سيل من التحليلات والتأويلات التي استبقت زيارة الموفد الرئاسي الفرنسي جان إيف لودريان الى بيروت، اليوم، ليلتقي كل الأطراف، ويطّلع على ما لديها من معطيات ومواقف أو ربما تنازل للالتقاء في منتصف الطريق بعد أن أظهرت جلسات انتخاب رئيس الجمهورية عقمها، خصوصاً الجلسة الثانية عشرة التي أكدت المؤكد أي ليس هناك أي جهة سياسية قادرة على ايصال شخصية الى سدّة الرئاسة، وذلك بعد أيام قليلة من المحادثات الفرنسية – السعودية في الاليزيه بين الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون وولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، اللذين شددا على “ضرورة وضع حد سريع للفراغ السياسي المؤسساتي في لبنان، الأمر الذي يعدّ العائق الرئيس أمام حل الأزمة الاجتماعية والاقتصادية الخطيرة”.
إذاً، الكل في انتظار لودريان اليوم بعد أن خرج الملف الرئاسي من بين أيدي اللبنانيين، وأصبح وفق العديد من المراقبين، من سابع المستحيلات إيجاد أي حل داخلي لهذا الاستحقاق خصوصاً أن أبواب الحوار بين الفرقاء مقفلة لاعتبارات خاصة بكل طرف حتى أن البطريرك الماروني الكاردينال بشارة الراعي الذي يسعى الى إيجاد حل، يتوجّس اليوم من الدعوة الى الحوار على المستوى الوطني لأن كل فريق يتمسك بقناعاته، ولا أحد يريد التنازل في سبيل مصلحة البلد ما يعني أن ليست هناك من إرادة صادقة ولا نوايا صافية. وبالتالي، حوّل المسؤولون، الاستحقاق الرئاسي الى معضلة غير قابلة للحل أقله داخلياً ووفق المعطيات المتوافرة حالياً.
وبعد ثمانية أشهر من المبادرات الداخلية والخارجية، ومن بينها المبادرة الفرنسية التي لم تلق آذاناً صاغية من الجانب المسيحي، لا شك في أن الدول المعنية بالملف اللبناني باتت على معرفة جيدة واطلاع واسع على كل التفاصيل والزواريب السياسية ما يعني أن لودريان لا بد من أنه يحمل طرحاً ما وان كان لا يرقى الى مستوى المبادرة الكاملة أو التسوية الكبرى، وأنه خلال لقاءاته مع المسؤولين الذين سيستمع منهم الى وجهة نظرهم لإخراج البلد من أزمته الرئاسية، سيعرض عليهم بعض الأفكار لدرسها على قاعدة “لا غالب ولا مغلوب”، وسيشدد على ضرورة تقديم التنازلات من الأطياف كافة، لحلحلة العقد، وليقترب الطرفان الأساسيان خطوة في اتجاه بعضهما البعض من خلال التنازل عن مرشحيهما نحو اسم ثالث لا يعارضان وصوله الى قصر بعبدا. وبالتالي، إذا لمس لودريان أي ايجابية أو رغبة لدى اللبنانيين في اقامة حوار أو وساطة فرنسية بينهم، ربما ينتخب رئيس الجمهورية، أواخر الصيف، واذا فشل في إقناعهم بالتقارب والتوافق على اسم، فسيمتدّ الشغور أشهراً إضافية وربما سنوات، ويترك لبنان لمصيره في ظل التغيّرات الكبرى التي تشهدها المنطقة، خصوصاً أنه ليس في الأولويات على طاولات النقاش وفق ما أشار أحد المتابعين لموقع “لبنان الكبير”.
