مهرجانات الفراغ

الراجح
الراجح

الصدفة دفعتني لمشاهدة حفل الفنّان ملحم زين على إحدى الشاشات اللبنانيّة، من ضمن فعاليات مهرجانات بعلبك الدولية، أي في بعلبك.

أخذني المشهد من تلك المنطقة بالذات لفهم ميِّزة اللبنانيين وفرادتهم، ما شكل أساساً لبقاء لبنان، ولكن ليس كدولة وجمهورية ديموقراطية (من غير شر) بل مساحة جغرافيّة تشبه الكثيرات مثلها في بقاع هذا العالم. ولدينا هناك الكثير من الجزر. التي لا تنتمي إلى دول بل تراها مملوكة من رجال أعمال لا يحتاجون لإدارتها لا الى الأمم المتحدة ولا الى شرعيتها، ولا حتى الى بلدان تشكل خماسيات ولا سداسيات لتعيين رئيس لمجلس إدارتها (ولدينا البعض منها طبعاً). ومالكوها هم مجموعة رجال أعمال من جنسيات مختلفة، أسسوا في ما بينهم شركات لإدارة تلك المننجعات، وفرضوا عليها قوانين الحريات السياحية بكل أصولها وتقاليدها، من دون الحاجة الى أي جهاز أمني. لن يفوتنا أن بعض هذه الأمكنة هي ما يسمى بالجنّات الضريبية والملاذات الخاصة بالمقامرة والمقامرين، من دون أن يؤدي ذلك الى أي اشتباكات مسلحة، كالتي تحصل في بعض الجزر عندنا.

من شهد حفل الفنان ملحم زين في بعلبك، لا يمكنه أن يصدِّق أننا نعيش في جمهورية لها دستورها ومجلسها النيابي المنتخب، والذي بدوره لا ينتخب رئيسا للجمهورية، ولا يطبٍّق الدستور، ولا يدير شيئاً من لبنان السياحي حتى!

هذا المجلس ساهم ناخبوه في إفساد حكامه، وأعطوهم وكالة للتصرف بما يشاؤون، وكيفما يشاؤون.

بانتظار عودة “غودو”، حافظوا على لبنان السياحة، واعزلوه كلياً عن لبنان السياسة ولمدة زمنية غير محددة لا بِستِ سنوات ولا بأربعٍ منها. وفي أثناء ذلك اذهبوا الى الحوار للاتفاق على أي لبنان نريد.

ملاحظة. تخيل هذا النص السياحي وقارنه بتصاريح السياسيين ولا بحلقة “صار الوقت” الأخيرة.

حين تقرأ أو تسمع كلمة شاطئ أو جزيرة أو جزر فإن أول ما يتبادر إلى أذهاننا هو الراحة والاسترخاء على الشواطئ الذهبية أو الفضية، والرمال الناعمة، والشطآن البلوريّة، وصوت أمواج البحر الخفيفة تضرب أقدامنا العارية المنغمسة بين رمال الشاطئ ودغدغات المياه التي تتدفق من بين أصابعنا… حلم الفردوس المفقود، حيث البحر يمتد شاسعاً وهادئاً كحلم ناعم لا نهاية له.

شارك المقال