بعد الزعامة “الجنبلاطية”… رئاسة الحزب لتيمور

زياد سامي عيتاني

في 19 آذار 2017، وخلال إحياء الذكرى 40 لاغتيال الشهيد كمال جنبلاط في المختارة، أَلبس وليد جنبلاط نجله تيمور، كوفية الزعامة “الجنبلاطية”، محتفظاً برئاسة الحزب “التقدمي الاشتراكي”، ربما ليساهم في نزع الألغام من أمام زعيم المختارة الجديد، وهو إبن زمن مختلف ومقاربات مختلفة.

وجاءت تلك الخطوة المنتظرة، بعد 7 أعوام من التحضير والتهيؤ لنقل لواء زعامة “المختارة” إلى تيمور، بصورة طوعية، غير مألوفة في تقاليد الحياة السياسية اللبنانية، بحيث لم يسبق أن شهدت الوراثة السياسية إنتقالاً من الأب إلى وريثه من خارج لعنة الاغتيال أو لعبة القدر! وهو ما إنسحب على وليد نفسه، عندما حمل على كتفيه عباءة والده “المعلم” كمال جنبلاط، الملطخة بدماء إغتياله عام 1977.

وتوجه يومها جنبلاط الأب إلى إبنه تيمور قائلاً: “سِر رافِعَ الرأس، واحمل تراث جدّك الكبير كمال جنبلاط، واشهِر عالياً كوفية فلسطين العربية المحتلة، كوفية لبنان التقدمية، كوفية الأحرار والثوار، كوفية المقاومين لاسرائيل أياً كانوا، كوفية المصالحة والحوار، كوفية التواضع والكرم، كوفية دار المختارة. واحضن أصلان بيمينك وعانِق داليا بشمالك. وعند قدوم الساعة ادفُنوا أمواتكم وانهَضوا، وسيروا قدماً فالحياة انتصار للأقوياء في نفوسهم لا للضعفاء”.

وحدّد لنجله “وصايا” للمستقبل، بدءاً بالمصالحة يوم عقد الراية بين العمامة البيضاء والعمامة المقدّسة للبطريرك مار نصر الله بطرس صفير في 2001 هنا في المختارة، فكانت مصالحة الجبل (الدرزية – المارونية) مصالحة لبنان (…) فمهما كبرت التضحيات من أجل السلم والحوار والمصالحة، تبقى هذه التضحيات رخيصة أمام مغامرة العنف والدم أو الحرب.

وبذلك، كانت البداية الفعلية لتيمور في تولي أدوار قيادية والتواصل مع أبناء الجبل، وصولاً إلى قرار خوضه الانتخابات النيابية في 2018 بديلاً عنه، وهو ما تكرر في إستحقاق 2022، ليترأس من وقتها كتلة “اللقاء الديموقراطي” البرلمانية.

المتابعون لمسار تهيئة تيمور سياسياً وزعاماتياً، يرون أن وليد بك، بحنكته ودرايته، عرف كيف يرسم خريطة الطريق بصورة إنسيابية لابنه (مواليد 1982)، الشاب “غير التقليدي”، الذي لم يكن متحمساً للسياسة، لكن التقاليد والأعراف “الجنبلاطية”، فرضت عليه أن يحمل لواء زعامتها، بعد سنوات سبع من الاعداد، ليمسك بزمام مبادرتها بشخصيته التي يجتمع فيها الإرث الزعاماتي والحداثة والعصرنة، بحكم صغر سنه.

في 25 أيار الماضي أعلن وليد جنبلاط إستقالته من رئاسة الحزب “التقدمي الإشتراكي”، داعياً “عملاً بأحكام دستور الحزب ونظامه الداخلي” إلى مؤتمر عام إنتخابي في 25 حزيران.

