المؤسسة العسكرية… عنوان الصمود والتحصين من العواصف السياسية

هيام طوق
هيام طوق

وسط عاصفة الأزمات السياسية والاقتصادية والمالية والاجتماعية التي تضرب لبنان، والتي عطّلت عمل المؤسسات الدستورية والقطاعات كافة، صمدت مؤسسة الجيش اللبناني في وجه الرياح العاتية حتى أصبحت محط تقدير عواصم العالم، ومصدر ثقة وأمان بالنسبة الى الشعب اللبناني.

المؤسسة المستمرة في أداء واجباتها على الرغم من الصعوبات المالية التي تعاني منها، تعرّضت لحملات تخوين وتشهير، لكنها لطالما أظهرت للقاصي والداني أنها تلعب دوراً جامعاً، وتقدم المصلحة الوطنية على أي مصلحة أخرى، تطبيقاً لشعارها “شرف وتضحية ووفاء”. ومع كل الظروف الاستثنائية والضغوط، تمكّنت من تحييد نفسها عن التجاذبات السياسية، واتخذت موقعاً حيادياً، رافضة بلسان كبار ضباطها “زجّ الجيش في التجاذبات السياسية عبر تناول أدائه بتصريحات وآراء لا تمت إلى الحقيقة بصلة، وتمس عن قصد أو غير قصد بمعنويات العسكريين، وكرامة هذه المؤسسة”.

بالأمس، كان الأول من آب عيد الجيش اللبناني، لكن العيد مرّ بلا احتفال عسكري، لا في المدرسة الحربية في ثكنة الفيّاضية لتخريج الضباط كما في كل عام، ولا في الثكنات الأخرى، ولم يستعرض الجيش ألويته وآلياته ومعداته العسكرية، فالذكرى حزينة في ظل الفراغ الذي تمدّد الى كثير من المؤسسات، والشلل الذي طال مختلف المرافق فيما وجّه قائد الجيش العماد جوزيف عون كلمة بالمناسبة قال فيها: “المؤسسةَ العسكريةَ تُواصلُ أداءَ واجبِها في ضمانِ الأمنِ والسلمِ الأهليِّ بكلِّ عزم على الرغم من الصعوبات. إن صمود العسكريين يفضي إلى خلاص لبنان ونهوضه من أزمته”.

لكن مؤسسة الجيش التي لم تحتفل بعيدها الـ 78، تمضي قدماً وبخطى ثابتة وسط تساؤلات: ما الذي يجعل من المؤسسة العسكرية واحدة موحّدة، بعيداً من الانقسامات الحادة بين أطياف البلد؟ ما هي مقومات استمراريتها على الرغم من الأزمات المالية الحادة التي تعاني منها حتى أن معاش العسكري لا يساوي سعر صفيحة بنزين؟ كيف تمكّنت المؤسسة العسكرية من الحفاظ على عسكرييها، يخدمون بلا كلل ولا ملل، ويذهبون الى ثكناتهم، ويؤدون مهامهم من دون تلكؤ، ولم تلجأ الا قلة قليلة من بينهم الى التسرب أو الهروب؟ وما هي المهام الملقاة على عاتق المؤسسة العسكرية في المرحلة المقبلة خصوصاً أنها من بين المؤسسات القليلة التي لا تزال منتظمة؟

رأى العميد المتقاعد هشام جابر أن “نجاح المؤسسة العسكرية من نجاح القيادة الحكيمة التي تحافظ على المؤسسة واحدة موحدة، وحين كانت القيادة ضعيفة في السابق، لم تكن المؤسسة العسكرية بأفضل أحوالها. والمؤسسة هي أفراد ينتمون الى الطوائف والمناطق والاتجاهات كافة. اليوم، استطاع قائد الجيش على الرغم من الأعاصير والأزمات والاتهامات لغايات سياسية، تأمين احتياجات المؤسسة الضرورية من دون أن ننسى الدعم المعنوي الذي يُوفر للعسكر وإيمان العسكريين الراسخ بالواجب والمهام والمسؤوليات الملقاة عليهم، اذ ان غالبيتهم أصبحت على قناعة بأن مؤسسة الجيش هي التي ستحمي البلد، والعمود الأساس في البناء أو البيت أي لبنان، واذا انهار العمود، يسقط البلد خصوصاً أن أكثرية مؤسسات الدولة انهارت”.

