لبنان أمام خياري التسوية أو المواجهة… أي منهما يسبق؟

هيام طوق
هيام طوق

دخل لبنان مع الأعياد وموسم الاصطياف في حالة من الهدوء السياسي خصوصاً أن الجميع في انتظار عودة الموفد الرئاسي الفرنسي جان إيف لودريان لمعرفة ماذا سيحمل في جعبته من طروح في ظل العجز الداخلي عن إيجاد أي حل أو تقدم في الملف الرئاسي، اذ أن البعض يتحدث عن إمكان عقد طاولة حوار أو تسوية ما تتضمن سلة متكاملة لناحية انتخاب رئيس للجمهورية والاتفاق على رئيس للحكومة مرفقة بسلة من التعيينات والاصلاحات ما يعني أن الأزمة لا تزال مديدة ومستمرة إلى ما بعد نهاية الصيف، وذلك رهن بمدى تجاوب المسؤولين من مختلف الأطراف مع الوسيط الفرنسي الذي يمكن أن يؤدي مسعاه إلى نتيجة إيجابية، كما يمكن أن يصل إلى حائط مسدود في ظل الانقسامات الكبيرة بين اللبنانيين الذين لديهم قناعات متعاكسة ورؤية مختلفة في إدارة الدولة ومؤسساتها.

وبالتالي، فان لودريان يعرف تماماً كما كل اللبنانيين أن الحل والربط في أيديهم، وفشل المبادرات والطروح السابقة على مدى ٨ أشهر خير دليل، مع العلم أن كل الجهات والأحزاب والتيارات والزعماء يؤكدون أن البلد لم يعد يحتمل الفراغ والشغور وتعطيل المؤسسات، والانهيار المتسارع يهدد الكيان والدولة.

وفي ظل ضبابية المشهد الداخلي، يتخوف كثيرون من الذهاب في اتجاه المواجهة أو توتير الأجواء من خلال إثارة ملفات خلافية قد تكون أداة تفجير منها موضوع اللاجئين وموضوع الفديرالية وغيرها من الملفات التي تبدو كالجمر تحت الرماد. أما على الصعيد المالي والاقتصادي والمعيشي، فإن كل ظروف الانفجار الاجتماعي تتقدم مع الانهيار المستمر في سعر الليرة اللبنانية خصوصاً مع اقتراب نهاية ولاية حاكم البنك المركزي.

انطلاقاً من هذا الواقع، وفي وقت تسعى دول المنطقة الى تصفير المشكلات، يعتبر البعض أن لبنان أمام خيارين لا ثالث لهما: إما الافادة من الأجواء التصالحية في المنطقة، والانفتاح على الحل، والانطلاق في اعادة بناء الدولة أو الاستمرار في المسار الانحداري، والمناورات العقيمة وصولاً الى الخراب التام. من هنا، يمكن الاستنتاج أن هناك سباقاً بين التسوية من جهة والاستمرار في الصراع من جهة ثانية، ليبقى السؤال: أي منهما سيسبق؟ التسوية والحلحلة أو الانفجار والانهيار؟ يجيب أحد المراقبين: “ان شهري تموز وآب حاسمان ومهمان جداً مع العلم أن المسألة تخطت رئاسة الجمهورية، لتتحول اليوم إلى مشكلة نظام، وكل الفرقاء يسيرون في المسار الذي يريد حزب الله أن يسلكوه أي ربما نذهب إلى تعديل الدستور أو الى المثالثة، وهناك حديث جدي عن الفديرالية وعن نظام جديد”.

