أحداث متنقلة وطوابير خامسة… والمطلوب هيبة دولة ويقظة

هيام طوق
هيام طوق

شيّع أهالي بشري أمس، هيثم ومالك طوق في مأتم مهيب وسط الكثير من مشاعر الغضب والأسى والألم والحزن على شابين، تركا جرحاً نازفاً سيبقى متدفقاً تماماً كأنهار القرنة السوداء التي لا تنضب لا صيفاً ولا شتاء، وبعكس المياه الباردة التي تذوب من نسافات الثلج في جبل المكمل والقرنة السوداء، لتروي ظمأ العطشانين، ستحرق دموع الحسرة والفاجعة والقهر والاشتياق، عيون الأمهات كما المحبين الذين ينتظرون عدالة ربما لن تأتي لتبلسم جروحهم، وتبرّد قلوبهم الملتهبة.

وبعيداً من السيناريوهات المتعددة التي يطلقها كثيرون حول ما حصل في ذلك اليوم الأسود في قرنة سوداء، بانتظار أن تنجلي الحقيقة، فإن أهالي بشري يعضون على جرحهم، على الرغم من الحزن العميق على شبابهم، ويدركون خطورة المرحلة، ويريدون أن يحتكموا الى لغة العقل، مع العلم أنها ليست المرة الأولى التي يتم فيها العبث بالسلم الأهلي في البلد، اذ تنقلت الأحداث في أكثر من منطقة، لكن أهالي بشري، كما كل الفاعليات السياسية والروحية، لن يسمحوا بجرّ البلد الى فتنة، واستدراجهم الى مستنقع المياه العكرة، وسيثبتون مع الأيام “حين يذوب الثلج ويبان المرج” أن دماء الأبناء والأحباء لم تذهب هدراً، لأنها ستظهر الخيط الأبيض من الخيط الأسود، ولعلّ ما صرّح به مفتي الجمهورية اللبنانية الشيخ عبد اللطيف دريان خلال إتصالات المواساة والتهدئة التي أجراها عندما دعا الى الحذر من وجود “طابور خامس يسعى الى تسعير الفتنة والاصطياد بالماء العكر”، يضع الاصبع على الجرح.

إذاً، كلّ المراجع، اشتمّت رائحة فتنة مسيحية – سنيّة في هذه المنطقة، وبشري يقظة لهذا الأمر، وطالبت بتحقيق جديّ وشفاف وسريع لتحديد المسؤوليات، وإحقاق الحق والعدالة. لكن هذه الحادثة الأليمة تأتي في مرحلة خطيرة وحساسة ودقيقة جداً، اذ أن عدداً كبيراً من المراقبين والمحللين أعربوا عن تخوفهم، ولا يزالون، من فتنة أو خضّة أمنية أو إشكالات تتخذ الطابع الطائفي أو حتى احتجاجات معيشية تتخذ عبر طابور خامس الطابع العنفي والدموي في ظل الشغور الرئاسي، والانقسام الحاد بين فريقين أساسيين في البلد، وتعطل عمل المؤسسات، وانهيار الدولة على كل المستويات، ويترافق ذلك مع انسداد في الأفق، لتبقى الأبواب مشرّعة أمام كل أنواع المخاطر والانزلاقات الأمنية التي لا أحد يعرف كيف تنتهي حتى أن البعض يعتبر أن البلد لن يخرج من مستنقعه الا “على الحامي” لأن كل الوسائل الباردة فشلت، وليس منتظراً أي بصيص أمل يخرق جدار الأزمة في المدى القريب.

والسؤال اليوم بعد حادثة القرنة السوداء، والأحداث التي سبقتها في عدد من المناطق، هل هناك من طابور خامس يسعى الى الفوضى أو الى أحداث أمنية يمكن أن تنتج عنها حلحلة رئاسية؟ وهل هناك محاولة لإشعال فتيل الفتنة من بوابة الشمال، ومن أعالي القمم حيث الناس يعيشون مع بعضهم البعض منذ سنوات وسنوات، ولديهم مصالح مشتركة، وبعيدين كل البعد عن الطائفية والمناطقية؟

العميد نزار عبد القادر قال في حديث لموقع “لبنان الكبير”: “في ظل غياب الدولة بكل مكوناتها الأساسية أو ما نسميه هيبة الدولة، تطفو المصالح المتناقضة على سطح الماء، من دون أي رادع، ومن الطبيعي حينها أن يحصل الفلتان. وما نراه ليس سوى نتيجة لغياب الدولة والمسؤولية على الصعيد القانوني والأمني”.

واشار الى أن “الفتنة يمكن أن تحصل في أي وقت، ومنذ فترة طويلة، نحذر من الدفع في اتجاهها، لأن هناك من يرغب فيها، ويريدها لزيادة الخراب، وتغييب الدولة، والقضاء على أي أمل في عودة قيام البلد ومؤسساته”، مشدداً على أن “الأمن قرار سياسي، وتربية وطنية أكثر منه تطبيقاً للقانون أو القواعد في المجتمع. والاتكال اليوم على وعي الناس للحفاظ على نوع من التماسك الأمني وحسن الجوار بين الناس”.

واعتبر “أننا أمام خطر أمني جدي، والأمن قرار سياسي بامتياز ولا يجب أن يعمل على عدم حدوث اهتزازات في المجتمع وحسب، انما أيضاً عليه تأمين الاستقرار وايجاد الطريقة الفضلى لاستمرارية الحياة والأمل بالمستقبل، وهذا فقد اليوم في لبنان. والواقع الراهن يساعد الى حد كبير في التوجه نحو مزيد من الفلتان الأمني”، مؤكداً “أننا أمام خطر أمني أيضاً، ليس بسبب غياب الدولة وحسب، وليس لأن هناك احتمالاً ليتعرض الناس الى حوادث مخططة وغير مخططة انما نحن أمام خطر أساس، وهو وجود السلاح خارج سلاح الدولة في المجتمع، ما يعرضنا لامكان حدوث حرب”.

ورأى العميد أمين حطيط أن “الوضع الذي نعيشه اليوم كنا نخشاه منذ سنة 2019 حين أطلق وزير الخارجية الأميركي، خطة طوكيو لإسقاط لبنان، وتقوم على 5 مراحل: المرحلة الأولى، الفراغ السياسي وهو محقق اليوم. المرحلة الثانية، الانهيار المالي والنقدي، وقد تحقق. المرحلة الثالثة، الانهيار الاقتصادي وهو قائم. المرحلة الرابعة، الانهيار الأمني، وهناك محاولات كثيرة للدفع نحوه منذ 2019 الى اليوم، لكن حكمة الجيش والقوى الأمنية، منعت الفتن المتنقلة التي كادت أن تفجر البلد، بالاضافة الى عدم قبول الفريق القوي بالمواجهات الميدانية لمنع الفتنة. والمرحلة الخامسة، إغراق لبنان في أتون النزاعات التي تمهد لاسرائيل، استكمال ما كانت تريده سنة 2006”.

ولفت الى أن “المحاولات قائمة الى اليوم، لكن الى حد ما، نحن مطمئنون الى أن الفتنة لن تحصل مع العلم أن الحذر والاحتياط واجبان في كل الأحوال. نحن في مرحلة حرجة وحساسة، والخطر دائماً موجود، ما يستوجب اليقظة والوعي”.

شارك المقال