التهويل لن يشعل الجبهة الجنوبية… والحرب ليست رحلة ترفيهية

هيام طوق
هيام طوق

صحيح أن الاعتداءات الاسرائيلية المتنقلة على المناطق الفلسطينية، تجعل الأنظار تتجه الى الجنوب اللبناني، في ضوء التخوف من اشتعال هذه الجبهة، واستخدامها للرد على الاعتداءات ومساندة الفلسطينيين، وهذا ما حصل في السابق، إلا أن الظروف اليوم أكثر دقة وخطورة بحيث أن العملية العسكرية الاسرائيلية التي اعتبرت الأوسع والأعنف منذ سنوات على مدينة جنين في الضفة الغربية في إطار “عمليّة واسعة لمكافحة الارهاب”، تتزامن مع تطورات ميدانية تدعو الى القلق، ومنها تثبيت القوات الاسرائيلية السياج الجديد الذي ضمّ كامل الجزء الشمالي اللبناني من بلدة الغجر المحتلة إلى الأراضي السورية المحتلة، كما قام “حزب الله” منذ أسبوعين بنصب خيمتين في مزارع شبعا، يصرّ الجيش الاسرائيلي على ازالتهما.

وذكر موقع “واللا” العبري منذ يومين أن “عناصر حزب الله نقلوا إحدى الخيمتين اللتين نصبهما الحزب من مزارع شبعا إلى لبنان. ولا تزال هناك خيمة واحدة بقيت في مكانها”. مع العلم أن ممثلين عن وحدة العلاقات الخارجية في الجيش الاسرائيلي، قدموا شكوى إلى “اليونيفيل” حول “توسيع موقع حزب الله إلى الأراضي الاسرائيلية في مزارع شبعا التي تُعرف إسرائيلياً بـ (هار دوف – جبل روس)، على الحدود اللبنانية”. وأوضح مسؤول أمني إسرائيلي في ذلك الوقت، أنه “تم نقل رسالة ديبلوماسية وعسكرية مفادها أنه إذا لم يتم إخلاء المواقع التي أقيمت على الحدود، فستنفذ عملية لتطهير المنطقة. ليست هناك نية لتحمل الاستفزاز، وهذا عمل استفزازي آخر من حزب الله”.

وتعمل إسرائيل على عدة مسارات من خلال بعض القنوات للضغط على لبنان لدفع “حزب الله” الى إخلاء الموقع، وحددت في رسالة تهديدية نقلتها إلى لبنان، مهلة نهائية (لم يتم الاعلان عنها) لازالة الخيام التي نصبها “حزب الله” في أراضٍ “سيادية لدولة إسرائيل”، على حد تعبير تل أبيب “قبل أن تتحرك”.

وبالتزامن مع المعطيات المستجدة على الحدود الجنوبية، والعملية العسكرية على جنين، كشفت إذاعة الجيش الإسرائيلي عن “نشر القبة الحديدية تأهباً لأي رد من غزة ولبنان”، وذلك بعدما أعلن الجيش الإسرائيلي أنه قصف أهدافاً في مدينة جنين. وانطلاقاً من هذه المستجدات، هل من خوف على الأمن على الحدود الجنوبية أكثر من السابق على الرغم من اجماع الكثيرين على أنه منذ لحظة توقيع اتفاق ترسيم الحدود البحرية الجنوبية بين لبنان وإسرائيل برضى “حزب الله”، يعني أن الاستقرار عنوان المرحلة المقبلة؟ وهل فعلاً ليس لدى الطرفين، الاسرائيلي واللبناني، رغبة في تعكير الهدوء الذي يسيطر على الحدود على الرغم من المواقف التصعيدية التي يطلقها الطرفان؟

اعتبر العميد المتقاعد هشام جابر في حديث لموقع “لبنان الكبير” أن “أي جبهة في حال كانت ستتحرك لا بد أن تبدأ في غزة، والى اليوم لم تتحرك. وإذا استمرت العملية العسكرية الاسرائيلية في جنين فربما يحرك الجهاد الاسلامي وحماس جبهة غزة”، لافتاً الى أن “من الطبيعي أن تنشر اسرائيل القبة الحديدية تحسباً لانطلاق صواريخ من غزة. أما بالنسبة الى لبنان، فلا أعتقد أنه سيحصل أي رد من الجنوب اللبناني أو من حزب الله”.

