يبدو أن المعارك المشتعلة في السودان، لم تثر مخاوف السودانيين والدول المجاورة فقط، بل امتد القلق الى الدول الكبرى والشركات الضخمة العالمية، التي تتخوف من أزمة في إمدادات الصمغ العربي الذي يمثل إنتاج السودان منه نحو ثلثي إجمالي هذه الامدادات. فصادرات السودان من الصمغ العربي المستخدم في مجموعة واسعة من الصناعات، من الفطائر حتى الدواء، مهددة بسبب الحرب الدائرة بين قوات الجيش بقيادة عبد الفتاح البرهان والدعم السريع بقيادة محمد حمدان دقلو المعروف بـ”حميدتي”.
هذه المخاوف تتصاعد يوماً بعد يوم، خصوصاً بعد مغادرة الأجانب السودان، وهؤلاء كانوا يشترون الصمغ ويصدرونه، فضلاً عن أن مخازنه تقع وسط المعارك.
وتشير الكثير من المعلومات الى وجود أكثر من 50 ألف طن من الصمغ العربي في المستودعات، لكن لا يمكن تصديرها حالياً بسبب الحرب، وهذه الكمية تمثل نحو نصف إجمالي الانتاج السنوي للسودان، الذي يعد في صدارة البلدان المنتجة للصمغ ويستحوذ على حوالي 70٪ من تجارته العالمية، اذ بلغت صادراته في العام 2022 حوالي 60 ألف طن (40 ألف طن من نوع الطلح و20 ألف طن من نوع الهشاب). وبحسب البيان الرسمي لوزارة التجارة الخارجية في البلاد تتراوح صادرات هذه المادة عموماً بين 90 – 100 ألف طن في العام، بمتوسط عائدات يبلغ 97 مليون دولار أميركي.
على الرغم من وجود صمغ أرخص وأقل جودة خارج السودان، الا أن الصمغ العربي مهم جداً، ومن أفضل الأنواع، لأنه مستخلص من عصارة صلبة مأخوذة من شجرة الأكاسيا الموجودة في السودان وجنوبه وتشاد. ولأهميته في الصناعات الاستهلاكية، كانت الولايات المتحدة الأميركية، وهي من كبار المستوردين له، قد استثنته من العقوبات التي فرضتها على السودان خلال حكم الرئيس عمر البشير منذ التسعينيات.
يستخدم الصمغ في الكثير من الصناعات، ويعد مكوناً أساسياً في صناعة المستحضرات الصيدلانية ومستحضرات التجميل والعلكة وحلوى أخرى والمشروبات الغازية، لذلك تخشى الشركات العملاقة التي تعتمد على هذا المنتج أمثال “بيبسيكو” و”كوكاكولا”، استمرار انعدام الأمن في السودان، فعملت على تخزين الامدادات، وبعضها كان يمتلك مخزوناً يكفي ما بين 3 و6 أشهر.
يعتاش من هذا القطاع ما يقارب 5 ملايين سوداني، بحيث يستخرجه البدو السودانيون من أشجار الأكاسيا، لتتم تنقيته وتعبئته في جميع أنحاء البلاد. وتبلغ مساحة هذا الحزام حوالي 500 ألف كيلومتر مربع، أي أنه يمتد على 13 ولاية في السودان، من غرب البلاد على الحدود مع تشاد أي إقليم دارفور الى الشرق في ولاية القضارف قرب الحدود مع إثيوبيا. والى جانب إقليمي دارفور والقضارف يتركز أيضاً في أقاليم كردفان والنيل الأزرق. ويتم إنتاج الصمغ العربي في دارفور والعاصمة الخرطوم حيث المعارك مشتدة وضارية.
وفي العادة يبدأ موسم حصاد الصمغ العربي في شهر تشرين الثاني وينتهي أواخر نيسان، وتصديره يكون في أيار، وخلال هذه الفترة يتم بيع الانتاج للاستعداد للموسم الزراعي الصيفي. لكن في ظل هذه المخاوف وتفجر الصراع المسلح، انخفض سعر شراء الصمغ العربي بنسبة 100٪، فقبل ذلك كان يساوي سعر القنطار منه 30 ألف جنيه أي ما يعادل 50 دولاراً أميركياً، اما اليوم فيعرض بـ 15 ألف جنيه.