الراعي يقترح… هل يجد آذاناً صاغية؟

هيام طوق
هيام طوق

كان من الطبيعي بعد مرور 9 أشهر على نهاية ولاية الرئيس السابق ميشال عون أن تأخد الأزمات، منحى الحلحلة، ووضع البلد على سكة الانقاذ، لكن ما يحصل بعد كل هذه الفترة هو العكس تماماً إذ كل يوم تزداد الأمور تعقيداً، وينعكس الشغور في الرئاسة الأولى سلباً على المؤسسات والمواقع المهمة التي في حال شغرت أو تعرضت لأي خضة، ستهدد بالمزيد والمزيد من الانهيارات والتفلت الأمني، ومنها حاكمية مصرف لبنان وقيادة الجيش. وإذا كان هناك بعض الوقت الى حين إحالة قائد الجيش على التقاعد، فإن حاكمية مصرف لبنان التي تحولت الى محطة أساسية في مسار الأزمات، وضعت على نار حامية في الأيام الماضية اذ كان هناك شبه إجماع أو توجّه لدى القوى السياسية لتسليم الحاكم الحالي رياض سلامة مهامه بسلاسة الى نائبه الأول وسيم منصوري، الا أن بيان نوابه، شكّل تحولاً كبيراً في الملف ما يهدد بفراغ خطير واضطرابات مالية واقتصادية في وقت أكد رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي أن أي دعوة الى التمديد للحاكم لن تحصل بتاتاً وأصبحت نتيجة هذا الخيار تساوي صفراً، ولا نية ولا استعداد عنده للتوجه الى دعوة مجلس الوزراء الى الانعقاد ووضع بند على جدول أعماله لتعيين حاكم جديد.

ولا يقتصر التعقيد على مستوى المصرف المركزي انما أيضاً على الصعيد السياسي إذ لا معطيات واضحة حول عودة الموفد الرئاسي الفرنسي جان إيف لودريان الى لبنان وسط معلومات تشير الى أنه عيّن خلفاً لجيرار ميستراليه، رئيس الوكالة الفرنسية لتطوير العلاقات في المملكة العربية السعودية ما دفع البعض الى اعتبار أن ذلك سيؤثر سلباً على الملف اللبناني، في حين جزم آخرون بأن المنصب الجديد سيسمح له بالتواصل أكثر مع السلطات السعودية.

على أي حال، وسط كل هذه الضبابية، أصبحت هناك قناعة لدى البعض بضرورة الاستدارة نحو الداخل، وليتكل اللبنانيون على أنفسهم لانتخاب رئيس للجمهورية لأن غير ذلك، يعني أن الشغور سيستمر طويلاً على قاعدة “ما حك جلدك الا ظفرك”، والاقتراحات التي أعلنها البطريرك الماروني الكاردينال بشارة الراعي بعدما تحفظ عن “تعيينات الضرورة” لها دلالات بارزة في هذا الاطار، بحيث طرح اجراء ثلاث دورات انتخابية متتابعة لانتخاب أحد “المرشحين المحترمين” سليمان فرنجية وجهاد أزعور. وفي حال عدم انتخاب أي منهما، يجري الحوار للاتفاق على مرشح ثالث، مؤكداً أن الكنيسة لا تصمت عن الظلم والكذب، وعن هدم المؤسسات الدستورية، ولا تصمت عن كل سلاح غير شرعي ومتفلت الاستعمال وغير خاضع للدولة ولنص الدستور.

إقتراحات تدل على أن الانتخابات الرئاسية لم تسجل أي تقدم، ولا تزال في مرحلة الركود المميت وأن الاتكال على الخارج سيمدد عمر الشغور طويلاً، لكن كيف تلقف المعنيون دعوة البطريرك الراعي؟ وهل اختار متعمداً التوقيت وسط تفاعل حاد حول ملفات الشغور في المناصب المهمة العائدة الى الموارنة وبعدما أصبح الخطر على الأبواب؟

