بكركي تسعى بعد الخيبة… والعبرة في التنفيذ

هيام طوق
هيام طوق

تكاد لا تخلو عظات البطريرك الماروني الكاردينال بشارة الراعي من الدعوة الى انتخاب رئيس للجمهورية، ومطالبة المسؤولين بالجلوس مع بعضهم البعض والتحاور من أجل إنقاذ البلد، لكن كلامه خلال لقاء اطلاق وثيقة “لقاء الهوية والسيادة”، بعنوان “رؤية جديدة للبنان الغد، دولة مدنية لامركزية حيادية”، عن أن “المسؤولين في لبنان لا يجلسون سوياً على طاولة الحوار لأن مصالحهم الخاصة أهم من المصلحة العامة”، ودعوته الى “مؤتمر دولي خاص بلبنان لطرح القضايا الأساسية، وذلك بسبب عجز المسؤولين اللبنانيين عن التحاور لإيجاد حل لبلد يتفتت وشعب يهاجر”، تفاعل معه كثيرون على وسائل التواصل الاجتماعي، منهم من أيّد ومنهم من اعترض مع العلم أنها ليست المرة الأولى التي يدعو فيها الى مؤتمر دولي، اذ دعا في إحدى عظاته في تشرين الثاني الفائت الأمم المتحدة الى التحرك وعقد مؤتمر دولي خاص بلبنان “أمام الفشل الذريع بانتخاب الرئيس”، وسبقتها دعوة مماثلة، في عظة له في 8 شباط 2021، حين قال: “طرح قضية لبنان في مؤتمر دولي خاص برعاية الأمم المتحدة، يثبّت لبنان في أطره الدستورية الحديثة التي ترتكز على وحدة الكيان وتوفير ضمانات دائمة للوجود اللبناني تمنع التعدي عليه والمس بشرعيته وتضع حداً لتعددية السلاح”.

وفي هذا السياق، أكدت المصادر الكنسية عبر “لبنان الكبير” مرات عدة أن البطريرك لن يوفر سبيلاً لانقاذ البلد، وهو لا يرغب في أن يأخذ دور المسؤولين أو أن يقوم بمهامهم، لكن ما وصلنا اليه يثبت أنهم لا يريدون العمل لمصلحة البلد، ولن يبقى متفرجاً ومكتوف الأيدي إزاء هذا الواقع المرير مع التشديد على أن البطريرك من خلال الدعوة الى مؤتمر دولي لا يكون هدفه عقد مؤتمر تأسيسي انما المقصود التزام دولي بما تمّ التوافق حوله بشأن لبنان أكان اتفاق الطائف أو القرارات الدولية ذات الصلة، ولحثّ المجتمع الدولي على تحمّل مسؤولياته من أجل تطبيقها.

على أي حال، وعلى الرغم من أن كلام البطريرك الراعي لا يحمل جديداً الا أن البعض يتساءل: هل الدعوة الى مؤتمر دولي مناسبة في هذه الظروف أي في ظل الشغور الرئاسي على اعتبار أن الأولوية اليوم لانتخاب الرئيس ثم الدعوة الى مؤتمر دولي يكون بمثابة مظلة لتنفيذ القرارات الدولية؟ وهل توافق غالبية القوى المسيحية على كلام الراعي خصوصاً عندما يحمّل المسؤولية لكل المسؤولين في لبنان، سواء في المجلس النيابي أو الحكومي الذين “لم يتمكنوا من الجلوس معاً والتحاور، وهم يقولون مسبقاً ان القضايا الخلافية لا نتحدث عنها، اذاً على ماذا نتحاور؟”.

رأى الوزير السابق فارس بويز أن “دعوة البطريرك الى مؤتمر دولي بسبب فقدانه الأمل أو الخيبة من عدم التمكن من انتخاب الرئيس، وقد يكون الهدف من ذلك بالدرجة الأولى، المطالبة بنوع من وساطة دولية لتسهيل عملية انتخاب الرئيس. أعتقد أن هذه الخلفية العميقة لدى البطريرك الذي لا يفوّت عليه أن المؤتمر الدولي في غياب رئيس الجمهورية للبحث في أمور تكوينية أخرى في البلد، أمر صعب للغاية ومعقّد، ويدخلنا في المجهول، لكن الفرقاء في لبنان غير جاهزين لهذا الأمر، وليس هناك من رئيس للجمهورية ليرأس مؤتمراً كهذا. وبالتالي، النية في الاسراع والتسهيل في انتخاب الرئيس”.

