هل سيناريو 2016 ممكن؟

محمد شمس الدين
مجلس النواب

فشل المجلس النيابي للمرة الـ 12 في انتخاب رئيس للجمهورية، وعلى الرغم من أن الجلسة كانت مختلفة عن سابقاتها لناحية وجود مرشحَيْن متنافسين، إلا أن النتيجة نفسها، دورة أولى، وتطيير النصاب في الدورة الثانية. ومع أن المعارضة التي تقاطعت مع “التيار الوطني الحر” تلوم الثنائي الشيعي على تطيير النصاب، إلا أن متزعم المعارضة رئيس حزب “القوات اللبنانية” سمير جعجع أعلن بنفسه في أكثر من مناسبة أنه سيطيّر النصاب في حال كان الحظ حليف مرشح الثنائي رئيس تيار “المردة” سليمان فرنجية، وبالتالي هو الذي شرّع لعبة تطيير النصاب في الاستحقاق الرئاسي. وما حصل في جلسة الأربعاء ليس جديداً على لبنان، فالفراغ أصبح سمة الاستحقاق الرئاسي، ومن كان مشاركاً في هذا الأمر سابقاً هو “التيار الوطني الحر” نفسه، الذي يحمل راية الموقع المسيحي الأول. فهل نشهد تكرار سيناريو الفراغ بين العامين 2014 و2016؟

المجلس النيابي الذي انتخب ميشال عون رئيساً في 2016، كان مجلساً ممدداً لنفسه منذ العام 2009، وكان بغالبيته لقوى 14 آذار، 71 نائباً مقابل 57 لقوى 8 آذار، وعلى الرغم من ذلك لم تستطع 14 آذار ايصال مرشحها في حينه الى رئاسة الجمهورية، لأن 8 آذار تمتلك سلاح النصاب، ليس جميعها اذ كان “التيار الوطني الحر” و”حزب الله” يملكان 41 نائباً، وينضم اليهما نائبان من قوى 8 آذار ويطيرون نصاب الجلسات في الدورة الثانية. وفي نهاية الأمر تمكن “حزب الله” من فرض ميشال عون رئيساً، بعد أن عقد الأخير تفاهمات مع خصومه، وأبرزهم تيار “المستقبل” و”القوات اللبنانية”، لإنهاء حالة الفراغ. وتجدر الاشارة الى أن 8 آذار لم تكن كلها تؤيد عون للرئاسة، فكل من حركة “أمل” وتيار “المردة” كانا يرفضان وصوله، ولم يصوّتا له، وقد حصل تباين بين 8 آذار في هذا الموضوع.

وفي قراءة للمشهد، يبدو أننا أمام السيناريو نفسه اليوم، ولكن بفارق واحد هو أن 8 آذار جميعها تؤيد فرنجية، بل انه يمتلك أصواتاً أكثر مما امتلك عون قبل التفاهم مع خصومه، فقد حظي أول من أمس بـ 51 صوتاً، بينما عون في أفضل حالاته لم يتخطى الـ 45 صوتاً. فهل يتكرر المشهد ويكون فرنجية رئيساً بعد إطالة أمد الفراغ؟

لا يمكن فعلياً التنبؤ بذلك، ولكن جلسة الأربعاء أعادت الاصطفافات بين 14 و8، ولكن هذه المرة تحظى 8 آذار بـ 46 نائباً، بينما 14 آذار تمتلك 37 نائباً، ويبقى 45 نائباً، بينهم “التيار الوطني الحر” بـ 17 نائباً، يعد 8 آذار ويختلف معها على الاستحقاق الرئاسي، “الاعتدال الوطني” 6 نواب، يعد 14 آذار ولكن لم يسِر معها في الاستحقاق، أما 22 نائباً بين تغييريين ومستقلين، فبعضهم يصب لصالح 14 والبعض الآخر لصالح 8 ولكن غير متفقين معهما حول الرئاسة. وفي حال اشتد السجال في البلد، قد يعاد المشهد الانقسامي السابق نفسه بين القوى، وبالتالي النواب الذين هم ضمنياً مع أحد الطرفين ولكن مختلفون على الاستحقاق الرئاسي قد يصطفون معه بتشدد، ليزداد أعداد 14 و8، ويتبقى فقط بضعة نواب مستقلين، يعتبرون أنفسهم ضد الطرفين، و”التيار الوطني الحر”، الذي يبدو أن الخلاف على الرئاسة، قد تسبب بابتعاده عن 8 آذار، يؤكد مراراً وتكراراً أنه لن يكون مصطفاً ضدها، بل سيكون معها في الأمور الاستراتيجة الكبرى. وفي حال تكررت الاصطفافات القديمة نفسها، يضع “التيار الوطني الحر” نفسه في موقع بيضة القبان بالنسبة الى الاستحقاق الرئاسي، ولهذا سيكون من الصعب تكرار مشهد 2016، إلا إذا تراجع التيار وعاد إلى “بيت الطاعة” في حارة حريك.

الجدير بالذكر أن “حزب الله”، عندما سأله الفرنسيون عن إمكان أن ينتهي صيف 2023 من دون رئيس، كان جوابه: ننتظر صيف 2024، وهذا إن دل على شيء فانما يدل على إصرار الحزب على فرنجية، بما يبدو شبيهاً بالتزامه بعون سابقاً، إلا أن القوى التي كانت تشكل 14 آذار وهي أكثرية المعارضة، تؤكد هذه المرة أنه لا يمكن أن تعيد تكرار ما حصل في 2016، ولن تقبل بتفاهم يوصل مرشح 8 آذار الى الرئاسة. ومع معارضة التيار لفرنجية، يصبح من الصعب جداً أن يعاد المشهد، إلا أن لبنان بلد العجائب، ولا يمكن نفي احتمال أي سيناريو فيه، تحديداً أنه مع استمرار الفراغ يستمر تدمير البلد، فمن يصرخ أولاً؟ المعارضة أم التيار أم 8 آذار، تحديداً مع حث إقليمي ودولي، قد يصل إلى حد فرض عقوبات على سياسيين لبنانيين؟

لا يمكن وفق الرؤية السعودية الجديدة للمنطقة أن يكون لبنان غير مستقر، ولذلك إن استمرت المراوحة، فالتدخل الخارجي حتمي، وستتفق فرنسا والسعودية على حل يرضي كليهما، فرنسا من دعاة إعادة النظر في النظام، والسعودية تتمسك بالطائف، ومن المؤكد أن الطرفين سيجدان حلاً وسطياً بين وجهتي النظر هاتين، قد يكون اتفاق سلة شاملة تقصر ولاية المجلس النيابي وإجراء انتخابات نيابية جديدة، كون المجلس الحالي لا يمكنه تسيير أمور البلاد في ظل الانقسامات فيه. ويبقى السؤال: وفق أي قانون انتخاب ستجري؟ هل القانون السيء المعتمد نفسه أم يعاد قانون المحادل أم أنه سيتم إيجاد قانون جديد؟ إلى حين استيقاظ السياسيين للبننة استحقاقات بلدهم ما على الشعب إلا الانتظار.

شارك المقال