على أي حال، وفيما سينقل الموفد الفرنسي، نتائج مشاوراته الى الرئاسة الفرنسية والى اللقاء الخماسي ليبنى على الشيء مقتضاه، لا بد من التساؤل: ما الذي سيقدمه لودريان للبنانيين لتحفيزهم على الحوار والتوافق بعد فشل الكثير من المحاولات الداخلية في هذا الاطار؟ وفي حال صدقت المعطيات التي تقول ان الموفد الفرنسي لا يحمل أي حلّ أو طرح يمكن أن يعبّد الطريق أمام رئيس الجمهورية، وأنه سيستمع الى الآراء فقط، ألا يعني ذلك أن الشغور سيستمر الى أجل غير منظور، وربما كل ما يحصل لملء الفراغ في الوقت الضائع الى حين الوصول الى تسوية كبرى يهدف الى تصفير المشكلات؟
اعتبرت النائب غادة أيوب أن “الأجواء تشير الى أن الموفد الفرنسي لن يتطرق الى الأسماء انما يريد الاستماع الى وجهات نظر الفرقاء بعد أن أعيد خلط الأوراق، وتبيّن أن المبادرة الفرنسية قد سقطت، خصوصاً أن الجلسة الانتخابية الأخيرة، أظهرت أن الأرجحية ليست لصالح رئيس تيار المردة سليمان فرنجية. ثم من أخطأ في طرح الأسماء في البداية، لن يعيد الخطأ مرة أخرى. انها جولة استطلاعية تشاورية، لحثّ الفرقاء على الوصول الى الحل الداخلي”.
وسألت: “لماذا ننتظر الخارج ليأخذ القرار عنا؟ لا يجوز التعويل دائماً على الخارج الذي لديه مصالحه الخاصة، ولا يجوز أن نستسلم لمصالح الدول”، مشيرة الى أن “المعضلة الأساسية تكمن في الفريق المعطل الذي عليه الاقتناع بأن مرحلة فرض المرشحين والاستقواء، قد طويت، وبالتالي، علينا العبور الى الدولة التي تتماشى مع التطورات الحاصلة في المنطقة والاقليم حيث العنوان الأساس، الاستقرار”.
وقالت أيوب: “لا يمكن توقّع مرحلة الشغور الذي ربما يستمر لأسابيع أو أكثر، لأنه في حال استمرّ فريق الممانعة متمسكاً بمرشحه، وبتعطيل النصاب، فهذا يعني أننا ذاهبون الى شغور طويل خصوصاً أن الظروف اليوم تختلف عن ظروف 2016 حين انتخب الرئيس ميشال عون”. ولفتت الى أن “الوضع اليوم لا يحتمل الشغور لسنتين ونصف السنة كما حصل سنة 2014 اضافة الى التلويح بالعقوبات على المعطلين. هذه الاشارات، تدلّ على أن الشغور لن يستمر طويلاً”.
وأكدت أيوب أن “ليس لدينا ترف الوقت، وليست هناك أي اشارات تدلّ على أن الاستحقاق الرئاسي في انتظار التسوية الكبرى لا بل على العكس، كل الجهات والاجتماعات واللقاءات التي تحصل في الخارج، تدعو اللبنانيين الى انتخاب رئيس للجمهورية في أسرع وقت ممكن ضمن المطبخ اللبناني الداخلي”.
ورأى النائب عبد الرحمن البزري أن “الفرنسيين غير بعيدين عن الواقع اللبناني، ويعرفون التفاصيل السياسية بسبب اهتمامهم التاريخي والصداقة التي تربطهم بلبنان. الموفد الفرنسي، عنوان لاستمرار اهتمام الفرنسيين بإيجاد صيغة للحل في لبنان”، معتبراً أن “الزيارة قد تحمل في طياتها العديد من المعاني، ويستمع خلالها لودريان الى آراء القوى السياسية خصوصاً بعد الجلسة الانتخابية الثانية عشرة التي لم تنتج رئيساً، لكن على اللبنانيين أن يتحملوا المسؤولية الكبيرة، والمطلوب من القوى السياسية، إيجاد الأرضية المشتركة للوصول الى انتخاب الرئيس بعيداً عن نظرية الغالب والمغلوب”.
أضاف: “أي خرق حقيقي في الملف الرئاسي، يحتاج الى رغبة لبنانية جدية في التواصل، والعامل الصديق دولياً والعامل الشقيق عربياً هما عاملان مساعدان، لكن الرغبة الحقيقية والارادة الحقيقية يجب أن تتجلى عند اللبنانيين أولاً”.
وأوضح البزري أن “الجلسة الأخيرة، اتّسمت ببعض النتائج الايجابية والمهمة، ومنها إظهار عجز الطرفين عن حسم النتيجة لصالحهما، وبالتالي، ضرورة الذهاب في اتجاه الخيار الوسطي الثالث، الذي توافق عليه الغالبية، للانطلاق في المشروع الاصلاحي والانقاذي”.