القمة العربية تناشد… والمبادرة مسؤولية اللبنانيين

هيام طوق
هيام طوق

لم يكن لبنان، المؤسس لجامعة الدول العربية، يوماً خارج إطار الاهتمام العربي منذ ولادة الجامعة في العام 1945، واحتلّ حيّزاً مهماً في القمم العربية بسبب مشكلاته الدائمة، وأزماته المتشعبة التي تنعكس سلباً على أوضاع المنطقة، خصوصاً بعد سنة 1975 حين صدرت الكثير من القرارات والمواقف التي تؤكد على دعم لبنان وسيادته واستقلاله وحمايته وصون مؤسساته الدستورية.

استضاف لبنان القمة العربية مرتين من أصل 32 قمة عقدت في مختلف الدول العربية، وخصصت له حصراً، قمّتان، وشارك في كل دورات القمم العادية والطارئة الا أنه غاب مرتين عن المشاركة في مؤتمرات القمة العربية منذ 1946 حتى 2007: الأولى في قمة الدار البيضاء عام 1989 يوم كانت تتنازع حكومتان السلطة، ولم يصدر عنها بيان ختامي، انما مجموعة قرارات، شددت على تقديم الدعم والمساعدة المعنوية والمادية للانتفاضة الفلسطينية، وتأييد عقد المؤتمر الدولي للسلام في الشرق الأوسط. والغياب الثاني كان في قمة بغداد عام 1990 حين لم تشارك سوريا في أعمال القمة، فلم يستطع لبنان مخالفتها، وبحثت بصورة اساسية في التهديدات التي يتعرض لها الأمن القومي العربي، واتخاذ التدابير اللازمة حيالها.

وتحضيراً للقمة العربية في دورتها العادية الثانية والثلاثين التي ستعقد غداً في جدّة، التقى رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي، رئيس مجلس النواب نبيه بري في عين التينة، وأوضح أنهما عرضا النقاط التي سيتطرّق إليها في القمة العربية. في حين، التقى وزير الخارجية في حكومة تصريف الأعمال عبد الله بو حبيب على هامش الاجتماعات التحضيرية للقمة، نظيره السوري فيصل المقداد الذي شدد على ضرورة عودة اللاجئين السوريين الى سوريا. فيما أكّد بو حبيب أنه تمّ الاتفاق على عدة قضايا “ستبحث في اللجان المختصة في الجامعة العربية منها قضية النازحين السوريين وقضية المخدّرات”.

إذاً، الرئيس ميقاتي سيمثل لبنان في القمة، في وقت يحتفل فيه نواب الأمّة بسنتهم الأولى كممثلين للشعب اللبناني، ويطفئون الشمعة السابعة في الشغور الرئاسي، بسبب عجزهم عن القيام بواجبهم الدستوري في حين أن سوريا على الرغم من ظروفها الصعبة ستشارك في القمة على مستوى الرئاسة الأولى، بعد 12 سنة من تعليق نشاطها في القمة العربية التي من المنتظر أن تتمثل الدول فيها على مستوى الرؤساء والملوك. وبالتالي، اعتبر البعض أن عدم تمثيل لبنان على المستوى الرئاسي لا يصب في مصلحته لا على المستوى المعنوي ولا على مستوى المقررات، في حين رأى آخرون أن مستوى التمثيل لن يؤثر على مستوى النقاش ومعالجة القضايا أو على البيان الختامي بشأن لبنان.

في هذا السياق، أشار نائب رئيس مجلس النواب السابق إيلي الفرزلي الى أن “الرئيس ميقاتي هو رئيس مجلس الوزراء، ويملك صلاحية مجلس الوزراء، وتمثيل لبنان من حقه كرئيس حكومة يملأ الشغور الذي حصل على مستوى الجامعة العربية. الدستور واضح. التمثيل جزء من صلاحيات رئيس الجمهورية التي انتقلت الى مجلس الوزراء مجتمعاً ولذي بدوره بحكم الطبيعة، يكلف رئيسه. غياب رئيس الجمهورية لا يعني غياب لبنان عن القمة”، مشدداً على عدم امكان “تعطيل البلد بسبب الأقاويل التي يطرحونها لاستثارة النعرات الطائفية. تمثيل لبنان على مستوى رئيس الحكومة لا يخفف من وهج التمثيل لأن مجلس الوزراء هو مناصفة بين المسلمين والمسيحيين، ولأنه يمثل لبنان برمته على المستوى الدستوري. لا يمكن التعاطي بهذه المسألة تجاه الخارج على أساس مسارح انما هناك دستور يجب اللجوء اليه”.

