البرلمان الأوروبي: بِعتم لبنان وهذا ثمنه!

أنطوني جعجع

يحق للبنانيين البسطاء أن يسألوا: هل لبنان وطن أم مخيم أم مساحة جغرافية لا كيان لها ولا حضور ولا حدود؟ وهل حكامه أناس من طينة رجالات لبنان الدولة، أم هم جبناء في مكان وهواة في مكان آخر؟

ويحق لهم أيضاً أن يسألوا: هل هم مرتزقة يقاتلون في حروب الآخرين، أم لكل منهم حروبه الخاصة، أم ينتمون إلى وطن لا قيمة له ولا رأي ولا قرار ولا هيبة؟

وأكثر من ذلك لا بد من السؤال الأصعب؛ ماذا يكون لبنان لكثير من سكانه؟ هل هو خطأ جغرافي بالنسبة الى نصف سكانه، أو حقيقة تاريخية بالنسبة الى النصف الآخر، أم هو مجرد حرية مجنونة لا تقف عند حدود، أم هو أرض سائبة يمارس فيها المرء ما يشاء من تهريب وتشبيح وقتل وخطف وتزوير وقفز فوق القانون والمحرمات؟

ونذهب بعيداً في التساؤلات: هل قرر ولاة لبنان منذ نشوئه أن يجعلوه وطناً هجيناً أو لقيطاً يتربع على خارطة العالم رسماً لا هوية له ولا رؤية موحدة ولا قضية مشتركة ولا دولة طاعنة في هيبتها، ولا حتى كياناً ممنوعاً من السقوط أو النهوض سواء بقرار عربي أو قرار اجنبي، ولا حتى شريكاً موثوقاً في أي من خيارات العالم على أنواعها؟

أسئلة كثيرة لجواب واحد في حسابات العالم: لبنان ليس وطناً مصاناً أو محترماً أو مهاباً، وشعبه لا يتفق على شعار واحد أو قضية واحدة أو عدو واحد أو حتى على اله واحد.

ويقول ديبلوماسي غربي في هذا المجال: “ان لبنان لم يكن يوماً دولة كاملة الأوصاف، وان شعبه تلهى بهموم الآخرين وشؤونهم أكثر مما تلهى بهمومه وشؤونه، لا بل جعل هموم الغير أولوية مطلقة في كثير من المرات”.

ويضيف: “ان لبنان تحول بعد الحرب الى مقر لكل أنواع الموبقات ولكل أنواع التحديات والمغريات، لا بل تحول الى مستوعب لكل مخلفات العالم، وموطئ لحفنات من الفاسدين والمهربين والارهابيين والأصوليين، وتجار البشر وتبييض الأموال وتزخير العالم بكل أنواع المخدرات، وتحول في لعبة الأمم الى مجموعة طوائف، كل طائفة لها دولة ترعاها لا حباً بها بل سعي الى نفوذ ما أو مصلحة ما لا تستطيع اليها سبيلاً من دون بيئة خصبة ومتأهبة لا بل مسلحة”.

ويذهب ديبلوماسي آخر بعيداً الى حد القول: “كيف يسعى لبنان الى انتزاع احترام العالم، وهو الذي نهب مودعيه في أكبر عملية سطو في التاريخ؟ وكيف يدّعي الديموقراطية وهو الذي يصادر البرلمان ويحول دون انتخاب رئيس للجمهورية ويتلاعب بالدستور كيفما شاء وأينما شاء؟ وكيف يستغرق أشهراً لتأليف حكومة كرمى صهر أو حزب أو عبارة ملتبسة في بيان وزاري؟ وكيف يمتنع عن التصويت لمصلحة قرار دولي يتعلق بأبنائه المفقودين في السجون السورية؟ وكيف يتردد أو يخشى التفاوض مع النظام السوري الحاكم على ترسيم الحدود البحرية والبرية، وعلى اعادة اللاجئين السوريين الى بلادهم؟”.

ويسأل: كيف يطلب لبنان المساعدة من الخارج وهو الذي يرفض تطبيق الاصلاحات المطلوبة للخروج من جهنم، وهو الذي يواصل نهب ما بقي من أموال المودعين، وهو الذي يطلب السلاح لجيشه الرسمي، ويبايع جيشه الرديف، وهو الذي يتلقى أوامره وتعليماته من زعيم حركة مسلحة، ويحول مجلسي النواب والوزراء الى برج بابل جديد، لا تشريع فيهما ولا تنفيذ ولا رؤية ولا جدية ولا خجل؟

وأكثر من ذلك يسأل الديبلوماسي القريب من دوائر القرار في الاتحاد الأوروبي: كيف يمكن الحرص على بلد يغرق شعبه في العتمة منذ سنوات ويرفض أي عروض علاجية خالية من السمسرات والمحسوبيات والاحتكارات، ولا يتجرأ على تسيير حافلات النقل العام خوفاً أو حرصاً على مصالح الفانات الصغيرة التي تديرها أحزاب معروفة ومافيات متنوعة؟

ويضيف: “كيف يمكن أن نساعد حكاماً يحترفون السرقة بلا خجل، وشعباً ينفق ما يحصل عليه في المطاعم والمنتزهات والأعراس وسواها، ويمتنع عن أي رد فعل يمكن أن يهز عروش الحكام أو أن تشكل حكومة ظل تتولى ادارة البلاد وإصلاحها بعيداً من ذئاب الدولة وثعالبها؟”.

