حوار في بكركي… تفرمله النوايا غير الصادقة

هيام طوق
هيام طوق

بعد ثمانية أشهر من الشغور، لا يزال الملف الرئاسي الشغل الشاغل لدى المسؤولين في الداخل، لكن من دون تحقيق أي تقدم على مدى 12 جلسة انتخابية عقيمة وسط حديث عن الجلسة رقم 13 التي اما تكون منتجة أو لا تكون. أما على الصعيد الخارجي، فتبدو الحركة نحو حلحلة العقد ناشطة، لكنها لا تزال بلا بركة أيضاً على الرغم من اللقاءات المهمة، وعلى مستوى قادة الدول الفاعلة في الملف اللبناني، وآخرها لقاء القمّة بين الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون وولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان في الاليزيه الذي عقد يوم الجمعة الماضي. كما من المتوقع أن يصل الموفد الرئاسي الفرنسي جان إيف لودريان قريباً الى بيروت، حاملاً معه صيغة أو طرحاً أو مبادرة، وسيطلع المسؤولين على ما لديه من معطيات متعلقة بالشأن اللبناني.

إذاً، من المرتقب أن تشهد الساحة الداخلية، إعادةً لتفعيل اللقاءات والمبادرات الرئاسية، لكن في هذه المرحلة لن تقف بكركي مكتوفة الأيدي، بل ستستمر في المحاولة علّها تتمكن من تحقيق خرق في الجدار الرئاسي، ومن المتوقع بعد أن أوفد البطريرك الماروني الكاردينال بشارة الراعي، المطارنة الى مختلف المسؤولين للتباحث في الشأن الرئاسي، أن يواصل مساعيه خصوصاً أنه اختتم أعمال السينودس يوم السبت الفائت، متسلحاً بتأييد أساقفة الكنيسة لما يقوم به إنطلاقاً من “دور البطريرك المؤتمن التاريخي على كيان لبنان ووحدة أبنائه وعلى دور بكركي التي كانت وستبقى داراً للتلاقي والحوار بين كل الأطراف اللبنانيين”، بحسب البيان الختامي لأساقفة الكنيسة المارونيّة.

واذ قال رئيس مجلس النواب نبيه بري، للمطرانين بولس عبد الساتر ومارون العمار انه يفضّل حواراً يدعو اليه البطريرك الماروني، فهل تستجيب بكركي، وتدعو القوى السياسية الى حوار جامع، وتتمكن من تبديد هواجس “حزب الله” الذي يريد رئيساً لا يطعن المقاومة؟ في وقت تتوالى مطالبة فريق الموالاة بالعودة الى الحوار، إذ اعتبر عضو كتلة “الوفاء للمقاومة” علي فيّاض بعد الجلسة الأخيرة أن “لا خروج من المأزق إلا بالعودة إلى الحوار كطريق إلى التوافق من أجل الوصول إلى الرئاسة، علماً أن التوافق يعني الإنصات إلى الهواجس، وتبادل الضمانات، واحترام التوازنات الداخلية، والاتفاق على الخطوط العريضة لمعالجة المشكلات اللبنانية”.

وفي حين وصف البطريرك الراعي في عظة الأحد الفائت ما جرى في جلسة الانتخاب الأخيرة بالمهزلة “حيث انتهك الدستور والنظام الديموقراطي بدم بارد”، اعتبر البعض أن بكركي لن تنغمس في تفاصيل اللعبة السياسية، ولن تقبل تحميلها مسؤولية فشل أي حوار على المستوى الوطني خصوصاً أن تجربتها على الصعيد المسيحي لم تكن مشجعة. وبالتالي، هل ستسعى بكركي الى عقد حوار جامع بين مختلف الجهات السياسية أو ربما تلجأ الى عقد قمة روحية تؤكد على تقريب وجهات النظر بين اللبنانيين، واعادة الانتظام الى المؤسسات الدستورية، والاسراع في انتخاب رئيس للجمهورية كهدف أول؟

