أمراض التلوث تُنغصّ حياة الشماليين… “لا تتنفسوا في طرابلس”

إسراء ديب
إسراء ديب

يلتهم التلوّث أجسام معظم الشماليين التي اعتادت تخزين السموم البيئية الناتجة عن عوامل عدّة يومية لا يُمكن التغاضي عنها، إذْ تستقرّ هذه الأنواع من الملوّثات في مناطق ومدن شمالية مختلفة ومنها طرابلس التي لا تتحرّر أبداً من التعدّيات وأصحابها الذين يُشعلون النار يومياً في أراضيها ومرافقها، وذلك بعلم العناصر الأمنية والمخابراتية التي “تغضّ بصرها” عن تجاوزات مقلقة تضرب صحة المواطنين وفق الكثير من المتابعين لهذه الظاهرة الخطيرة التي باتت تقتحم حياة الطرابلسيين في كلّ زمان ومكان كغول شرس لا يرحم الكبار ولا الصغار.

وليس خافياً على أحد أنّ الروائح الكريهة التي باتت تجتاح المدينة، لا يُمكن أن تمرّ مرور الكرام، إذْ يضطّر الكثير من الطرابلسيين إلى كبت أنفاسهم واختناق بعضهم نتيجة هذه الرائحة، فمن احتراق مكبات النفايات، مروراً بحرق المساحات الخضراء المحدودة في المدينة بصورة متعمدّة بدءاً من أوتوستراد القلمون، أبي سمراء، وغيرها من المناطق، وصولاً إلى مشكلة البور وحرق الاطارات المطاطية بهدف سحب النحاس والتي باتت تُغطّي بدخانها السامّ سماء المدينة حتّى في ساعات الليل، كلّها تفاصيل تُقلق الكثير من الأهالي الذين يعجزون عن النوم في هذه الظروف التي تتحكّم بهم، كما عن الجلوس على شرفاتهم فيعمدون إلى إقفال الأبواب لمنع دخول الرائحة المتسبّبة بالغبار الأسود في منازلهم، وذلك في ظاهرة مسيئة تزداد خطورة مع غياب “الحسيب والرقيب”، ووفق ما يقول أحد المواطنين الذين يُعانون من بور التبانة: “إذا رغبتم بالاستقرار في طرابلس خلال الفترة الأخيرة، لا تتنفسوا…”.

ويوضح الدكتور كفاح الكسّار المتخصّص في أمراض الجهاز التنفسي، أنّ معظم الحالات المرضية في العيادات التنفسية والرئوية شمالاً تتسبّب بها البيئة الملوّثة، ويقول لـ “لبنان الكبير”: “إنّ الاستنشاق غير الصحي الذي يتعرّض له الانسان الذي يقطن مثلاً عند منطقة مشاحر أو حيث تحرق النفايات يُعتبر أمراً خطيراً للغاية، ويُمكن القول انّ حريق المعادن يُعدّ الأخطر لأنّه يؤدي الى تراكم المواد السامّة التي تتسبّب بعطب موضعي على الجهاز التنفسي الذي يتأثر بالبيئة المحيطة به، فهذه المعادن التي قد تكون ملوّثة في الأصل تحمل مواد سامّة تلتصق بجدار القصبة الهوائية والجهاز التنفسي، فتتسبّب بالتليف الرئوي، الانسداد الرئوي المزمن وأمراض الحساسية التنفسية وغيرها من الأمراض الخطيرة”.

ويتحدّث الكسّار عن عاملين رئيسين يُؤثران على كيفية تلقّي المواطن هذه “الجرعات” السامّة، بحيث تنعكس المناعة الذاتية للشخص الذي يستنشق هذه الروائح على إصابته بالأمراض عاجلاً أم آجلاً، “فإذا كانت مناعته متدنية ولديه جهوزية لتلقّي هذه السموم تظهر لديه سريعاً النتيجة السلبية، أمّا إذا كان جسده سليماً فتحتاج إلى تراكم زمني يحمل آثاراً جانبية قطعاً، ما يعني أنّ الكفاءة الجسدية تُحدّد تعرّض الإنسان إلى الأمراض، أمّا العامل الآخر فيكمن في نسبة تركيز المواد الملوّثة فإذا اشتعلت مجموعة إطارات لن يكون تأثيرها بحجم إشعال إطار واحد في الأثر التراكمي”.

يُمكن القول إنّ الحلّ “الأمثل” يبقى في الابتعاد عن هذه الأماكن مع ضرورة اتخاذ الاحتياطات كافّة وفق ما يرى الكسّار، لافتاً الى وجود “نوعين من الحرائق، الأوّل يُعدّ يومياً ومتكرًراً أيّ ثابتاً، كوجود مشحرة قريبة من المنازل، أمّا النوع الثاني فيكون مؤقتاً أو آنياً كالدخان أو احتراق إطارات وغيرها المتسبّبة بأمراض عدّة قد يكون أحدها السرطان”.

ويأسف للواقع الصحي الصعب الذي يتوقّع تدهوره مع غياب الاهتمام الرسمي، معتبراً أنّ كلّ أنواع السرطانات تتضمّن ما يُسمّى بعوامل الخطورة الصادرة للارشاد والتوجيه العلمي، “وهي خمسة عوامل يختلف ترتيبها حسب كلّ بلد، لكنّ للأسف كلّ هذه العوامل موجودة في لبنان وهي: التلوّث، التسمّم الغذائي، الضغط الاجتماعي والتوتر، التدخين بكلّ مشتقاته، والعامل الوراثي الجيني، أمّا محلّياً فالتلوّث المرتبط بالمياه، التربة، الهواء، الغذاء والطرق.. يُعدّ العامل الرئيس للإصابة بهذا المرض”.

ويتمنى الكسّار على الوزارات المعنية التعاون والتضامن لايجاد الحلول اللازمة لهذه الحوادث وغيرها، مؤكداً أن “هذه الأزمة لا ترتبط بوزارة البيئة وحدها والتي عليها الكشف مسبقاً وتحديد الأماكن حيث تحدث فيها هذه الأمور لتشكيل فرق بالتعاون مع وزارة الداخلية والبلديات كما الأجهزة الأمنية سعياً إلى تحقيق مصالح الناس، لكن نرى دائماً أنّ من يدفع لزرع، حصد والمتاجرة بالسمّ عبر الريجي لا يُمكن أن يعتب عليه أحد، إذْ تنقصنا ثقافة الوعي والحرص على الانسانية بضمير وحكمة”.

أما الطبيب طه بازرباشي فيشير إلى أنّ الإنسان في هذه الظروف البيئية السيئة سيكون معرّضاً أكثر للانسداد الرئوي مباشرة، قائلاً لـ “لبنان الكبير”: “إنّ احتراق الأشجار على الرّغم من خطورته وانعكاساته لا يُشبه احتراق المواد الكيميائية الأخطر على الاطلاق، كما لا يُشبه احتراق مبنى أو نفايات مثلاً… لكن يبقى احتراق المعادن الحاصل في طرابلس من أكثر العوامل المقلقة والخطيرة صحياً وبيئياً”.

شارك المقال