ويسترسل الديبلوماسي الغربي في تساؤلاته ليصل الى نتيجة واحدة وهي أن لبنان تحول الى “مجرم” لا يجرؤ أحد على اعتقاله، أو الى “مريض” لا يريد أحد علاجه، أو الى بلد متفلت لا ينوي أحد تسييجه، أو الى “موبوء” لا يعتزم أحد الاقتراب منه.

ويضيف: “قد يكون في هذه الانطباعات والحقائق الكثير من المبالغة أو بعضها على الأقل”، لكنه يكمل قائلاً: “لماذا تلومون العالم على حال أنتم من صنعها وحماها وباركها، أي التخلي عن حقه في الحكم مرة أمام ياسر عرفات ومرة أمام سوريا ومرة أمام ايران وكل المرات أمام الصفقات والزبائنيات والمحاصصات والولاءات المتنوعة؟”.

ويضيف: “لقد حضنتم الفلسطينيين في ستينيات وسبعينيات القرن الماضي ودمرتم لبنان لأجلهم، ثم حضنتم السوريين في سبعينيات وثمانينيات وتسعينيات القرن الماضي وحولتم لبنان الى ورقة رابحة في قبضة آل الأسد، وحضنتم الاسرائيليين في زمن الحرب اللبنانية وخرجتم من احتلال الى احتلال، وها أنتم تحضنون الايرانيين وتحولون لبنان الى عرّاب المجاهدين الذين يؤججون جبهة الجنوب ويقاتلون في سوريا وغزة والعراق واليمن وينشرون خلاياهم الأمنية في أوروبا وأفريقيا وأميركا اللاتينية”.

ويكمل: هل تعجبون اذا صوّت الأوروبيون على ابقاء اللاجئين السوريين في لبنان؟ متسائلاً: هل ما زلتم تصدقون أنكم تعيشون في بلد سيد وحر ومستقل، وأن حكامه هم حقاً حماته والساهرون على أمنه وتركيبته وشعبه؟

ويذهب الديبلوماسي الغربي في جبروته قائلاً: “هل تعتقدون أن أوروبا ستفتح أبوابها لهؤلاء اللاجئين ما دامت قادرة على حشرهم في بلد لا حدود له ولا وحدة وطنية ولا رؤية استراتيجية ولا قرارات حرة ولا أي حس بالمسؤولية لا في الأمور الصغيرة ولا في الأمور الكبيرة؟”.

ويضيف: “لا تلوموا البرلمان الأوروبي بل توجهوا باللوم الى البرلمان اللبناني، ولا تحملوا على الاتحاد الأوروبي بل احملوا على حكوماتكم في مكان وعلى الدول العربية والاسلامية التي أطبقت مساحاتها الشاسعة أمام هؤلاء اللاجئين الذين تتحاشى استصافتهم لأكثر من سبب وحجة، لا بل ساهم بعضها في ارسالهم الى الغرب في قوافل تشبه قوافل الفتوحات السابقة لكن فتوحات ناعمة هذه المرة”.

ويختم: “ها هي دولتكم صامتة كصمت القبور حيال موقف الأوروبيين من هؤلاء اللاجئين للأسباب الآتية: أولاً، لأن بعضهم يستفيد من الأموال والمساعدات الدولية المخصصة لأكثر من مليوني لاجئ منتشرين في كل زاوية من زوايا لبنان، وثانياً لأن بعضهم يرى فيهم توازناً مذهبياً مع الطائفة الشيعية في لبنان، وثالثاً لأن الشيعة يرون في القسم الأكبر منهم أنصاراً للرئيس بشار الأسد وجزءاً من توحيد الجبهات وفق الاستراتيجية الايرانية التي يديرها حزب الله”.

وأكثر من ذلك، يسأل ديبلوماسي أميركي: ماذا تنتظرون من العالم حيال دولة يحتلها “حزب الله” من السواحل الى القمم، وينقلها تدريجاً من دولة منفتحة الى دولة اسلامية منغلقة؟

ويضيف: “ما دام التخلص من حزب الله عسكرياً شبه مستحيل، وما دامت الحكومة تتلقى أوامرها من الضاحية الجنوبية، وما دام الجيش يطمر رأسه في الرمال كلما حامت شبهات حول حزب الله، وما دامت الانتخابات النيابية لا تنتج بديلاً أو كتلة شيعية مختلفة، فلماذا تتعجبون اذا تعامل العالم مع بلادكم على أنها بلاد معادية أو بلاد مفخخة أو بلاد سائبة؟”.

ويتابع: “وحدهم المسيحيون يدفعون ثمن هذا الخلل الفاضح في ملف الديموغرافيا من جهة والمصير من جهة ثانية. هذا هو الوضع في لبنان حتى اشعار آخر، وليس أمامكم أيها المسيحيون الا ثلاثة خيارات: اما الدخول الى حرب أهلية مع اللاجئين السوريين وهذا انتحار، واما مواصلة الهجرة كما تفعلون الآن وهذا انتحار من نوع آخر، واما الاعتراف بأنكم لم تعرفوا كيف تحكمون البلد يوم كنتم تستطيعون ذلك”.

ويختم: “مشكلة اللبنانيين أنهم يعرفون كيف يعمرون وطناً لأبناء الآخرين ويجهلون كيف يبنون وطناً لأبنائهم”.

شارك المقال