أكدت النائب غادة أيوب “أننا مصرون على ترشيح الوزير السابق جهاد أزعور، وبالتالي، البطريرك الراعي، يحثّ النواب على انتخاب الرئيس انطلاقاً من المعطيات المتوافرة، أي وجود مرشحين لدى الفريقين الأساسيين، ويدعو الى ما ندعو اليه أي الى فتح باب المجلس النيابي، وعقد دورات متتالية الى حين التوصل الى انتخاب الرئيس. البطريرك وضع أولوية انطلقت من احترام الدستور، وعقد دورات انتخابية متتالية حيث حينها تنتفي الفرضية الثالثة أو الحل الثالث. هناك آلية دستورية لانتخاب الرئيس، فلماذا نخالف الدستور ونخترع آليات جديدة تصبح سابقة عند كل استحقاق؟”، معتبرة أن “الحوار لا يتم الا عبر احترام الدستور وتطبيقه. البطريرك ذهب الى أبعد من الحوار الداخلي حين دعا الى عقد مؤتمر دولي من أجل لبنان”.

وذكرت بأن “البطريرك لطالما نادى بالحياد بحيث يكون السلاح في يد الشرعية اللبنانية دون سواها، لأننا اليوم في ظل انحلال الدولة وتقاعسها عن القيام بمهامها، نرى الجرائم في مختلف المناطق، والضمانة الجيش، والدعوة الى حصر السلاح بيد الشرعية، تؤكد سيادة لبنان”.

أضافت: “لا شك في أن الوضع اليوم استثنائي، والشغور سيد الموقف، والبطريرك يرفع الصوت انطلاقاً من أن المدخل لأي حل في لبنان يكون عبر انتخاب رئيس الجمهورية، وباتت تتكون قناعة في الخارج بأن ليس هناك من حل من دون انتظام المؤسسات والعمل السياسي أي عبر انتخاب رئيس للجمهورية ثم تأليف حكومة جديدة، وحينها تُملأ المواقع الشاغرة”.

وأشار النائب ابراهيم منيمنة الى “أننا أول من دعا الى عقد دورات متتالية لانتخاب الرئيس، وعبّرنا عن أهمية الاستمرار في هذه الدورات لأنه لا يمكن انقاذ البلد من دون انتخاب الرئيس، والدورات المتتالية تسهم بصورة كبيرة في الانتخاب”، لافتاً الى أن “هناك فريقاً لا يقبل الا أن يعطل الاستحقاق لفرض شروط معينة”.

وقال: “عبّرنا أكثر من مرة أن المكان الطبيعي للحوار هو المجلس النيابي، واذا كانت هناك من حاجة، فليكن الحوار على توضيح مهمة الرئيس، وتحصل النقاشات الثنائية بين الكتل، وتدريجاً، تبلور أجندة سياسية على اساسها يتم انتخاب الرئيس، وهذا هو المطلوب، وهذا ما ينتظره اللبنانيون”.

وأوضح “أننا نشهد على تحلل مؤسسات الدولة، والمراوحة في الملف الاقتصادي، والبلد ينهار تدريجاً، وأحد أسباب ذلك، الشغور في الرئاسة الأولى. المطلوب منا جميعاً انتخاب الرئيس وتشكيل حكومة تأخذ القرارات، والمراوحة، جزء أساس من هدم الدولة وما تبقى من مؤسساتها”.

ولفت النائب ناصر جابر الى أن “هناك أزمات كبيرة في البلد، وليس مجرد انتخاب الرئيس، ستسير الأمور على ما يرام”، منبّهاً على أن “رئيس التحدي يزيد من المشكلات والتعقيد، والحوار أفضل وسيلة للتوافق بين غالبية الاطراف على الرئيس”.

ورأى أن “أي طرف يمكنه من خلال الحوار أن يأخذ القرار إن كان سيذهب نحو اسم آخر، لكن ليس قبل الحوار، تؤخذ القرارات، ولا يجوز أن نضع الشروط المسبقة. كل الأمور تطرح على طاولة الحوار التي تخفف من التشنج والتشبث بالآراء”، مؤكداً أن “على اللبنانيين أن يتفاهموا اذ أننا بتنا نشعر كأن ابن الجنوب لا يفهم على ابن الشمال، والأخير لا يفهم على ابن البقاع، وبالتالي، طاولة الحوار مفيدة لطرح كل الأمور ولتقارب اللبنانيين في ما بينهم”.

شارك المقال