باسيل يحاول أن يكون “صانع الرئيس”!

صلاح تقي الدين

بعدما استنفذ كل الألاعيب السياسية التي اعتمدها رئيس “التيار الوطني الحر” جبران باسيل لكي يحاول أن يزيح عن نفسه كاهل العقوبات الأميركية التي فرضت عليه بتهمة الفساد على أمل أن يفرض نفسه مرشحاً رئاسياً “طبيعياً”، انتقل إلى تنفذيذ الخطة “ب” لكي يتحول إلى صانع الرئيس العتيد للجمهورية اللبنانية، وهو على ما يبدو نجح في هذه الخطة بحيث تحوّلت “ميرنا الشالوحي” إلى ممر إلزامي للتوافق على اسم الرئيس.

على الرغم من أن باسيل لم يترك للصلح مطرحاً مع جميع القوى السياسية خلال فترة تولي عمه ميشال عون الرئاسة طيلة السنوات العجاف الست الماضية، إلا أنه حافظ على علاقة مستقرة نوعاً ما مع شريكه في اتفاق مار مخايل “حزب الله” لكي يستفيد طرفا الاتفاق من توجيه بوصلة الدولة نحو محور الممانعة وما ترتب على ذلك من كوارث وويلات بسبب الابتعاد عن المحيط العربي الطبيعي يدفع ثمنه لبنان واللبنانيون، والافادة من مقدرات السلطة للاستمرار في سياسة الصفقات وقضم المؤسسات الرسمية حتى انهيارها التام.

ومع بدء الفراغ الرئاسي ونتيجة انقسام المجلس النيابي إلى أكثريات وهمية مشتتة، لم يتمكن الفريق المعارض لسياسات “حزب الله” من الاتفاق على ترشيح شخصية واحدة لكي يستطيع النزول إلى المجلس ككتلة واحدة متراصة خلف هذا الاسم بسبب انفراط عقد ما يسمى بالنواب التغييريين وانقسامهم إلى مجموعات اختلفت بين بعضها البعض، فلم تتمكن الأحزاب الرئيسة الثلاثة في المعارضة أي “القوات اللبنانية” و”الكتائب” والحزب “التقدمي الاشتراكي” من جمع عدد من الأصوات الكافية لمرشحها النائب ميشال معوض يمكن التعويل عليها لدفعه خطوة باتجاه قصر بعبدا.

ولم يكن الفريق الممانع بقيادة “حزب الله” قادراً على كشف أوراقه الرئاسية وإعلان ترشيح رئيس تيار “المردة” سليمان فرنجية إلى الرئاسة بسبب الرفض المسبق له من جبران باسيل، فمارس لعبة الورقة البيضاء في الجلسة الأولى ومن ثم الانسحاب من الجلسة الثانية وتعطيل النصاب، ما جعل الجلسات الانتخابية الـ 11 التي دعا إليها الرئيس نبيه بري فولكلورية لم تسفر عن أي تقدم على طريق الرئاسة.

وحاول رئيس الحزب “التقدمي الاشتراكي” وليد جنبلاط بعد الوصول إلى الباب المسدود لأن “حزب الله” يعتبر معوض مرشح تحدٍ، إطلاق مبادرة تضمن التوافق بين القوى السياسية كافة على اسم مرشح لا يشكل استفزازاً أو تحدياً لأي من الفريقين المتواجهين الداعمين لمعوض وفرنجية، فكانت لائحته الشهيرة التي أعلنها وتضم قائد الجيش العماد جوزيف عون، الوزير السابق جهاد أزعور والنائب السابق صلاح حنين، معلناً بوضوح انفتاحه على أي اسم آخر، لكن محاولاته لم تلقَ الصدى المقبول فأعلن التوقف عن مسعاه الوفاقي.