أشار النائب العام البطريركي المطران سمير مظلوم الى أن “الكل يعرف ماذا يريد البطريرك، والكل يعلم ما هي حاجة البلد، واذا استمر الانقسام والتشبث بالآراء، والنوايا غير الصافية، فكل الدعوات لن تكون لها نتيجة، ولن تنفع”، مشدداً على أن “البطريرك عندما يلمس حسن نية عند الجميع والاستعداد للحوار الجدي والنقاش الجدي، وأن هناك نوايا صافية، وارادة حقيقية وقناعة ثابتة بين النواب والمسؤولين، بضرورة إيجاد حلّ للشغور، يدعو الى الحوار، وغير ذلك، لا لزوم للدعوات التي لن تؤدي الى نتيجة لأنه يكون كل طرف يتحاور مع نفسه”.

وقال: “هل الكتل النيابية بمختلف انتماءاتها على استعداد لتلبية الدعوة الى الحوار؟ البطريرك الراعي يدرس كل الخيارات، لكن لتكون الدعوة بهدف نقل المسؤولية من مكان الى مكان آخر من دون استعداد لدى النواب للتعاون في ما بينهم للوصول الى حل، فالبطريرك لن يقوم بالعجائب. هو يسعى الى اخراج لبنان من محنته، والى انتخاب رئيس للجمهورية، لكن اذا استمرت النوايا غير صافية، وتطغى سياسة الرفض لأي حل موجود، ماذا تنفع دعوة بكركي الى الحوار؟”.

وأكد أن “البطريرك الراعي يحاول ويجرّب ويتابع، ولن يتوقف عن التواصل والاتصال مع الجميع على أمل أن يستيقظ الضمير لدى المسؤولين والنواب الذين انتخبوا ليقوموا بواجباتهم ومسؤولياتهم. البطريرك لن يتراجع عن المطالبة بانتخاب الرئيس وتسوية أوضاع البلد لأنه يرى أن لا مستقبل للبنان من دون العودة الصحيحة الى الدولة بكل مؤسساتها التي وحدها تستطيع حماية البلد وأهله. علينا أن نرى مقدار التجاوب مع مساعي البطريرك ومقدار تجاوب النواب خصوصاً مع مسؤولياتهم”.

وذكر مظلوم بأن “البطريرك أوفد المطارنة الى المسؤولين في السابق، وليس هناك من قرار في وقف هذه الخطوة في الوقت الحالي، ويريد الانفتاح على الجميع، والاستمرار في المحاولة عله يصل الى نتيجة”، لافتاً الى أن “اللقاء الروحي بين مختلف رجال الدين من كل الطوائف ليس مطروحاً حالياً لأن ليس هناك من خلاف بين المسؤولين الروحيين انما بين الكتل النيابية التي هي من ينتخب الرئيس. ثم من منهم مستعد للتجاوب بوضوح وصراحة مع دعوات رجال الدين في حال اجتمعوا؟ اذا عقدت جمعية قديسين، وطلبت أي أمر من السياسيين، هل هؤلاء مستعدون للتجاوب؟ مع العلم أن كل المسؤولين الروحيين من كل الطوائف، طالبوا خلال مناسبات عدة بانتخاب رئيس للجمهورية”.

ورأى النائب السابق غسان مخيبر أن “بكركي يمكن أن تلعب دور الوسيط، ولن تتدخل في إدارة الحوار بمعنى أنه يجب ألا تكون طرفاً فيه سوى في الحفاظ على المبادئ الوطنية العامة التي لا تزال تدعو الى احترامها”، مشيراً الى أن “بكركي بدأت بدفع من الفاتيكان، حركة اتصالات، تجاوزت القيادات المسيحية، في اتجاه القيادات الأخرى والأحزاب السياسية بمن فيها حزب الله”.

وأمل أن “تطور بكركي هذه الآلية لوساطة ممأسسة أكثر بشكل أنها تمهّد لجلسات نقاش”، معتبراً أن “بكركي يمكن أن تلعب هذا الدور شرط أن يكون في اطار واضح ومن دون الوقوع في وحول التسميات والترشيحات”.

شارك المقال