وأوضح أن “المنطقة دخلت في عالم جديد، وفي مسار جديد، وفي حراك جديد، وعلينا التفكير على أساس هذا المعطى الجديد”، مؤكداً أن “المساعدات ستأتي الى لبنان عبر مشاريع استثمارية قريباً بعد انتخاب الرئيس، لكن المسلكية يجب أن تكون على الطريق السليم”.

ولفت الفرزلي الى أن “القمة ستطالب، وتشدد على ضرورة انتخاب رئيس للجمهورية، وهذا سيكون موضع اهتمام الوفد اللبناني والدول العربية لأن عدم الانتخاب لن يؤدي الى الاستقرار المنشود في البلد. لكن في الوقت نفسه، على اللبنانيين تأدية واجباتهم، (نَعيبُ زَمانَنا وَالعَيبُ فينا، وَما لِزَمانِنا عَيبٌ سِوانا)”.

أما الوزير السابق فارس بويز فقال: “القمة تعني اجتماع رؤوس الدول، ولبنان ربما سيكون وحده غير ممثل برئيس دولته، وهذا الأمر سيظهر أكثر وأكثر العجز الحاصل في لبنان من خلال الشغور في الرئاسة الأولى. صوت لبنان من خلال رئيس دولته يختلف عن صوت لبنان من خلال غير رئيس الدولة. اذا كان لدى لبنان بعض المطالب التي يريد طرحها في القمة أو اذا أراد أن يدخل أي بند في البيان الختامي، فهناك فرق بين أن يكون الطلب من رئيس الدولة أو من ممثل آخر لهذه الدولة”. وأشار الى أن “العرب سيتفهمون مشكلاتنا، وواقعنا، وهم معتادون على وضعنا”.

ورأى أن “لبنان في هذه القمة، جلّ ما سيطرحه، موضوع اللاجئين السوريين، ومطالبة القمة بتسهيل عملية العودة الآمنة. عودة السوريين ليست بهذه السهولة، وما قاله المقداد خلال لقائه نظيره اللبناني، كلام عام اذ المطلوب وضع خطة متكاملة مرحلية، لأن امكان العودة في يوم واحد أمر مستحيل. هذا الموضوع يجب طرحه على مستوى جامعة الدول العربية، وهو من القضايا التي من المفترض أن تعالجها”، مشدداً على أن “القمة تكون فاعلة اذا طرح لبنان مشروعاً مدروساً لعودة اللاجئين، يتضمن موازنة معينة ولجنة متابعة. هنا يمكن للجامعة العربية أن تتخذ القرار التنفيذي، وحينها تتحدث مع الدولة السورية لتسهيل العودة”.

واعتبر بويز أن “لبنان في مأزق كبير، وهذا ليس سراً، والشغور خطير جداً، ولا مثيل له في العالم اذ لا تمر أي دولة في فترات من دون رئيس جمهورية، وسوريا على الرغم من كل مشكلاتها ومصائبها ممثلة برئيس جمهوريتها، فيما دولة لبنان منقوصة في غياب الرئيس. من المفروض أن تقوم القوى السياسية بمسؤولياتها”، لافتاً الى أن “القمة ستصدر بياناً تدعو فيه اللبنانيين الى انتخاب الرئيس، ولا تتدخل في موضوع الانتخاب، ولا سوابق في ذلك، وليس هناك من آليات في هذا السياق. القمة أكثر ما تستطيع فعله حث اللبنانيين على المضي في انتخاب رئيس للبلاد، وأستبعد تكليف لجنة لاجراء المساعي مع الفرقاء في الداخل”.

وأعرب عن اعتقاده أن “التدخلات في الشأن اللبناني ستخف بعد الاتفاق السعودي – الايراني، اذ أن جزءاً من الاتفاق يتضمن عدم التدخل في شؤون الدول، ومن هنا قال السفير السعودي ان لا فيتو على أحد ولا ترشيح لأحد، كما أن وزير الخارجية الايرانية دعا الى انتخاب رئيس توافقي والى وحدة الساحة اللبنانية”.

شارك المقال