الانتخابات النيابية المبكرة… حل وارد أو تعقيد متزايد؟

هيام طوق
هيام طوق

منذ شهر، أطفأ المجلس النيابي شمعته الأولى بمرور عام على الانتخابات النيابية في الخامس عشر من أيار ٢٠٢٢، وطوى الربع الأول من ولايته بتقويم سلبي اثر اخفاقه 12 مرة في انتخاب رئيس للجمهورية بعد 8 أشهر من الشغور، والبلد يعاني من أسوأ أزماته السياسية والمالية والاقتصادية والمعيشية.

المعضلة الرئاسية، والانقسام الحاد بين الفرقاء السياسيين، والجلسات البرلمانية العقيمة التي تجسد عجز أي جهة عن إيصال أي شخصية الى قصر بعبدا، والسيناريوهات المتكررة للجلسات الانتخابية والتي أجمع اللبنانيون على وصفها بهالزلية والمسرحية، ولدت قناعة لدى الأكثرية بأن انتاج اللبنانيين للرئيس، شبه مستحيل، والتعويل اليوم على حراك خارجي من الدول الصديقة التي يهمها إنقاذ البلد خصوصاً أن المنطقة متجهة الى تصفير المشكلات.

وفي هذا السياق، تتجه الأنظار الى اللقاء الذي حصل بين ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان والرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، ونتائجه التي لا بد أنها ستنعكس ايجاباً على لبنان وعلى المنطقة كما يقول المراقبون. ومن المنتظر أن ينقل الموفد الرئاسي الفرنسي جان ايف لودريان الذي يصل الأسبوع المقبل الى بيروت، أجواء النقاشات الى المسؤولين في الداخل إذ تشير المعطيات الى أنه سيمكث في لبنان 3 أيام، يجتمع خلالها مع كل الأطراف كما من المتوقع أن يحمل معه خريطة طريق أو مبادرة، بالتنسيق مع أعضاء اللقاء الخماسي، لكن لا يمكن التكهن بمضمون المبادرة وشكلها قبل الادلاء بما لديه مع العلم أن البعض يتحدث عن طاولة حوار أو “ميني إتفاق دوحة”.

على أي حال، إن غداً لناظره قريب، لكن ما لفت أمس، دعوة نائب رئيس مجلس النواب الياس بو صعب بعد زيارته رئيس مجلس النواب نبيه بري، إلى إجراء انتخابات نيابية مبكرة، في هذا التوقيت بالذات، اذ قال: “تمنيت على بري أن نبدأ بالتفكير في انتخابات نيابية مبكرة، طالما أن المجلس الحالي عاجز عن انتخاب الرئيس، وبري لم يعترض على هذا الكلام، وقال لنرَ ما سوف يحصل في الفترة المقبلة”. ولاحقاً غرّد بو صعب على حسابه عبر “تويتر”،كاتباً: “إذا بقي المجلس النيابي عاجزاً عن انتخاب رئيس للجمهورية، وفي حال لم يقتنع السياسيون بوجوب التواصل الجدي بين كل المكونات، اقترحت على رئيس مجلس النواب دراسة اجراء انتخابات نيابية مبكرة لتجنب الفراغ القاتل للبلد الذي قد يمتدّ لسنوات”. مع العلم أن بو صعب كان اقترح منذ شهرين التمديد للمجالس البلدية والاختياريّة.

بعد هذه المواقف، لا بد من طرح الأسئلة: ما مدى دستورية إجراء إنتخابات نيابية مبكرة؟ وهل وصلت الانتخابات الرئاسية الى حائط مسدود، مع استحالة قيام البرلمان الحالي بالمهمة، وبالتالي، استمرار الشغور لسنوات؟ وهل يسمح وضع البلد في ظل الانقسام الكبير، والوضع الاقتصادي والمالي الصعب، بإجراء الانتخابات؟ واذا كان بو صعب اقترح تأجيل الانتخابات البلدية والاختيارية لأسباب تقنية ولوجستية، فما الذي تغيّر للمطالبة بانتخابات نيابية مبكّرة؟

أوضح النائب جورج عقيص أن “ليس هناك أي نص دستوري يتحدث عن انتخابات نيابية مبكرة، ولا تكون هناك انتخابات مبكرة الا في حال حلّ المجلس النيابي، وأسباب الحل في الدستور بعد اتفاق الطائف، محصورة بحالة واحدة: عدم اقرار الموازنة المرسلة في مواعيدها من مجلس النواب، بهدف شل أعمال الحكومة. في هذه الحالة، يصدر مرسوم بحلّ المجلس من رئيس الجمهورية ومجلس الوزراء، وتحصل الدعوة حينها الى انتخابات نيابية مبكرة. لكن، لا شيء يمنع في الدول الديموقراطية أن تحصل دعوة من خلال اتفاق سياسي بين أحزاب هذه الدول الى انتخابات مبكرة حين يكون هناك حالة من التعطيل السياسي المتفاقم، يؤدي الى شلل عمل الدولة، وتعطيل المؤسسات”، لافتاً الى أن “هذه الحالات حتى في الدول العريقة بالديموقراطية، قليلة جداً، وفي لبنان لم نشهد أي حالة مشابهة، بل على العكس، هناك منحى في اتجاه التمديد وليس التقصير. نحن ضد التمديد، والتقصير يحتاج الى حالات معينة، من المبكر الحديث عنها”.