ثم ومن دون تنسيق مسبق، أعلن بري من جهته ترشيح فرنجية إلى الرئاسة وتبعه الأمين العام لـ “حزب الله” السيد حسن نصر الله بتبني هذا الترشيح ما أثار امتعاض حليفهما “المفترض” باسيل الذي يرفض رفضاً قاطعاً وصول فرنجية إلى بعبدا، ناهيك عن الرفض المطلق من الفريق المقابل الذي يعتبر فرنجية استكمالاً لعهد عون السابق وأنه سيكون أداة بيد محور الممانعة لاستكمال مخطط وضع “حزب الله” يده على الدولة بالكامل، فقرر بري تأجيل الدعوة إلى جلسة انتخابية جديدة بحجة أن على المعارضين أن يتحدوا خلف اسم مرشح يواجهون به فرنجية، وحينها يقول إنه سيدعو إلى جلسة جديدة وليفز من يفوز.

لكن الأمور لا تجري على ما تشتهي سفن بري و”حزب الله”، فباسيل المعارض الشرس لوصول فرنجية لن يقبل بالسير في هذا المسار وهو بذلك يواجه احتمال قطع حبل النجاة السياسية التي مدها ولا يزال الحزب له، في وقت تسربت فيه معلومات عن تواصل يتم بين باسيل وأركان المعارضة للتوافق على اسم مرشح ثالث لمواجهة فرنجية والأمور تشير إلى تقدم يحصل على صعيد اسم أزعور من بين أسماء أخرى.

وفي هذه المحاولات التي يجريها باسيل، يريد أن يكون هو صانع الرئيس العتيد، بحيث أن فريق المعارضة يراهن على أن يقبل السير بمرشحه ضد فرنجية لأن “المصيبة” تجمعهم، وفي المقابل، يبذل “حزب الله” محاولات جدية أخيرة لاسترضاء باسيل وجعله ينضم مجدداً الى فريق الممانعة ويسير خلف فرنجية بعد الحصول على ضمانات بشأن التعيينات الادارية والأمنية والحصة الوزارية الوازنة.

ولا تخفي “القوات اللبنانية” قلقها وشكوكها في نوايا باسيل، اذ يقول مصدر من كتلة “الجمهورية القوية” إن هناك مفاوضات يجريها باسيل من تحت الطاولة مع “حزب الله”، وهذا الأمر سيكون بمثابة ورقة نجاة لباسيل الذي بدأ يفقد من حضوره السياسي والشعبي نتيجة السنوات الست التي أمضاها متحالفاً مع الحزب، وهو يريد أن يعوض هذه الخسارة بالحصول على مكتسبات من الرئيس العتيد بضمانة من “حزب الله”.

واستناداً الى مصدر نيابي موثوق، فإن جرس الانذار الذي قرعه الرئيس بري بوجوب حصول الانتخابات الرئاسية في موعد أقصاه 15 حزيران المقبل، لن يؤدي النتيجة المرجوة بحيث أن الأمور ذاهبة باتجاه المزيد من التعقيدات خصوصاً وأن الاتفاق المسيحي لم يحصل بعد ومن المستبعد أن يحصل في الأسابيع القليلة المقبلة.

ويؤكد المصدر في المقابل أن الزيارة المقررة للبطريرك الماروني الكاردينال بشارة الراعي إلى باريس قد يكون الهدف من ورائها فرنسياً، إذ سيسعى فريق الرئيس ايمانويل ماكرون إلى الحصول على مباركة الراعي لفرنجية ويكون بذلك قد أمّن ما يمكن أن يطلق عليه توصيف الغطاء المسيحي الذي يفتقده نتيجة معارضة الكتل المسيحية الثلاث، وبالتالي قد يؤدي هذا الأمر إلى غربلة الأوراق مجدداً وامتداد فترة الفراغ إلى أجل طويل جديد.

يبقى أن محاولة باسيل ليكون صانع الرئيس العتيد قد تصب في صالحه إذا قبل السير بفرنجية، لكن السؤال هو هل سيكون فرنجية قابلاً بإعطاء رئيس “التيار الوطني الحر” ما يطلبه مقابل دعمه؟ وحدها الأيام كفيلة بتبيان ذلك إذا أخذت في الاعتبار مقولة “كل شيء مباح للجلوس على الكرسي”.

شارك المقال