لم تكن الاستقالة حدثاً مفاجئاً، على الرغم من أهمّيتها السياسية، المنبثقة من الدور الاستثنائي الذي لعبه وليد جنبلاط على مدى عقود من الزمن، بحيث كان على الدوام في قلب الحدث أيام الحرب والسلم، وفي كل المحطات المفصلية في السياسة اللبنانية، بكل تطوراتها ومتغيراتها، إلا أن المتتبع لمسار الخطة المتدرجة والمدروسة التي إعتمدها تحضيراً لنجله، كان يدرك أنه ينتظر الوقت المناسب لتولي تيمور رئاسة الحزب “التقدمي الإشتراكي”.

ومنذ إعلان جنبلاط إستقالته الحزبية، المعطوفة على أن تؤول رئاسة الحزب إلى تيمور، بدأ الهمس (ولو بعيداً عن الاعلام) حول مسألتين أساسيتين، بشأن رئاسة تيمور للحزب:

-المسألة الأولى تتعلق بالخلفيات السياسية لاستقالة وليد جنبلاط من الحزب.

-المسألة الثانية تتعلق بقواعد العمل الحزبي، التي يفترض أن تراعي الممارسة الديموقراطية، بعيداً عن التوريث.

بالنسبة الى الجانب السياسي، تجزم أوساط المختارة بعدم وجود أي قطبة سياسية مخفية، كما تنفي أن تكون هذه الخطوة، مقدمة لتموضع جديد للحزب سياسياً، خصوصاً بعد مصالحات السعودية مع كل من سوريا وإيران، مما يتطلب مقاربة جديدة، ليس بمقدور جنبلاط الأب الاقدام عليها.

وتضع الأوساط نفسها ما حصل في إطار إعطاء دفع لعملية التطوير والتغيير وضخّ دم جديد، بما يتماشى مع شخصية تيمور الشبابية، كونها المدخل لمحاكاة المستقبل.

أما في ما يتعلق بالقواعد الحزبية، والقول إن التوريث يتنافى مع المبادئ الديموقراطية، فإن قيادي حزبي بارز يجزم بعدم وجود أي حركة إعتراضية ولو محدودة داخل المؤتمر العام على رئاسة تيمور للحزب، ويؤكد التفهم العام لأهمية وضرورة إنتقال الرئاسة إنتخابياً إلى تيمور، لأنه الوحيد في هذه المرحلة القادر على الامساك بزمام الحزب، وفي الوقت نفسه على إحداث نقلة نوعية تطويرية له، خصوصاً وأن وليد بك سيبقى بالنسبة اليه “المرشد” و”الموجه”، من خلال مواكبته في مسؤوليته الجديدة، ما يعطي حالة من “التزاوج” ما بين الخبرة والحداثة، الأمر الذي يشكل الضمانة للحزب في المرحلة المقبلة بكل تحدياتها.

وفي هذا الاطار، نورد ما كتبه القيادي الأسبق في الحزب الدكتور غسان العياش (نائب سابق لحاكم مصرف لبنان) في هذا السياق:

“تسنّى لي أن أشاهد عن كثب وراثة وليد جنبلاط لوالده الشهيد كمال جنبلاط بعدما اغتالته يد الغدر سنة 1977، وأشهد أن الاشتراكيين انقسموا وقتذاك. فقد إرتفعت في الحزب أصوات معترضة تطالب بمخالفة الدستور وانتخاب وليد جنبلاط رئيساً على الفور. بين الداعين إلى التريث بضعة أسابيع والمطالبين بانتخاب الوريث على الفور، تجلّت صورة الاجماع على التوريث”.

يتولى تيمور جنبلاط رئاسة الحزب “التقدمي الاشتراكي” في أسوأ الظروف التي مرّت على لبنان منذ تأسيسه كدولة، بحيث يواجه خطر تحلّل الدولة، وإنهيار الكيان الوطني، وإضمحلال الاقتصاد، ولا مجال أمامه سوى النجاح في تحمل مسؤولية رئاسة الحزب، وإمساكه بكل خيوط الزعامة، نيابياً وحزبياً وشعبياً، ما يتطلب من وليد بك أن يبقى لتيمور أباً، لكن في هذه المرحلة، أباً سياسياً وملهماً، وليس الاكتفاء بالأبوة بمعناها الانساني، وذلك لحماية الإرث “الجنلاطي” مع حامله الجديد.

شارك المقال