محاكمة السفير المتحرش… القرار بيد الدولة اللبنانية!

حسين زياد منصور

بعد شكوى الاغتصاب والاعتداء التي يواجهها سفير لبنان لدى فرنسا رامي عدوان، وكل ما أثير بخصوص هذه القضية، وفتح السلطات الفرنسية تحقيقاً في حقه، عقب ما تقدمت به موظفتان سابقتان في السفارة اللبنانية في باريس، ومن ثم تحرك وزارة الخارجية اللبنانية لتشكيل لجنة، في ظل مطالبة فرنسا بضرورة رفع الحصانة الديبلوماسية عن عدوان، رأت وزارة الخارجية الفرنسية “أمام خطورة الوقائع المذكورة، ضرورة قيام السلطات اللبنانية برفع الحصانة عن السفير اللبناني في باريس لتسهيل عمل القضاء الفرنسي”.

إذاً، تشكل الحصانة الديبلوماسية التي يتمتع بها السفير عدوان عائقاً أمام استكمال التحقيقات، فما هي هذه الحصانة؟ وكيف سيكون المسار القانوني لهذه القضية؟

يتمتع ممثلو الدول بحصانة ديبلوماسية وفق مواد اتفاقية فيينا للعلاقات الديبلوماسية عام 1961، فالاتفاقية دولية تحدد العلاقات والامتيازات والحصانات الديبلوماسية، الى جانب الضوابط المتعلقة بالعمل الديبلوماسي بين الدول وتبين الحقوق والواجبات الخاصة بأفراد البعثات الديبلوماسية. ويسمح لمن يتمتعون بهذه الحصانة بالافلات من الاجراءات القانونية في البلد الأجنبي.

مرقص: يجوز التنازل عن الحصانة من دولة المبعوث فقط

رئيس “مؤسسة جوستيسيا الحقوقية” الدكتور بول مرقص يوضح أن اتفاقية فيينا للعلاقات الديبلوماسية وتحديداً المادة 9 منها تقول: أولاً: للدولة المعتمد لديها في أي وقت وبدون ذكر الأسباب أن تبلغ الدولة المعتمدة أن رئيس بعثتها أو أي عضو من أعضائها الديبلوماسيين أصبح شخصاً غير مقبول أو أن أي عضو من أعضاء بعثتها غير الديبلوماسيين أصبح غير مرغوب فيه، وعلى الدولة المعتمدة حينئذ أن تستدعي الشخص المعني أو تنهي أعماله لدى البعثة وفقاً للظروف، ويمكن أن يصبح الشخص غير مقبول أو غير مرغوب فيه قبل أن يصل إلى أراضي الدولة المعتمد لديها. ثانياً: إذا رفضت الدولة المعتمدة تنفيذ الالتزامات المفروضة عليها في الفقرة الأولى من هذه المادة أو لم تنفذها في فترة معقولة، فللدولة المعتمد لديها أن ترفض الاعتراف بالشخص المعني بوصفه عضواً في البعثة. يضاف الى ذلك أنه يعود فقط للدولة المعتمدة سحب الحصانة الديبلوماسية لسفيرها على ما جاء في المادة 32 من الاتفاقية، فأولاً للدولة المعتمدة أن تتنازل عن الحصانة القضائية المقررة للمبعوثين الديبلوماسيين وللأشخاص المستفيدين من هذه الحصانة وفقاً لنص المادة 37، وثانياً يجب دائماً أن يكون التنازل صريحاً.

ويشرح أن هناك استثناء وحيداً لهذا المبدأ، وذلك في الأحوال المنصوص عنها في المادة 31 من الاتفاقية:

  • يتمتع المبعوث الديبلوماسي بالاعفاء من القضاء الجنائي في الدولة المعتمد لديها ويتمتع كذلك بالاعفاء من القضاء المدني والاداري، ما لم يتعلق الأمر:

  • بدعوى عينية متصلة بعقار خاص موجود في إقليم الدولة المعتمد لديها، ما لم يكن المبعوث حائزاً للعقار لحساب حكومته ولأغراض البعثة.

ب- بدعوى متصلة بتركة يكون للمبعوث فيها مركز بوصفه منفذاً للوصية أو مديراً للتركة أو وارثاً أو موصى إليه، وذلك بصفته الشخصية وليس باسم الدولة المعتمدة.

  • بدعوى متصلة بمهنة حرة زاولها المبعوث أو بنشاط تجاري قام به في الدولة المعتمد لديها خارج نطاق مهامه الرسمية أياً كانت هذه المهنة أو هذا النشاط.

  • لا يلزم المبعوث الديبلوماسي بأن يؤدي الشهادة.

  • لا يجوز اتخاذ أي إجراء تنفيذي ضد المبعوث اليدبلوماسي، فيما عدا الحالات المنصوص عليها في الفقرات (أ، ب، ج) من البند الأول من هذه المادة وبشرط أن يكون التنفيذ ممكناً إجراؤه من دون المساس بحرمة المبعوث نفسه أو مسكنه.

  • الحصانة القضائية التي يتمتع بها المبعوث الديبلوماسي في الدولة المعتمد لديها لا تعفيه من الخضوع لقضاء الدولة المعتمدة.

وبالعودة أيضاً الى القانون اللبناني وتحديداً في المادة ٢١ من قانون العقوبات اللبناني، “1- تطبق الشريعة اللبنانية خارج الأراضي اللبنانية: 2- على الجرائم التي يقترفها موظفو السلك الخارجي والقناصل اللبنانيون ما تمتعوا بالحصانة التي يخولهم إياها القانون الدولي العام.

