لبنان… ماذا لو سقط بوتين؟

أنطوني جعجع

ما جرى في روسيا أخيراً، لم يكن مجرد نزوة أو فورة غضب محدودة في المكان والزمان قام بها رجل طموح أو متهور أو مجنون، بل إشارة خطيرة توحي بأن الجبار الروسي الذي يديره فلاديمير بوتين ليس بخير أو على الأقل لم يعد بخير.

وما جرى أيضاً يؤكد أن روسيا التي يصعب إسقاطها من الخارج يمكن زعزعتها من الداخل بعدما أخذها بوتين الى موقع عدائي مقلق مع جيرانه، والى مغامرات عسكرية وتحالفات استراتيجية مع دول تشكل محوراً معادياً أو منافساً للغرب تبدأ من الصين وتمر بكوريا الشمالية ولا تنتهي في ايران.

والواقع أن بوتين الطامح الى “زعامة تاريخية” والواثق من جيشه وترسانته الحربية المتطورة، وجه قواته العسكرية نحو أوكرانيا من دون أي قراءة عقلانية مسبقة، ليرتكب بذلك خطأ صدام حسين عندما غزا الكويت، وليجد نفسه معزولاً ومعاقباً ومحرجاً، لا بل عالق بين مخالب حلف الأطلسي من جهة ورأي عام روسي غير متعاطف من جهة ثانية.

ويجمع المراقبون العسكريون على أن الرئيس الروسي لم يدرك أن التعرض لأوكرانيا يعني التعرض لأمن أوروبا ومصالح أميركا، تماماً كما أصاب صدام حسين عندما حرّك “وكر الدبابير” في منطقة رمالها من بارود أي دول الخليج.

ولعل أخطر تطور شهدته “حركة فاغنر”، هو أولاً عجز أجهزة الاستخبارات الروسية عن “مراقبة الأرض” جيداً، وثانياً دخول قوات شيشانية على خط الأزمة، في مشهد معقد بدا من بعيد وكأنه بوادر حرب اسلامية – مسيحية على أرض روسيا لا بد من أن تحرك الجمهوريات الاسلامية الخارجة حديثاً من قبضة الاتحاد السوفياتي السابق لا سيما في بلاد القوقاز وتحديداً بين أبخازيا وجورجيا وأذربيجان وأرمينيا.

وعلى الرغم من أن ما كاد يفجر روسيا من الداخل بعد انسحاب قوات “فاغنر” الى الجبهة الأوكرانية، وانتقال قائدها الى بيلاروسيا، قد تراجع الى حد ما، فان بوتين لم يعد عملياً في نظر حلفائه “القيصر” الذي يمسك بأمن البلاد وولاء جيشه، ولا القوة الجبارة التي يمكن الاعتماد عليها في مسألة التوازنات العالمية، وأن الجيش الروسي الذي قيل إنه يفقد المئات من جنوده يومياً، لم يعد الجيش الذي يمكن الرهان عليه في أي حرب عالمية يمكن أن تندلع في لحظة جنون من هنا أو من هناك.

وبعيداً مما يمكن أن يكون موقف الصين المتأهبة مع كوريا الشمالية في مواجهة الولايات المتحدة وحلفائها، والقلقة على متانة تحالفها مع الكرملين في عز صراعها المتراكم مع أميركا في بحر الصين، لا بد من الاشارة الى ايران وحلفائها والسؤال عما يمكن أن ينال من استراتيجياتهم لو سقط بوتين أو لو غرق على الأقل في حرب أهلية أو لو اضطر الى الانسحاب من أوكرانيا.

تكشف مصادر ديبلوماسية قريبة من محور الممانعة، أن القلق الذي أصاب الهيئة الحاكمة في طهران حيال ما كان يجري في موسكو، أشد جدية من الثورة الداخلية التي شهدتها البلاد منذ أشهر عدة، وأن هذا القلق انسحب أيضاً على “حزب الله” الذي رأى في “انتفاضة فاغنر” تطوراً يمكن أن يدفعه الى اعادة حساباته في صورة سريعة وجدية سواء في لبنان أو سوريا أو في أي مكان آخر.

وتضيف: “ان سقوط بوتين، كان سيعني العودة الى تكريس أميركا مجدداً قوة عالمية أحادية أولاً، وسقوط البرنامج النووي الايراني ثانياً، وسقوط الحليف الدولي الأكبر ثالثاً، وسقوط التعاون التسلحي المتطور رابعاً، وسقوط الأساس الذي يبقي بشار الأسد في السلطة خامساً، وعودة الحرب الأهلية الى سوريا سادساً، وسقوط الثقل النفطي الذي تشكله مع موسكو في عز أزمة الطاقة التي يعانيها العالم جراء الحرب الأوكرانية سابعاً”.