ورأى مصدر مطلع في تصريح لموقع “لبنان الكبير” أن “الوضع في لبنان بلغ حافة الهاوية وخلال أسابيع سيكون أمام أحد احتمالين: اما حلحلة فعلية بوساطة عربية – دولية، تقدمها باريس على خلفية المعطى الجديد الذي نتج عن الجلسة ١٢ في ١٤ حزيران، وإما تذهب الأمور نحو تصعيد من نوع آخر ليس أقله تصعيد اجتماعي شعبي وسياسي حاد. وربما تبلغ الأمور، بفعل الانسداد الخطير، مرحلة اضطرابات اجتماعية وأمنية قد تتخذ طابعاً سياسياً، لكن، هناك من يسعى إلى اعطائها طابعاً مذهبياً وطائفياً. لذلك، لبنان اليوم أمام منعطف دقيق جداً بل خطير، وأصبح أمام حالة من اثنتين: اما تسوية سياسية تبدأ بالتوافق على إسم رئيس الجمهورية، خارج الأسماء التي يتم التداول بها حالياً، وهذا سيكون من مهمة اللجنة الخماسية الدولية زائد ايران، لتتسع الى ايجاد حل أشمل أي حكومة برئاستها وتوازناتها بالاضافة الى التعيينات المهمة والحساسة، وإما سيؤدي الانسداد السياسي المتمادي والمتصاعد، الى تصادم بشكل أو بآخر، وهذا ما يفسر تلميحات بل أحياناً تصريحات بعض القوى السياسية والاجتماعية في اتجاه تركيبة جديدة للبنان، تبدأ باللامركزية الادارية التي ينص عليها اتفاق الطائف وتتسع الى لامركزية سياسية وربما أمنية بما يشبه حالة الفديرالية أو الكونفديرالية بمعنى نوع من أنواع التقسيم”.

أضاف المصدر: “انها إحتمالات مطروحة حين يبلغ الوضع اللبناني الانسداد الأخير بحيث لا يمكن الخروج من هذا المأزق الا بالكسر أو بالحرق بمعنى أن يأتي الحل على الحامي على أمل ألا يكون هذا الحل على خلفية حرب أهلية جديدة أو صراع مسلح أو ما الى ذلك. ربما يتطلب الأمر اضطرابات اجتماعية وسياسية حادة، لا تبلغ مرحلة التصادم الأمني لأن هناك مجتمعاً دولياً يفتح عيونه على هذا الأمر كما هناك قوى اقليمية قد تعيد حساباتها بشكل ألا يؤدي الوضع في لبنان الى الانفجار خوفاً من تمدده الى دولها”.

واعتبر أحد المحللين السياسيين أن “الأمور ذهبت إلى إعادة تفعيل الانقسام على قاعدة الثنائيتين المتقابلتين، وأخطر ما في الموضوع أن هذه المواجهة تأتي طائفية الجذور، وحرّكت لدى الشعب اللبناني وأتباع الأحزاب كل أنواع الانقسامات سواء المناطقية أو الطائفية، ونكشت من موروث الذاكرة الكثير من المشاريع التي ستغير شكل لبنان في حال تم السير بأحد هذه المشاريع”، مشيراً الى أن “الفديرالية مطروحة بقوة اذ نتحدث عن منطقتين: منطقة حرة وأخرى غير حرة في وقت وصلنا فيه الى مرحلة تؤكد أن القوى الداخلية لم يعد باستطاعتها انتاج الحلول. وذلك، يتزامن مع تدهور مالي واقتصادي غير مسبوق بحيث أن ٣٠ في المئة من العائلات أصبحت تحت خط الفقر. وبالتالي، ننتظر انفجارات اجتماعية لا نعلم موعدها. وحالياً، يحصل سباق بين هذه الانفجارات والعقم السياسي من جهة، والمبادرات وطرح الحلول من جهة أخرى”.

ولفت الى أن “المبادرة الفرنسية دخلت في نادي السباق، والمشهد صعب جداً بين شهري ٧ و٨ (تموز وآب)، ونأمل أن تأتي المعالجة حكيمة كي لا تذهب الأمور نحو المشاريع التقسيمية أو ضرب اتفاق الطائف وصيغة لبنان”.

شارك المقال