ورأى أن “هناك حلاً أبسط بكثير قبل الذهاب الى هذا الحل، وهو إبقاء النصاب في الدورة الثانية خلال جلسة انتخاب الرئيس لأنه حينها يمكن انتخاب الرئيس، ولا نكون في حالة التعطيل المفتعل من فريق معين. واذا تراجع هذا الفريق عن سياسة التعطيل، وإفقاد النصاب في الدورة الثانية، لا نكون في حاجة الى انتخابات مبكرة، وهذا هو لب الموضوع”، متسائلاً: “لماذا الذهاب الى حلول أخرى لم نشهد لها مثيل، وربما آليتها غير واضحة في ظل وجود حلول دستورية؟ علماً أننا دعونا في ظروف معينة في المجلس السابق، الى انتخابات نيابية مبكرة، وحينها كانت الأسباب موجبة، ولم يستجب لطلبنا”. واعتبر أن “علينا الانتظار، ولا يمكن أن نأخذ أي موقف قبل اجتماع التكتل، لكن اذا كانت الدعوة الى انتخابات نيابية مبكرة بسبب انسداد الأفق، فليفتح الأفق السياسي من خلال تطبيق الدستور”.

وقال عقيص: “على الشعب أن يقدّر كيف يتم التعاطي مع الاستحقاق الرئاسي من هذا الفريق وذاك. الشعب الذي نمارس وكالتنا باسمه، عليه أن يحاسب”. وتحدث عن “إزدواجية في المعايير، وهروب الى الأمام من خلال طروح كهذه، اذ بدل الذهاب نحو الممارسة الديموقراطية الأسهل، يسلكون طرقاً ملتوية لأن أقصر الطرق الى الحل في تطبيق الدستور في المجلس النيابي خلال جلسة انتخاب الرئيس”.

وأكد النائب قاسم هاشم إمكان “إجراء انتخابات نيابية مبكرة، اذا حصل التوافق والتفاهم بين الكتل النيابية، وهذا يتطلب تعديلاً في قانون الانتخاب، وتقصير ولاية المجلس النيابي ثم الدعوة الى اجراء الانتخابات”، معتبراً “أننا وصلنا الى مكان لا يمكن الاستمرار فيه في ظل الاستعصاء العام في البلد، ولا بد من فتح كوّة في جدار الأزمة قد تكون من خلال انتخابات نيابية مبكرة، لكنها لا تزال فكرة، تحتاج الى نقاش وحوار وتوافق حولها للسير بها. وبالتالي، لا بد من الانتظار لمعرفة مواقف القوى السياسية لأن الموضوع سياسي بامتياز ويحتاج الى توافق. الانتخابات المبكرة قد تكون واردة التنفيذ في حال توافرت الظروف والمعطيات لأنه في الأزمات يتم اللجوء الى الشعب الذي هو مصدر السلطات لاعادة تركيب السلطة. اليوم، الاشكالية في كل المؤسسات حتى في تركيبة المجلس الحالي. وفي حال حصل ذلك، تكون سابقة”.

وقال: “المجلس النيابي بتركيبته الحالية من خلال القانون الانتخابي الحالي، هو مجلس تعطيلي حتى هناك تعطيل للعمل التشريعي ولعمل المجلس في ما يتعلق بأمور الدولة وقضايا الناس. هناك بعض الكتل، لاعتبارات عدة، تحاول الامعان في تعطيل العمل المؤسساتي خصوصاً في المجلس النيابي، وتتستر خلف الدستور، وهذا لا يمتّ الى الدستور بصلة. على سبيل المثال مقاطعة الجلسة العامة التشريعية المقبلة لمناقشة المشاريع والاقتراحات، ومن بينها إقتراح القانون الرامي الى فتح اعتمادات في موازنة العام 2023، ورواتب القطاع العام”. وشدد على أنه “لا يمكن الاستمرار في هذا الواقع طالما هناك فريق يسيرعلى هذا النحو”.

أضاف هاشم: “لا يمكن أن ننكر لأي فريق أن يستخدم حقه الدستوري، وما تسمح به اللعبة الديموقراطية البرلمانية، لتغليب وجهة نظره السياسية. هذه الديموقراطية، وهذا الدستور، فلنلتزم به. ولا يجوز لأي طرف أن يفسر الدستور على قياسه ووفق معاييره أو يتعاطى بمعايير مزدوجة”.

شارك المقال