وتتابع المصادر: “ان سقوط بوتين كان سيعني بالنسبة الى ايران وحزب الله خسارة سلاح الفيتو في مجلس الأمن، واحتمال وقوع روسيا في قبضة حاكم معتدل ربما يشبه ميخائيل غورباتشوف الذي نقل الاتحاد السوفياتي السابق من مكان الى آخر، وأنهى الى حد ما الحرب الباردة التي اندلعت بعد الحرب العالمية الثانية”، مشيرة الى أن هذا الأمر ينطبق ليس على سوريا وحسب، بل أيضاً على الانفلاش الروسي في ليبيا والسودان وناغورني كاراباخ وبيلاروسيا والشيشان اضافة الى دول عدة في آسيا وأفريقيا.

وهنا لا بد من السؤال: كيف ستتصرف ايران بعد “الهزة” الروسية؟ هل تسرّع المفاوضات النووية مع أميركا وصولاً الى تسوية مقبولة من الطرفين؟ وهل تتمسك بسياسة المصالحات مع جيرانها العرب، وتحد من تورطها في حرب أوكرانيا، أم تعمد الى تعزيز سواعدها العسكرية في مياه الخليج وكل من اليمن والعراق وسوريا ولبنان من باب الاجراءات الوقائية والاستباقية؟ وكيف سيتصرف “حزب الله” في لبنان؟ هل يتحول الى “فاغنر ممانع” ويمسك بالسلطة عنوة أم يعمد الى تليين مواقفه والدخول في تفاهمات أو مصالحات مع خصومه السياسيين، أم يواصل سياسة التشدد وتحديداً حيال الانتخابات الرئاسية التي وصلت الى حال مراوحة خطيرة؟

وفي معنى آخر، هل يتنازل عن سليمان فرنجية في مقابل هدنة مع خصومه في انتظار ما يمكن أن يؤول اليه وضع بوتين داخلياً وخارجياً، أم يتمسك برئيس تيار “المردة” باعتباره مظلة الأمان التي يحتاج اليها كاجراء وقائي واستباقي أيضاً؟

سؤالان تزامنا مع المهمة الاستكشافية للموفد الفرنسي جان ايف لودريان في بيروت، ومع ما يتردد في اسرائيل عن وجود أسلحة غربية هربت من أوكرانيا الى حدودها مع سوريا ولبنان وربما غزة، وهي عملية يصعب تنفيذها من دون تعاون بين ايران وروسيا ومعارضين أوكرانيين، ويصعب بالتالي على اسرائيل ابتلاعها وعلى أميركا التغاضي عنها.

الجواب ليس في جعبة الموفد الرئاسي الفرنسي العالق في الوسط على حلبة الكباش الأميركي – الايراني بل رهن بنتائج الهجوم المضاد الذي تشنه أوكرانيا لاستعادة أراضيها المحتلة، في وقت يسود اقتناع في واشنطن بأن خسارة الروس في أوكرانيا تشبه خسارة هتلر في الحرب العالمية الثانية، لا بل خسارة الأميركيين في فيتنام ثم لبنان ثم الصومال وتراجع نفوذهم في غير مكان.

ويقول مصدر ديبلوماسي غربي: “ان الوقت ليس في مصلحة لبنان فقط كما يقول لودريان، بل ينسحب أيضاً على ايران وحلفائها وعلى الرئيس الروسي الذي يراقب جيشه المنهك عالقاً بين حرب خارجية غير متحمس لها، وأزمة داخلية لم تنته فصولاً بعد ما دام قائد فاغنر بريغوجين قادراً على التحرك عسكرياً وسياسياً وشعبياً في البلاد”.

ولم يستبعد المصدر أن تكون الغارات الروسية على جسر الشغور في ادلب السورية، اشارة من بوتين أراد من خلالها الرد على المشككين الأميركيين، وطمأنة حلفائه الى التزاماته وقدرته على التحرك والمبادرة في أكثر من مكان .

ويختم قائلاً: “اذا أردتم أن تعرفوا ما هي بعض الخيارات المقبلة أمام الممانعة، راقبوا من هي الرؤوس التي سيطيحها بوتين للتخلص من الألغام الداخلية، أو على الأقل الرؤوس التي قد تنقلب عليه وعلى تحالفاته، وراقبوا أيضاً مسار الانتخابات الرئاسية في بيروت، فهناك قد يتحدد الرئيس المطلوب لحماية ظهر المقاومة بقرار ممانع لا يقبل المساومة أو الرئيس المنشود لحماية لبنان بقرار جامع لا يقبل المراوغة”.

شارك المقال