العقوبات الفرنسية على المعرقلين قيد الدرس

رندة تقي الدين

المتابع للملف اللبناني في باريس يلاحظ تطورا سريعا في الموقف الفرنسي بالنسبة لاحتمال فرض العقوبات على المسوؤلين اللبنانيين الذين يعطلون تشكيل الحكومة. فمنذ حوالي عشرة أيام، كانت الأوساط الفرنسية النافذة التي تتعامل يوميا بالملف اللبناني ومبادرة الرئيس ايمانويل ماكرون تتحدث عن ضرورة المزيد من الضغوط على المسوؤلين اللبنانيين لتشكيل حكومة تلتزم ب”خريطة طريق” ماكرون. وكانت هذه الأوساط تشير الى صعوبة وضع العقوبات على المسوؤلين اللبنانيين في الاتحاد الأوروبي لان ذلك يتطلب اجماع ٢٧ دولة ويتطلب أيضا أسسا قضائية.

وكان الحديث ان فرنسا ليست بلدا يرغب بالعقوبات. الا ان لهجة وزير الخارجية جان ايف لودريان إزاء المعطلين في لبنان اشتدت. فاتهم المسوؤلين في لبنان بعدم تقديم الإسعاف لبلد في خطر. ثم قال امام مجلس الشيوخ انه اذا لم يتحمل المعطلين لتشكيل الحكومة مسوؤلياتهم فان فرنسا ستتحمل مسوؤلياتها باتخاذ إجراءات للضغط عليهم. والوزير الفرنسي لم يلفظ كلمة العقوبات .

في اليوم التالي بعد خطاب لودرين، طورت الأوساط الفرنسية النافذة، التي لم تكن مقتنعة بفرض عقوبات أوروبية، موقفها لتقول ان “العقوبات خيار جدي وان من السهل إقرارها في بروكسيل، وان منع السفر على البعض بامكانه الا يكون قرارا رسميا بل ان تدرج أسماء على لائحة الممنوعين من الحصول على تأشيرات شينغن”.

واكد مسوؤل آخر معني بالملف ان باريس مستمرة بالعمل على تحديد الشخصيات السياسية، التي ستسهدفها العقوبات وعلى نوعية الإجراءات والعقوبات التي ستفرض عليها .

وكانت كثرت الاشاعات في لبنان حول قرب صدور لائحة بالاسماء المستهدفة، واخبار عن بيان يفصّلها يصدر يوم الاثنين من قصر الاليزيه وكلها غير صحيحة. واقع الحال ان ما زالت فرنسا تدرس ما هي الإجراءات التي ستتخذها ومن هم الأسماء المستهدفين . فيصعب التكهن او المراهنة على هوية هؤلاء، علما ان لدى المسوؤلين عن الملف في فرنسا انطباعا واضحا عمن هو المعطل لتشكيل الحكومة. وفي رأيهم ان جبران باسيل رئيس تيار الوطني الحر هو المتمسك بالثلث المعطل وهو وراء رفض عمه الرئيس ميشال عون الحكومة المطروحة من الحريري. الا ان باريس لا تستثني مسوؤلية الرئيس المكلف سعد الحريري من بعض الخطوات، سواء في مرحلة تكليف مصطفى اديب تشكيل حكومة ثم ابعاده وفي قضية مداورة الوزراء وأخيرا رفضه التحاور مع باسيل من منطلق ان محاوره هو الرئيس عون. ولكن تميز الأوساط بين مسوؤلية باسيل التي تراها اكبر من مسوؤلية الحريري في عدم التوصل الى تشكيل حكومة.

السؤال المطروح اليوم هو: ما الذي ستفعله باريس وهي التي كانت باستمرار تعتبر ان العقوبات الاميركية على باسيل لم تخدم ايجابا بقي التعطيل.

والسؤال الآخر هو: من هي الشخصيات التي ستفرض عليها أوروبا عقوبات. فمن غير الواقعي ان تفرض عقوبات على رئيس جمهورية او رئيس حكومة مكلف . فما هي هذه الإجراءات التي ستتخذها فرنسا وأوروبا؟. اما فرض عقوبات مالية على الأشخاص وتجميد ارصدة فلا يمكن ذلك الا باسس قضائية تحتاج الى وقت أطول.

وعلى الرغم من كل هذه التساؤلات حول موضوع العقوبات، الذي ما زال قيد الدرس، فان ما هو واضح ان باريس، ومنذ سنة تقريبا، تحاول العمل مع المسوؤلين في لبنان من اجل تشكيل حكومة مهمة وإنقاذ البلد من دون أي نتيجة. فربما تخويف الشخصيات المعطلة قد تدفعهم الى فك التعطيل.

وهناك استياء كبير من طرف الرئاسة الفرنسية، اذ ان ماكرون أعطى الكثير من اجل التوصل الى حكومة مهمتها انقاذ البلد والنتيجة كانت دون مردود. وهذا يطرح مشكلة صدقية الرئيس ماكرون. فاذا الحوار والتعاون لم يجديا مع المسوؤلين اللبنانيين فان الأسلوب الوحيد الذي الباقي ربما، في نظر المسوؤلين الفرنسيين، متوفر هو ممارسة ضغوط على المسوؤلين الذين يعطلون.

كثيرون في فرنسا يتفهمون استياء الرئاسة، ومنهم ديبلوماسيون متقاعدون يقولون ان العقوبات عموما ليست فاعلة، لكنهم يرون انه على الصعيد الأوروبي سيكون من السهل التوصل الى اجماع لفرض العقوبات، لان هنالك استياء جماعيا من الوضع اللبناني، وان الدول الأوروبية كانت راضية على تدخل ماكرون لان ذلك يعفي بقية الدول الأخرى من التحرك باتجاه لبنان.

الصعوبة اذن ليست في مسألة فرض العقوبات بل في اختيار الأسماء التي ستفرض عليها. وهناك قناعة بانه طالما الحريري لا يتكلم مع باسيل ليس فلا أمل بتشكيل حكومة. لذا حاولت الرئاسة الفرنسية دعوتهما الى باريس. ورفض الحريري لانه اعتبر ان محاوره هو رئيس الجمهورية. وخلافا لكل ما اشيع عن زيارة باسيل فانه لم يكن للرئاسة الفرنسية في لحظة من اللحظات نية لدعوته على الرغم من انه اعرب عن رغبته بان يزور ماكرون.

والملفت ان زيارة وزير الخاجية المصري سامح شكري الى بيروت جاءت مختلفة عن النهج الفرنسي، ولو ان علاقة الرئيسين الفرنسي والمصري وطيدة جدا، وهما على اتفاق حول ضرورة تشكيل حكومة في لبنان. الا ان فرنسا، على عكس مصر ودول أوروبية اخرى، تجري اتصالات ب”حزب الله” الذي اعطاه ماكرون الكثير بمشاركته في الحوار الذي اجراه في قصر الصنوبر وحينها التزم ىالحزب امامه بتسهيل تشكيل حكومة ولم يفعل. ففي وقت تتحدث باريس مع باسيل والحريري فانها لا تجري اتصالات مع الحزب وهي اكتفت باتصالات مع رئيس مجلس النواب نبيه بري والمدير العام للأمن العام عباس إبراهيم، الذي زار باريس منذ عشرة أيام. والمستغرب ان الأوساط الفرنسية لا تخوض بدور “حزب الله” في التعطيل لتشكيل الحكومة على الرغم من مسؤوليته الكبرى، كونه الحليف الأساسي للرئيس اللبناني وصهره.

شارك المقال
ترك تعليق

اترك تعليقاً