وقال: “تمكنت المؤسسة من إبعاد نفسها عن السجالات السياسية، وما قاله قائد الجيش في عيد المؤسسة، خير دليل اذ انه ألقى خطاباً عسكرياً ووطنياً، وحدّد دور المؤسسة في الدفاع عن الوطن”.

واعتبر جابر أن “من أبرز مقومات استمرارية المؤسسة، القيادة والادارة التي تعمل بحكمة بالاضافة الى المساعدات والأموال الخاصة بالمؤسسة لتسهيل خدمة العسكريين كما أن العسكري مؤمن بمؤسسته وبدورها، لكن لا نعلم الى أي مدى يمكن الصمود في حال استمر الوضع على حاله. والأهم من كل هذا، لضمان استمرارية المؤسسة، يجب إقامة جدار فاصل بين الجيش والسياسيين، ومنع أي رجل سياسي مهما كان موقعه من أن يتدخل في شؤون المؤسسة العسكرية، ونجح قائد الجيش في هذا الاطار”.

وأكد “أننا اذا لم ننتخب رئيساً للجمهورية، واستمرت الأمور على ما هي عليه، فمطلوب من المؤسسة العسكرية ليس انقلاباً عسكرياً انما أن يمسك الجيش بالادارات المعطّلة، ويديرها اذ لديه امكانات وخبرات هائلة لأنه لا يمكن الاستمرار على هذه الحال.”

أما العميد المتقاعد خليل الحلو فأشار الى أن “هناك عدة عوامل لاستمرار المؤسسة العسكرية واحدة موحدة: أولاً، العامل الثقافي أو المناقبية العسكرية الموجودة في روح العسكري لأن الجيش لديه ثقافة موروثة منذ تأسيسه، ثقافة الانضباط كما أن كل العسكريين يخضعون للقوانين نفسها، ويتدرّبون معاً، ويأكلون وينامون ويخدمون معاً، وهم يكتشفون أنهم يتشابهون كثيراً، ويلمسون أن الفوارق الطائفية ليست بشيء أمام رفقة الخنادق والتدريب وتنفيذ المهمات معاً وحين يتعرضون للخطر. ثانياً، عانى الجيش اللبناني من الانقسامات السابقة، وشعر العسكريون حينها أنهم ذابوا في الميليشيات التي انتموا اليها، وأن قيمتهم العسكرية فُقدت بعد أن تركوا المؤسسة الأم لينتموا الى مؤسسات رديفة. ثالثاً، من خدم في الجيش لمدة طويلة، لاحظ أن أهدافه واضحة وهي حماية الناس من أي اعتداء داخلي أو خارجي، والجيش دخل في معارك مع الاسرائيليين منذ العام 1968، كما واجه السوريين بحرب مدمّرة استمرت لسنوات بالاضافة الى المسلحين في الداخل. وبالتالي، لولا الجيش لكنا فقدنا الكيان اللبناني. هذه العوامل، أدّت الى تماسك العسكريين على الرغم من الأزمات المالية والمعاشات المتدنية كما أنهم يعرفون أن قيادتهم تقف الى جانبهم، والأهم أن الشعب الى جانبهم. الجيش ملك المواطنين الذين يثقون به جداً، واليوم لبنان يساوي الجيش. مع التأكيد أن الجيش ليس ملك أي قائد، والثوابت لن تتغيّر”.

وأوضح أن “الجيش لا يزال ينفذ المهمات، ويؤدي واجباته على أكمل وجه لأن التجارب السابقة، أثبتت أن ليس لدى العسكريين سوى هذا الخيار الذي يحفظ كرامتهم ويحميهم ويؤمن معيشتهم على الرغم من المعاشات المتدنية الا أنه يقدم الكثير من الخدمات. والأفضل للعسكري أن يستمر في مؤسسته من أي عمل آخر لا يحفظ كرامته”.

وشدد الحلو على أن “المطلوب من الجيش غير حفظ الأمن ومكافحة الارهاب والقيام بالمهام المطلوبة في الجنوب بناء للقرار 1701 الذي لا ينفذ كما يجب، وضبط الحدود على الرغم من الثغرات، ألا يسمح بأن يدخل اللبنانيون في حرب أهلية لأنه حينما تتأزم اجتماعياً، ويعيش الناس في ضائقة، يشتد الحقد، وبالتالي، على الجيش منع أي فئة من اللبنانيين من السيطرة على فئة أخرى. هذه المهمة غير معلنة، لكنها أساسية”.

شارك المقال