لودريان في بيروت قريباً… مبادرة جديدة أو رسالة عابرة؟

هيام طوق
هيام طوق

على مدى ثمانية أشهر، لم يتمكن اللبنانيون من تقريب وجهات النظر في ما بينهم حول الاستحقاق الرئاسي، ما أدّى الى فشل 11 جلسة برلمانية لانتخاب الرئيس، ويبدو أن الأمور تتفاقم أكثر كلما طال عمر الشغور حتى أن البعض اعتبر الجلسة الانتخابية الثانية عشرة التي ستعقد يوم غد الأربعاء، ستظهر أكثر فأكثر الانقسام العمودي بين الفرقاء في البلد، وستزيد من الشرخ والابتعاد بينهم، وتعمّق هوّة خلافاتهم ما يعني أن الذهاب الى خيار ثالث أو اسم توافقي، أصبح واقعيا أكثر من أي وقت مضى على الرغم من أن هذه المرحلة لا تزال ضبابية، ولا أحد يعرف مدتها أو الوقت الذي سيستغرقه المسؤولون للتوافق على اسم للرئاسة الأولى.

وفي هذا السياق، يأتي تعيين الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، وزير الخارجية السابق جان إيف لودريان، موفداً خاصاً إلى لبنان، إذ يدرك ماكرون صعوبة الوضع وتعقيداته في بلد الأرز، وهو قلق بسبب الأزمات التي يتخبط فيها البلد منذ سنوات، من دون أن يجد سبيلاً لأي حل. لذلك، اختار لودريان القريب منه، والسياسي المحنك، الذي يتمتع بالنفوذ للتعامل مع القادرين على تسهيل الخروج من الأزمة، والذي يتمتع بخبرة واسعة في إدارة الأزمات، والمطّلع جداً على الملفات والمشكلات اللبنانية، وكان أول من حذّر من خطورة الوضع، وتحدّث أمام مجلس الشيوخ الفرنسي عن احتمالات سيئة لمجرى الأمور حتى أنه شبّه ذات يوم انهيار لبنان السياسي والاقتصادي بـ”انهيار سفينة تايتانيك لكن من دون موسيقى”.

الموفد الفرنسي سيصل الى لبنان في القريب العاجل، لكن بعد جلسة انتخاب رئيس الجمهورية يوم غد وفق ما أوضح وزير الخارجية والمغتربين في حكومة تصريف الأعمال عبد الله بو حبيب بعد استقباله سفيرة فرنسا في لبنان آن غريو، وسط معلومات صحافية عن أن الزيارة لا ترتبط بالملف الرئاسي أو بجلسة الانتخاب وحسب، انما بسلة متكاملة تتضمن الكثير من الملفات ومنها الاجراءات الاصلاحية. وعلى الرغم من أن موقف لودريان معروف من الطبقة السياسية، ولديه بعض التصاريح الحادة تجاه السياسيين والفساد المستشري في البلد إلا أنه يأتي ليجمع لا ليفرّق أو ليكون طرفاً مع هذا الفريق أو ذاك، ويعرف جيداً أسلوب التعاطي مع الجميع. وبعد تقويمه للوضع، والانتهاء من مساعيه مع كل الأطراف، سيطلع الرئيس الفرنسي على تقريره، وما توصل اليه من خلاصات ونتائج.

على أي حال، لودريان سيصل الى بيروت قريباً، لكن ماذا يمكن أن يحمل في جعبته؟ وهل ينجح في مسعى ردم الهوّة بين اللبنانيين حيث فشل كثيرون من الداخل والخارج؟

رأى وزير الخارجية السابق فارس بويز أن “فرنسا بعدما أدركت فشل مبادرتها السابقة التي لم تكن مدروسة جيداً، وأن طريقها ليست سالكة، قرّرت ألا تنسحب من الساحة بل أن تغيّر هذه المبادرة، وتغييرها يفترض على الأقل تعيين موفد جديد، يعلم بوضوح أن مضمون المبادرة التي كان يقوم بها الموفد السابق أو المناخات والأجواء التي كانت قائمة قد تغيّرت”، معتبراً أن “تعيين الموفد الجديد، مؤشر الى تغيير المبادرة بصورة جوهرية. وليس بالضرورة أن يحمل لودريان مبادرة جديدة انما فرنسا تحاول أن تبقى في الساحة، وتدرس إمكان طرح مبادرة جديدة”.

