سيناريو

الراجح
الراجح

هل أننا لا نستطيع أن نوجه نقداً الى أي طرف يتحرك بإتجاه مقاصده ولحماية مصالحه كما يحدّدها هو لنفسه، وليس كما يحددها له الآخرون؟

وهل هذا السؤال يعني أننا لا نستطيع غير الاعتماد اعتماداً مطلقاً على طرف واحد؟

لست من أنصار هذه النظرية على الإطلاق؛ ذلك لأنّني واحد من الّذين يعتقدون ويؤمنون بأن الصديق الوحيد لنا هو “أرضنا” وأن الدور الوحيد هو قوّتنا “الذّاتية”، وبهما معاً نستطيع أن ندير علاقاتنا بالعالم وحتّى بالتّاريخ!

أين نحن من كل هذا؟ نحن في الساعة الأخيرة… أمام التلفزيون… سيناريو:

“سأل السجان سجينه: ماذا تتمنى من هذه البلاد وقد صدر عليك حكم بالاعدام؟

السجين، وقد أطرق تفكيراً (كانّه موظف في مصلحة البرق والرّعد والهتف): ساعة من مشاهدة التلفزيون اللبناني من دون تحديد أي محطة!

السجان: يا ابني، هل أنت بكامل وعيك الداخلي والخارجي، وهو الأهم؟!

السجين: نعم، سيدي. وقد أشرف على فحصي طبيبان، وخدمت علمين، وقبضت راتبين، وكنت عضواً نشطاً في حزبين.

السجان: ولماذا اخترت التلفزيون؟

السجين: سيدي، هناك عدة طرق للموت. وقد قرأت كتباً وأبحاثاً صدرت عن الدولة المصنِّعة – أي بلاد الفرنجة – أو فرنجية لا فرق، أن الموت أمر لا مفرّ منه، لكن بلوغه يتم عبر وسائل مختلفة، بعضها عنيف، وبعضها ناعم أو نعنوع، لا فرق أيضاً، وأيضاً…

ولأني لم أقتل عصفوراً في حياتي، فأنا أميل إلى الأسلوب الثاني.

وأظن أنه حق من حقوقي المدنية (على الرغم من وجود الميليشيات) المنصوص عليها في شرعة الأمم المتحدة، وفي الدستور اللبناني بكل نسخه منذ العام 1926 ثم 1943، مروراً بنسخته الأخيرة بعد اتفاق الطائف – نسبة للطوائف وليس للمدينة السعودية.

السجان: بعد استشارة هيئة المحكمة واللّجنة العليا للقتل عمداً والإعدام المتمسكة بمواد الدستور وتعمل على تصريفه لأنها لجنة تصريف… أعمال…، وبعد مراجعة قرارات مؤتمرات القمم العربية من الأول وحتّى الأخير وبكل ما تميّز به من إقرار لحقوق الانسان… سمحنا لك بتلبية رغبتك في مشاهدة التلفزيون بشرط التقيد بالمهلة المحددة، أي ساعة فقط من الزمن… ولك الآن أن تختار ما يسهّل في موتك من البرامج.

السجين: سأقسم ساعتي الأخيرة إلى أربعة أقسام: في ربع الساعة الأوّل، أتابع مسلسلاً تركيّاً فيفرقع ما تبقى من خلايا دماغي. وفي ربع الساعة الثّاني، تعرضون علي الشريط اليومي لاجتماعات ومشاورات ولقاءات السادة مسؤولي الأحزاب والوزراء والنواب المقدَّسين. وبمجرد متابعتهم أُصاب بشلل كامل مطلق. وهكذا أكون قد اجتزت أصعب وأخطر مرحلتين في مسيرة الموت البطيء الناعم (النعنوع).

أما في الربع الثالث فلا بد من مشاهدة الجلسة المخصّصة لانتخاب رئيس الجمهورية على أن ترافقها أغانٍ وطنيّة لمطربي المقاهي والمطاعم. وفي هذه المرحلة أكون في حالين – إما أسمع ولا أفهم شيئًأ، وهذه نعمة، أو أشاهد حركات من دون أن أفهم أو أسمع…

أما بالنسبة الى ربع الساعة الأخير، فأكون قد مشيت نحو آخرتي وأنتم مستمرون في عرض تفاصيل الجلسة النيابية والتي لا تعود تعني لي أي شيء سوى ما يشبه نوعاً من المواكبة التي يتولاّها عادة رجال الدين وهم يدندنون كلاماً غير مسموع من الميت – الّذي هو أنا – المواطن اللّبناني.

شارك المقال