ويضيف مرقص: “لذلك يتبين لنا، أن الحصانة التي يتمتع بها السفير تشمل أي جريمة يرتكبها سواء تعلقت بعمله الديبلوماسي أو بحياته الخاصة، سواء ضبط فيها بحالة الجرم المشهود أو غير المشهود. وتقضي هذه الحصانة بحسب القانون الدولي بمنع التعرض لشخص المبعوث ومنزله ومقر البعثة، بحيث لا يجوز أن يتعرض لأي صورة من صور التوقيف أو القبض أو المحاكمة أو حتى إلزامه بالشهادة أمام القضاء المحلي”.

ويشير الى أنه يجوز التنازل عن الحصانة الديبلوماسية من دولة المبعوث فقط بصورة صريحة.

وعن الاجراءات التي يجب اتباعها، يقول: “يجب أن يقدم الطلب لرفع الحصانة الديبلوماسية عن سفير لبنان في دولة أجنبية إلى وزارة الخارجية اللبنانية. وزارة الخارجية هي الجهة المختصة في قضايا الشؤون الديبلوماسية والعلاقات الخارجية للبنان. يجب تقديم الطلب الرسمي إلى الوزارة، ومن ثم ستتم دراسة الطلب واتخاذ الإجراءات المناسبة وفقاً للقوانين والاجراءات المعمول بها في لبنان”.

وفي الخلاصة، بحسب مرقص “لا يمكن للدولة الفرنسية اتخاذ أية تدابير قضائية بحق السفير اللبناني في فرنسا إذا لم توافق الدولة اللبنانية على رفع الحصانة ما عدا الأحوال المنصوص عنها في المادة ٣١ من اتفاقية فيينا”.

طعمه: ملاحقة السفير ومحاكمته تعود الى دولته

وحول المسار القانوني المتوقع لقضية عدوان، يقول رئيس اللجنة القانونية في “المرصد الشعبي لمحاربة الفساد” الدكتور جاد طعمه: “ان السفير يعتبر رئيس البعثة الديبلوماسية اللبنانية الى فرنسا وبالتالي وحسب قواعد اتفاقية فيينا لا يمكن ملاحقته جزائياً في فرنسا التي يمكنها مراسلة الدولة اللبنانية أولاً عبر تسليمها المعطيات المتوافرة حول الملف الجزائي، وثانياً عبر إمكانية الاعراب عن كون هذا السفير شخصاً غير مرغوب بوجوده على الأراضي الفرنسية”.

ويضيف طعمة “ان المادة 29 من اتفاقية فيينا تنص على أن حرمة شخص المبعوث الديبلوماسي مصونة، ولا يجوز اخضاعه لأية صورة من صور القبض أو الاعتقال، ويجب على الدولة المعتمد لديها معاملته بالاحترام اللائق واتخاذ جميع التدابير المناسبة لمنع أي اعتداء على شخصه أو حريته أو كرامته”.

أما المادة 31 فتشير، وفقاً لطعمه، الى أن “المبعوث الديبلوماسي يتمتع بالحصانة القضائية في ما يتعلق بالقضاء الجنائي للدولة المعتمد لديها، إذاً وفي ضوء أحكام هاتين المادتين حتى وان كانت الجريمة متعلقة بفعل شخصي ارتكبه السفير ولا علاقة لوظيفته الديبلوماسية فيه فالفعل مشمول بالحصانة الديبلوماسية”.

ويؤكد طعمه أن الحق في ملاحقة السفير ومحاكمته يعود إذاً الى دولته وليس إلى الدولة الموفد اليها، وهناك معلومات أن وزارة الخارجية أرسلت وفداً لمتابعة هذا الأمر الذي يسيء إلى صورة لبنان في الخارج من دون شك ولا ريب.

ضاهر: على النيابة العامة التقدم بإذن ملاحقة بحقه

ويشير أستاذ القانون في الجامعة اللبنانية الدكتور يحيى ضاهر الى أن اتفاقية فيينا حددت آلية الحصانات، أي تم منح الديبلوماسي حصانات خاصة، وفي حال فتحت القضية في لبنان يكون ذلك من خلال خطوات. ويقول: “السفير موظف في الخارجية اللبنانية، يجب على النيابة العامة التقدم بإذن ملاحقة بحقه، وهذا الاذن يقوم بإعطائه رئيس السلطة الادارية المباشرة، وهو في هذه الحالة وزير الخارجية. وإن لم يعطِ الوزير الاذن، فالنيابة العامة عليها أن تسلك مساراً وخياراً آخر، وذلك من خلال تقديم طلب لدى مدعي عام التمييز وفق المادة 15 من أصول المحاكمات الجزائية، في هذه الحالة يمكن للمدعي العام التمييزي إعطاء الاذن أم لا”.

ويتابع: “اما في ما يخص عقوبات الطرد أو غير المرغوب به، فنحن في هذه الحالة نطبق القانون والاتفاقيات الدولية التي ترعاها اتفاقيات عدة من بينها اتفاقية فيينا. ففي العمل الديبلوماسي هناك دائماً عقوبات وتدابير، منها استدعاء السفير، أو سحبه، أو الاحتجاج، أو عبر اعتباره غير مرغوب فيه، أو حتى طرده، كل هذه الاجراءات تسمى ديبلوماسية”.

ويوضح أن القانون الدولي والاتفاقات الدولية من حيث المبدأ ترعى علاقات الدول في ما بينها وآلية التعامل الديبلوماسي بين الدول، والاجراءات التي تتخذ بأي سفير، الانطلاق الأساسي لها يكون من خلال هذه الاتفاقيات الدولية.

شارك المقال