادية والنقديّة، وعن انتخاب رئيس الجمهورية! نيّال الكلب في لندن.

شارك المقال