ماذا بقي من مهمة لودريان؟

ياسين شبلي
ياسين شبلي

“ضربتين ع الراس بيوجعو”، هكذا يمكن إختصار تطورات الأيام الأخيرة بالنسبة الى لبنان والسلطة المتحكمة فيه، من بيان البرلمان الأوروبي ذي البنود الـ 14 المباشرة في تشخيصها لمشكلات لبنان، إلى بيان اللجنة الخماسية الصريح والواضح في تعامله مع هذه المشكلات، والذي يلتقي في المضمون مع بيان البرلمان الأوروبي وإن إختلف الأسلوب، وإذا زدنا عليهما توبيخ السفيرة الفرنسية للمسؤولين في خطابها في قصر الصنوبر بمناسبة اليوم الوطني الفرنسي يكون إكتمل “النقل بالزعرور” كما يقول المثل الشعبي.

وإذا كانت السلطة بأطرافها كافة قد إتفقت – على الرغم من إختلافها على كل شيء – على إختزال البنود الـ 14 للبيان الأوروبي ببند واحد وحيد عن اللاجئين السوريين كونه موضوعاً شعبوياً صالحاً للاستثمار السياسي – وتحركات “التيار الوطني الحر” بالأمس خير دليل – متجاهلة بقية بنود البيان في محاولة منها لاخفاء عوراتها والتغطية على رفض حليفها بشار عودة اللاجئين، الذين لا يعترف بهم أصلاً بل يعتبر أكثرهم “عديمي الوطنية” وعبئاً على المجتمع “المتجانس” الذي سعى إليه من خلال الحرب التي خاضها ضد شعبه مع أن الكثيرين منهم هم من أنصاره الذين صوّتوا له في “الانتخابات”، فإن بيان اللجنة الخماسية يُعتبر ضربة قوية لهذه الأطراف من حيث أنه على الرغم من صراحته وصرامته إلا أنه كان متوازناً وغير مستفز، واعتمد في مقاربته للحل على الآليات الدستورية التي كفلها إتفاق الطائف، والتي يُفترض أن لا تستفز أحداً الى درجة تدفعه للتملص من إلتزاماته الوطنية وإطلاق النار على عمل اللجنة – إذا إفترضنا حسن النية طبعاً – ما يطرح السؤال عن كيفية تعامل الأطراف اللبنانية كافة مع هذا البيان، الذي يبدو أنه “دفن” المبادرة الفرنسية التي كانت ترتكز على معادلة سليمان – نواف، بعد أن كان قد أُعلن عن وفاتها اثر جلسة الإنتخاب الأخيرة وتعيين جان إيف لودريان مبعوثاً خاصاً للرئيس الفرنسي لمتابعة الموضوع، حالما شعرت فرنسا بأن رصيدها خصوصاً في الوسط المسيحي بدأ يضعف جراء طرح هذه المبادرة التي كانت أقرب إلى طروح “حزب الله”. كما يطرح سؤالاً آخر عما تبقى من مهمة لودريان إذا أخذنا في الاعتبار أن جهوده بعد زيارته الأخيرة إلى بيروت كانت تصب في إتجاه طاولة حوار “تقرباً” من “حزب الله” كتعويض ربما عن سقوط المبادرة الفرنسية، في الوقت الذي تجاهل بيان اللجنة الخماسية موضوع الحوار هذا بما يشبه ترحيله إلى ما بعد إنتخاب الرئيس، بما يوحي أكثر فأكثر بإمكان أن يكون التفويض الأميركي – السعودي لفرنسا بإيجاد حل للمعضلة اللبنانية قد إنتهى، واستعيد الملف برمته إلى طاولة اللجنة مجتمعة والاحتفاظ لفرنسا بدور ساعي البريد.

تأتي هذه التطورات السياسية مترافقة مع إستمرار التوترات الأمنية على الحدود الجنوبية، ربطاً بموضوع الخيم التي نصبها “حزب الله” والذي ردت عليه إسرائيل بإفتعال موضوع قرية الغجر وغيرها من الأعمال الإستفزازية على جانبي الحدود، إضافة الى التطورات اليومية السلبية دائماً في الداخل اللبناني وحديث الساعة فيه هو قرب إنتهاء ولاية حاكم مصرف لبنان، وتخبط مواقف نوابه الأربعة وتأثير هذه التطورات على سعر صرف الدولار الذي كانت له جولة تحذيرية وتجريبية أولى على ما يبدو يوم السبت الماضي، مع عودة موجة إقتحام المودعين للبنوك.

تأتي هذه التطورات لتعطي الإنطباع بأن زمن الشغور الرئاسي مستمر، كذلك المناورات السياسية ومنها الاعلان عن عودة الحوار بين “حزب الله” و”التيار الوطني الحر” الذي يحاول جبران باسيل كعادته تمريره تحت وابل من “القصف السياسي” باتجاه رئيس الحكومة بذريعة الصلاحيات الدستورية، ما يطرح السؤال هنا أيضاً عن مدة صلاحية مناورة “التقاطع” الذي أرساه مع أطراف المعارضة الآخرين، هل إنتهت أم أنها معلقة بإنتظار نتائج حواره مع الحزب خصوصاً في ضوء بيان اللجنة الخماسية؟ كذلك السؤال عن الخطوة التي سيقدم عليها الرئيس نبيه بري ومن ورائه “حزب الله” في ضوء التلويح بفرض عقوبات على معرقلي الانتخابات الرئاسية؟ كلها أسئلة قد لا نجد لها أجوبة شافية بإنتظار عودة المبعوث الرئاسي الفرنسي ليُبنى على الشيء مقتضاه، وهو إنتظار يكلِّف البلد الكثير من الوقت الضائع في بلد يعيش الفراغ الذي يتمدد ليستولي على مواقع جديدة حساسة كالبنك المركزي قريباً، وبعده المؤسسات العسكرية والأمنية إذا لم تُحل الأزمة قبل حلول العام الجديد، بحيث باتت الدولة تدار بالوكالة في غالبية مراكزها، والحكومة تصرِّف الأعمال وحتى الخلافات بين وزرائها عبر “الواتس اب”.

بقعة ضوء واحدة قد يكون لها أثر إيجابي هي قرب موعد بدء الحفر والتنقيب عن النفط والغاز في البلوك رقم 9 والمقرر في شهر أيلول المقبل، فهل نأمل أن تُسرِّع هذه الخطوة في تلاقي اللبنانيين ويخرج الرئيس وبالتالي الحل من البلوك رقم 9، أم أنها ستكون فرصة جديدة ضائعة كغيرها من الفرص الكثيرة التي ضاعت على لبنان واللبنانيين؟

شارك المقال