وأشار الى أن “نجاح الموفد الفرنسي، يتوقف على طروحه. فرنسا تحتاج الى بعض الوقت كي تخلع لباس مبادرتها السابقة، والوقت في السياسة أمر لا بد منه في بعض الأحيان كما أن نجاح مهمة لودريان وعدم نجاحها، يرتبطان بنوعية المبادرة التي سيقوم بها أو بالطروح التي سيقدمها. وفي حال قدم طرحاً غير متوافق عليه من الفريقين الأساسيين، سيكون مصير الطرح الجديد شبيهاً بمصير الطرح القديم”.

وأكد بويز أن “الموفد الفرنسي لا يمكنه أن يناقش مع المسؤولين سلة من الملفات لأن لا سلة بمعزل عن الملف الرئاسي. البداية مع انتخاب الرئيس، وسلة الطروح تأتي لاحقاً مع العلم أنه كانت هناك تجربة في طرح سلة متكاملة، ولم تنجح”.

أما وزير الخارجية السابق عدنان منصور فاعتبر أنه “لا يمكن التكهّن قبل وصول الموفد الفرنسي، لكن بلا شك أن فرنسا تطرح نفسها كوسيط من أجل ايجاد حل لمعضلة انتخاب رئيس الجمهورية. الزيارة، تهدف الى المساعدة على ايجاد حل بين الفرقاء خصوصاً أن الانقسام عمودي بين الجهات السياسية حول انتخاب الرئيس. لودريان سيستكشف، ويتواصل مع الجميع، ويطّلع على نقاط الخلاف والاتفاق، ويحاول معرفة لغز المعضلة الرئاسية، ويحاول ايجاد الحل الذي يرضى عنه اللبنانيون”.

وشدد على وجوب “التركيز على الداخل اللبناني بحيث لا يمكن التوصل الى حل اذا كان اللبنانيون لا يريدون التوافق، والدليل أن فرنسا بدأت مسعاها منذ انفجار المرفأ. اليوم، نحن أمام مفترق طرق في انتخاب الرئيس، ومن دون التوافق الداخلي لا يمكن أن يمر. واذا فرض فريق رأيه على فريق آخر فهذا يعني جرّ لبنان الى الفوضى”، مؤكداً أن “فرنسا لا يمكنها فرض الشروط أو الحلول من وجهة نظر فرنسية بحتة أو من وجهة نظر لبنانية بحتة. هناك أكثر من جهة دولية مهتمة بالوضع في لبنان، وفرنسا تحاول الاسهام في ايجاد الحل من خلال اتصالاتها مع الفرقاء المعنيين في الداخل. اذاً، فرنسا تلعب دور الوسيط، وكي تنجح مبادرة الوسيط، عليه إيجاد التوافق بين الأطراف المختلفة”.

وقال منصور: “لا يجوز الاعتقاد أن لودريان يحمل الحلّ. الحل لبناني – لبناني، واذا استطاع الموفد تحقيق التوافق بين الأطراف، حينها تكون مهمته نجحت، لكن اذا تمسّكت الجهات برأيها، فلا نصيب للمبادرة الفرنسية، من النجاح”. ولفت الى أنه “لا يمكن أن يفتح الملفات اللبنانية العالقة أو يناقش مختلف الأزمات مع اللبنانيين حالياً إذ ليس هناك من رئيس للجمهورية في البلد، وما من حكومة كاملة الصلاحيات، ومؤسسات الدولة منهارة، واضراب القطاع العام شامل، ويشل البلد. مع العلم أنه لا يجوز اذا اعترضت اللبنانيين أي مشكلة، انتظار الخارج لمساعدتهم في حلها لأنه حينها نصبح كالولد القاصر الذي يبحث عن والديه للمساعدة”.

شارك المقال