واعتبر أن “البطريرك ينطلق من تحسسه أن ليس هناك من فريق يقدم طروحاً واقعية أو معقولة أو مقبولة لدى الفريق الآخر ربما لأسباب تكتيكية لأن لا أحد يرغب في كشف أوراقه أو ربما الكل ينتظر وساطة خارجية أو داخلية كبرى غير متوافرة حالياً. الكل لا يزال متمسكاً بمواقفه مع علم الفرقاء أن هذه المواقف غير ممكنة التطبيق. وحصلت الجلسة الانتخابية الأخيرة، وتبين أن ما من فريق يستطيع أن يأتي وحده برئيس. انها تركيبة البلد وواقعه”، مشيراً الى أن “هذا البلد معتاد على ما يسمى التوافق في كل شيء. ربما هذا الكلام لا يعجبنا لكن حالياً نحن أمام هذا الواقع”.

ولفت بويز الى أن “بكركي مدركة لتاريخها، وهي تتحمل المسؤولية في لعب دورها الذي يفرض عليها بمعزل عن النتيجة أن تستمر وتتمسك بمبادئها، وتعلن عنها تكراراً. انه دور بكركي. هل يمكن أن يؤدي المسعى الى نتيجة؟ هنا بحث آخر لأن على المسؤولين أن يتعظوا من هذا الكلام، ويتصرفوا على أساسه. لا بد من التمييز بين واجبات بكركي وامكان تطبيق المبادئ”، مؤكداً أن “ليس هناك أي مسيحي ينكر أن بكركي تتحدث بهذه الطريقة تمسكاً ببقاء لبنان الحر والسيد والمستقل، ولا أحد يمكنه انتقاد جوهر موقفها. ولو أن بكركي لم تفعل ما تفعله، لكانوا يضعون اللوم عليها لأنها تتلكأ في القيام بدورها. بكركي تؤدي واجباتها وهي ليست سلطة سياسية انما سلطة روحية، وتتعاطى بالمبادئ والخطوط العريضة، ولا تدخل في التفاصيل والزواريب الضيقة”.

وأوضح النائب السابق فارس سعيد أن “البطريرك الراعي يبحث بصورة دائمة عن مخارج لهذه الأزمة التي يتخبط بها لبنان، وقدم فكرة تنظيم مؤتمر في الخارج منذ زمن بعيد. المشكلة ليست في الطرح انما في التنفيذ. هل هناك في العالم اليوم من يلتفت الى لبنان؟ نعم. اللجنة الخماسية تؤمن حالياً المظلة القادرة على استدعاء زعماء لبنان وقادته الى طاولة حوار في حال استمر انسداد الأفق في الداخل. كما يبدو أن الداخل عاجز بمعنى أن السلاح ألغى مفاعيل الديموقراطية، وهو أقوى من صناديق الاقتراع. وبالتالي، بدلاً من تنفيذ الدستور وانتخاب رئيس للجمهورية، السلاح يفرض على اللبنانيين مرشحاً معيناً والا… يأمل البطريرك أن يأتي المؤتمر أولاً بدعوة من اللجنة الخماسية، وثانياً أن يأتي دعماً لفكرة تنفيذ الدستور اللبناني بحيث أنه في حاجة الى قرار دولي لتنفيذه، ولمساعدة لبنان واللبنانيين على تطبيقه”.

أضاف: “اما اذا كانت الدعوة من البطريرك لاطاحة النظام بمعنى الدعوة للقول ان الأزمة في لبنان ليست أزمة سلاح انما أزمة نظام وعلينا أن نجتمع من أجل تعديل هذا النظام أو ادخال الاصلاحات عليه، فحينها تكون الكنيسة ترتكب الخطأ. لكن، لا أعتقد أنها في هذا الوارد لأنها تدرك كما الفاتيكان أن الخروج عن اتفاق الطائف، خطوة في اتجاه المجهول”.

وأشار الى أن “البطريركية أساس فكرة لبنان، ولا يمكن أن نصفق لها حين تتحدث وفق وجهة نظرنا، والعكس صحيح. وهنا السؤال المطروح: هل الكنيسة التي يوماً بعد يوم يظهر أن تأثيرها محدود على الرغم من أنها جزء من الكنيسة الرسولية في العالم، وتشكل في ضمير اللبنانيين المرجعية ليس فقط اللاهوتية انما أيضاً الوطنية والسياسية الأرفع، تنفذ ما تقول؟ مع تراجع كل القوى والمرجعيات والمواقع أمام السلاح، تبدو الكنيسة أيضاً عاجزة عن تنفيذ ما تقوله”.

شارك المقال