أوكرانيا: لماذا باخموت؟

حسناء بو حرفوش

يتردد اسم مدينة باخموت كثيراً في سياق تحليل مجرى المعارك في أوكرانيا، فما الذي يمنحها هذه الأهمية الاستراتيجية؟ وفقاً لمقال في موقع “نيويورك تايمز” الالكتروني، “لم يكن أحد قد سمع بمنطقة باخموت الواقعة شرق أوكرانيا حتى أسابيع قليلة من زيارة الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي الى المدينة في كانون الثاني. حينها، كانت المنطقة تشهد معارك ضارية، حيث الصواريخ تضيء السماء والدبابات المدمرة والأرض التي تقصف كأنما لتمحى عن الوجود.

أصبحت حينها باخموت النقطة المحورية لبعض أعنف المعارك في الحرب. بعد الزيارة الرمزية، ازداد تمسك موسكو بالمنطقة، بالتوازي مع مضاعفة إصرار الأوكرانيين على الدفاع عنها. سقطت باخموت في يد الروس بعد 10 أشهر، ما خلف آلاف الجنود الجرحى أو القتلى وبقي السؤال حول تمسك الجانبين بالقتال حتى النهاية، بغض النظر عن التكلفة البشرية.

بعد أن تصادم الجيشان، سرعان ما أعطى الكبرياء والتحدي المطلق للمدينة أهمية كبيرة، أهمية تذكرنا برواية ما حصل في الفلوجة بالعراق سابقاً. ولكن بغض النظر عن درجة المخاطر أو عن هوية المنتصر، تبقى نهاية المعركة في باخموت أو في سواخا هي نفسها دائماً: خسارة لا يمكن فهمها ولا تنتهي عند هذا الحد. فكيف يمكن تذكر كل هؤلاء الموتى والاستعداد لما قد يبدو كنوع من اللامبالاة من القادة الذين يخططون لحملاتهم المقبلة، ولمعارك قد تؤدي إلى زوال الكثير من الجنود؟

كان المسؤولون الأوكرانيون يتحدثون عن السيطرة على “ضواحي” باخموت والاستعداد لعمليات على الأطراف، في إشارة خفية إلى أن المعركة داخل المدينة قد انتهت. ولكن وسط الأنقاض، تضاءل عدد السكان البالغ حوالي 70 ألف نسمة ما قبل الحرب إلى بضعة آلاف أو أقل حتى. وبدا توقيت الاستيلاء الروسي على باخموت غير مرجح، بحيث كان الجيش الأوكراني قد طرد الروس من محيط خاركيف في أيلول الماضي. في تشرين الثاني، تم تحرير ميناء خيرسون. كانت أوكرانيا تفوز، وقوات كييف ستستمر في التقدم باتجاه باخموت، لكن القوات الروسية ومرتزقة فاغنر، لم تتوقف أبداً عن مهاجمة المدينة.

لقد أوضح الرئيس الروسي فلاديمير بوتين أن قواته ستستولي على باخموت، ثم تستهدف منطقة دونباس الغنية بالمعادن التي تتواجد فيها. ومن ثم، لم يحل هدوء شتوي وشهد الربيع المزيد من الدمار في قتال عنيف ودامٍ في الشوارع. وجادل المحللون العسكريون والمسؤولون الغربيون ووسائل الاعلام حول “الأهمية الاستراتيجية” لباخموت لأشهر، كما لو أن بعض المصطلحات العسكرية قد تجعل من السهل تحمل خسارة مدينة بأكملها على يد جيش غازٍ. وقال محللون إن الروس يمكنهم استخدام مواردهم بصورة أفضل. وأضافوا أن أوكرانيا يجب أن تتراجع إلى أرضية أفضل وتواصل هجومها من أماكن أخرى.

وحوّل زيلينسكي باخموت إلى نقطة محورية رسمية للحرب عندما زارها في كانون الأول، وأصبحت فجأة ذات أهمية استراتيجية. كانت زيارة زيلينسكي كل ما يحتاجه الاعلام والشعب الأوكراني لخوض معركة أخرى ثابتة في المنطقة، معركة بدت مشابهة بصورة مخيفة لحصار ماريوبول والقتال في ليسيتشانسك وسييفيرودونتسك قبل أشهر. وسرعان ما تمت مقارنة باخموت بمعركة فردان الدامية في شرق فرنسا في العام 1916، والتي استمرت 10 أشهر وأسفرت عن سقوط مئات الآلاف من الضحايا الفرنسيين والألمان. لكن حرب الخنادق الدموية في شرق أوكرانيا لم تكن بالجديدة، فهي عنصر أساس في الصراع منذ أن بدأ الانفصاليون المدعومون من روسيا محاربة الحكومة هناك في العام 2014.

لقد أوضحت زيارة زيلينسكي أن قواته ستقاتل حتى النهاية، وهذا يعني أن باخموت ستنضم إلى قائمة المدن التي لم تكن معروفة وستشتهر بمقتل العديد من الجنود مقابل بضعة أميال فقط من الأراضي المدمرة. سيستمر الحديث عن باخموت حتى ينشغل العالم ببقعة حرب استراتيجية أخرى”.

شارك المقال