وقال: “الخيمتان تتخذان الطابع الرمزي، ونصبهما الأهالي على بعد 30 متراً من السياج الذي وضعته اسرائيل، وكل فترة تعمل على تقريبه في اتجاه الأراضي اللبنانية”. وأشار الى أن “اسرائيل ترسل شكاوى الى الأمم المتحدة، وتشتكي لليونيفيل وللأميركيين الذي أبلغوا الحكومة بضرورة إزالة الخيمتين، لكنها تشكو لبنان بأنه اقترب من الحدود 30 متراً، في وقت هي احتلّت وثبّتت القسم اللبناني من الغجر أي أنها تعتدي وتشتكي”.

ورأى جابر أن “كل ذلك تصعيد، لكنه لن يؤدي الى الحرب لأن الحرب ليست رحلة ترفيهية، ولا يمكن لأي طرف تحمّل مسؤوليتها، والطرف الذي سيطلق أول صاروخ هو مسؤول عن الحرب ويتحمل النتائج. حزب الله يقول انه لن ينجر الى حرب تحدد توقيتها اسرائيل، ورئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتنياهو، الذي يواجه المشكلات في الداخل، يرغب في الحرب مع لبنان، لكنه لن يجرؤ على أن يكون هو المبادر لأنه يتحمل النتائج داخل اسرائيل وتجاه المجتمع الدولي. واذا أطلق حزب الله الصاروخ الأول، فيصبح نتنياهو في موقف المدافع، وهذا يختلف عن موقف المعتدي، وبالتالي، هناك توتر”، لكنه استبعد الى حد كبير إمكان الحرب على الجبهة الجنوبية “لأن أي طرف لا يريد أن يبدأ بها كي لا يتحمل المسؤولية، مع العلم أن لا أحد يعرف متى وكيف تندلع الحرب”.

وأكد العميد بسام ياسين أن “اسرائيل تعلم أن التطورات التي تحصل في الضفة الغربية أو في غزة يمكن أن تكون لها تداعيات على الجبهة الجنوبية، انطلاقاً من تلازم الجبهات، لكن الوضع الفلسطيني في لبنان شبه مضبوط، واذا حصل بعض الخلل فيكون بصورة محدودة جدا، ويتم تداركه بسرعة. وليس هناك أي دليل الى اليوم على أن الجبهة الجنوبية ستتحرك خصوصاً بعد ترسيم الحدود البحرية”.

وأشار الى أن “اسرائيل تشتكي الى الأمم المتحدة لتضع نقطة سوداء على لبنان، لكن حجتها ضعيفة. والخيمتان موجودتان على الأراضي اللبنانية، وبالتالي، لا تملك أي حجة لافتعال المشكلة. كل ذلك التهويل، يأتي من باب رفع السقف، لأنه يخدم موقع الحكومة في الداخل الاسرائيلي لا أكثر”.

وأوضح ياسين أن “الحرب تتطلب مقومات ليست موجودة اليوم اذ ما من طرف يملك حجة الحرب وما من طرف لديه امكان تحمل النتائج التي تكون قاسية على الطرفين. ليس هناك نية في الحرب حالياً”. وقال: “طالما أن حزب الله ليس مسؤولاً بصورة مباشرة عن أي عملية لاطلاق الصواريخ من الجنوب اللبناني في حال حصلت، يتم احتواء التداعيات سريعاً، وتأتي ردود الفعل الاسرائيلية خفيفة حفاظاً على ماء الوجه تجاه الرأي العام، لكن اسرائيل لا تريد التصعيد. اليوم هناك عملية احتواء لأي اشكال، لأن ما من جهة قادرة على تحمل أعباء الحرب ونتائجها”.

شارك المقال