بانتظار ما في جعبة لودريان!

صلاح تقي الدين

موفد يروح وآخر يأتي والمسؤولون اللبنانيون لا يزالون عاجزين عن الإتيان بحل لأزمة الشغور الرئاسي الذي أوشك الدخول في شهره التاسع، موعد الولادة الطبيعية، وهم بانتظار ما سيحمله هذه المرة الموفد الشخصي للرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون وزير خارجيته السابق جان إيف لودريان، وبالتأكيد ستكون جعبته خالية من الترياق المنتظر.

لم تكن الجلسة التي عقدها المجلس النيابي للمرة الثانية عشرة مختلفة عن سابقاتها الـ 11 بالنتيجة لكنها حفلت بالتأكيد من حيث المضمون بمفارقات عديدة، أولها التنافس بين شخصيتين “جديتين” هما مرشح المعارضة الوزير السابق جهاد أزعور ورئيس تيار “المردة” ومرشح الثنائي الشيعي سليمان فرنجية، وثانيها المخالفة الدستورية التي تمثلت في “غض نظر” رئيس المجلس النيابي نبيه بري عن اختفاء ورقة اقتراع ما فتح المجال أمام نقاش مستفيض من كل حدب وصوب دار لفترة لم تتجاوز نهاية الجلسة على قاعدة ما حصل قد حصل ولن تتغير النتيجة.

دولياً، كان عجز النواب عن انتخاب رئيس طاغياً على البيانات التي صدرت من الدول المهتمة بالشأن اللبناني والتي عبّرت عن أسفها لاستمرار الشغور الرئاسي، في حين أن الداخل استمر في مراوحته وتراشق الاتهامات بين الفريقين المتواجهين، بالتعطيل ومصادرة القرار ومحاولات الفرض، لكن من دون بروز أي تقدم على طريق الوصول إلى حل لهذه الأزمة التي هي باب عودة لبنان إلى الاستقرار وانتظام الحياة الدستورية فيه.

وانتظر المسؤولون اللبنانيون، كما عادتهم، نتائج القمة السعودية – الفرنسية بين ولي العهد السعودي ورئيس مجلس الوزراء الأمير محمد بن سلمان والرئيس ماكرون، وما إذا كان الجانبان قد تطرقا إلى الملف اللبناني والرئاسي على وجه الخصوص، لكي يعرفوا اتجاه البوصلة أو على الأقل كلمة السر التي سيبنون عليها قرارهم، لكن البيان الختامي للمباحثات حضهّم على الاسراع في انتخاب رئيس من دون الخوض في التفاصيل، ما وضعهم أمام فترة انتظار جديدة.

ثم انتظروا مجدداً نتائج زيارة وزير خارجية المملكة العربية السعودية الأمير فيصل بن فرحان إلى طهران حيث عقد جولة مباحثات مع نظيره الايراني حسين أمير عبد اللهيان ثم التقى الرئيس الايراني إبراهيم رئيسي، ففوجئوا ببيان أشار إلى أن مباحثات الجانبين “تناولت مواضيع إقليمية ودولية”، وبدؤوا يضربون أخماسهم بأسداسهم لفك “شيفرة” البيان والمباحثات بانتظار كلمة سر أيضاً.

في الأثناء، يتبارى المحللون على شاشات التلفزة في تحليل ما دار في المباحثات السعودية – الفرنسية – الايرانية كما لو أنهم شاركوا فيها، ليخلصوا إلى القول بأن الانتخابات الرئاسية اللبنانية تتوقف على تسوية خارجية تأتي برئيس سيذهب النواب “مثل الشاطرين” للادلاء بأصواتهم لصالحه، فيما البعض الآخر يشدد على أن القرار لبناني محض وأن الداخل هو القادر على صنع هذا الرئيس.

لو صح أن هذا الداخل هو القادر على صنع الرئيس لكان الفرقاء لبوا على الأقل الدعوات المتكررة إلى الحوار، سواء تلك التي كان آخرها دعوة متجددة من الرئيس بري أو المواقف التي تصدر عن رئيس الحزب “التقدمي الاشتراكي” وليد جنبلاط التي تشدد على أن الحوار هو الباب الوحيد للخروج من الأزمة، لكن على من تقرأ مزاميرك يا داوود، فكل فريق متمترس خلف الجدران العالية التي رسمها ولا أحد يريد التنازل، أحدهم بحجة أن مرشحه لا يطعنه في الظهر، والآخر أنه لا يريد أن يفرض عليه مرشح يستمر في سوء إدارة البلاد كما فعل الرئيس السابق ميشال عون.

وأحدث بدع الفرقاء الداخليين هو انتظار ما سيحمله الموفد الفرنسي الجديد لودريان، على اعتبار أن الملف أصبح في عهدته انتقالاً من المسؤول السابق باتريك دوريل، علماً أن الأخير شارك في اجتماع شهدته العاصمة الفرنسية في الأسبوع الماضي لخلية إدارة الأزمة التي شكلها ماكرون، ما يعني من حيث الشكل على الأقل أنه لا يزال يضطلع بمهماته اللبنانية.

الحل لبناني محض، هذا على الأقل إذا كان المسؤولون اللبنانيون يحترمون أنفسهم وجميعهم ينادي بالسيادة والاستقلال، وهذا الحل لن يأتي إلا من خلال حوار جدي ومن دون قفازات أو شروط مسبقة، ففي نهاية الأمر البلد للجميع ولن يديره إلا اللبنانيون أنفسهم، اللهم إلا إذا كانت الدعوات المبطنة التي تصدر من حين إلى آخر تحت مسميات مختلفة من فديرالية أو تقسيمية، تضمر ما لا يظهر في شكلها، فهل الوقت حان لكي يقدم المعنيون كل منهم خطوة باتجاه الآخر؟

أما أن يأتي الترياق من الخارج، فلكل دولة مصالحها في لبنان وهي تقدّم هذه المصالح على مصلحة اللبنانيين، الذين ليس عليهم انتظار الحلول الخارجية لأنها وإن كانت في الشكل ستحل لهم معضلتهم، إلا أنها في المضمون ستكون على حسابهم بالتأكيد، فاعتبروا يا أولي الألباب.

شارك المقال