من يريد تشتيت مخيم الشتات؟… عين الحلوة أبعد من اشتباك و”هلق بلشت”

ليندا مشلب
ليندا مشلب

صفعة موجعة تلقتها حركة “فتح” في مخيم عين الحلوة لن تبرد نارها بترقعيات أمنية، فالمعركة بدأت الآن والنوم على حرير أصبح من الماضي والسلاح في مرحلة ما بعد “العرموشي” سيكون دائماً صاحياً، بحسب ما أكد مرجع أمني رفيع لـ “لبنان الكبير”. والمحرك في هذه الجولة التي تعد الأعنف منذ سنوات هو أياد اسرائيلية بحسب المصدر الذي شدد على أن هذا الاتهام ليس slogan انما معلومات أمنية ستكشف خيوطها أكثر مع الأيام، والموضوع مرتبط بمجموعات مخترقة وشبكات تحضر من فترة لاقتناص الفرصة في توقيت “لبيس” وهذا فعلاً ما حصل.

الأرض تغلي في المخيم والتعبئة على أشدها والتفلت سيد الفعل وردود الفعل. القصة بدأت منذ شهر آذار الماضي حين قتل الفتحاوي محمود زبيدات على يد العنصر في “عصبة الأنصار” خالد علاء الدين الملقب بـ “الخميني” والذي سُلم بعد عشرة أيام الى القوة الفلسطينية المشتركة التي بدورها سلمته الى مخابرات الجيش اللبناني في صيدا، وكان يفترض حينها أن تكون المسألة قد حلت والتوتر قد انطفأ، لكن ما حدث أن هناك من عمل منذ مدة على تحريض شقيق محمود زبيدات، محمد الملقب بـ “الصومالي” للأخذ بثأر أخيه، وجاء أمر العمليات يوم السبت حين فتح النار على مجموعة من الشباب المسلم فقتل عبد الرحمن فرهود أحد افراد المجموعة التي يتهمها “الصومالي” بقتل اخيه، وجرح معه أبو قتادة. ومنعاً لتفاقم الوضع، تعهد قائد الأمن الوطني في حركة “فتح” أبو أشرف العرموشي بتسليم الجاني، وما توجهه سيراً على الأقدام نحو عرب الزبيدات عبر حي الطوارئ لتوقيف الجاني وتسليمه، الا استخفافاً بحدوث خروق أو استبعاداً لأي مخططات مشبوهة، فكان الكمين الذي أودى بحياته ومرافقيه. هذا ليس انتقاماً لفرهود كما ادعوا، بحسب تأكيد المرجع، انما استدراج الى الاشتباك المسلح وتفجير الوضع خصوصاً أن العرموشي يعتبر من الأرقام الصعبة في قيادة “فتح” داخل المخيم… فهذا القرار لا يمكن أن يتخذ على صعيد محلي أو فردي والهدف منه جر المخيم الى أحداث خطيرة وزعزعة استقراره وفتح أبوابه المغلقة على ١٠٠ ألف فلسطيني وتشتيتهم وهذا جزء من خطة ممنهجة، فمنذ سنتين كثرت رحلات تهريب الفلسطينيين من مختلف المخيمات عبر البحر الى أوروبا بطريقة غير شرعية معظمهم من مخيم عين الحلوة. وفي سوريا أثناء الحرب شكل مخيم اليرموك هدفاً أساسياً وجرى تدميره وهاجر معظم سكانه باتجاه أوروبا. المطلوب هو كسر تمسك المملكة العربية السعودية بمبادرة بيروت للسلام التي اقترحها الملك عبد الله وأحدثت خلافاً كبيراً مع العدو الاسرائيلي حول بند حق العودة وتطبيع العلاقات مقابل الانسحاب الاسرائيلي الكامل من الأراضي العربية، ومنذ ذلك الحين تعمل اسرائيل ومعها المجتمع الغربي على تفكيك هذا اللغم من أمام التطبيع عبر انهاء التجمعات الفلسطينية الكبرى، حتى لا يقف هذا البند عثرة ويسقط أمامها بتخفيف أعداد العائدين الى ما دون النصف فتأخذ جرعة أوكسجين في وجه الخطر الكبير الحقيقي الذي تعيشه.

وأبدى المرجع الأمني تخوفه من أن لا تتمكن “فتح” من الامساك بأمن المخيم مجدداً فيصبح خيار الفلسطينيين الذين يصنّفون خارج المجموعات الأصولية هو الخروج والهجرة بشتى الطرق، وهذا أعمق وأكبر من توتر أمني هنا واغتيال هناك، مؤكداً أن المخيم مليء بالسلاح وبأنواعه كافة ولا مصلحة لأحد في نزعه، من حساباته الخاصة أو الاستراتيجية. وتوقع أن تشهد الفترة المقبلة موجة تفجيرات واغتيالات للدفع أكثر باتجاه تشتيت المخيمات.

مصدر عسكري فلسطيني داخل المخيم أكد لموقع “لبنان الكبير” أن المعطيات الدقيقة التي أصبحت بين يدي المرجعيات الكبرى تؤكد أن ما حصل أبعد من مقتل العرموشي وأبعد من المخيم وربما يكون أبعد من لبنان، اذ كان المطلوب أن تبدأ الفتنة من مكان ما أو توجه رسالة من مكان ما والعرموشي ذهب ضحية، كما أن حركة “فتح” لم تكن لديها نية في افتعال أي اشتباك، والقول ان ما حصل هو مخطط لتحويل عين الحلوة الى نهر بارد جديد غير صحيح على الاطلاق، لأن الجيش اللبناني ملتزم باتفاق القاهرة عام 1969 الذي نص على عدم دخول الجيش الى المخيمات، ففي نهر البارد تعرض عناصر الجيش الى اعتداء بالمباشر وذبح عسكره ما استدعى دخوله المعركة، اما في عين الحلوة فالوضع مختلف .

وكشف المصدر أن حجم القوة البشرية والتسليح لدى حركة “فتح” في عين الحلوة كبير جداً. وروى أن ما حصل لم يكن متوقعاً ومقتل العرموشي أربك الجميع واستدعى عودة فورية للسفير الفلسطيني أشرف دبور يوم الأحد إلى بيروت من القاهرة حيث كان يشارك في لجنة الحوار، وكان مطلوباً أن يتم ضبط الأرض سريعاً والحد من تفلت الأمور، عندها دخل رئيس مجلس النواب نبيه بري على خط التهدئة وكلف عضو المكتب السياسي في حركة “أمل” والمكلف بالملف الفلسطيني محمد جباوي التواصل مع الفصائل الفلسطينية كافة، وتقرر على الفور وقف اطلاق النار وتشكيل لجنة تحقيق لمعرفة ماذا حصل وتسليم المتورطين، وصبّت كل الجهود من صباح الاثنين على تنفيذ هذا الاتفاق.

وأوضح المصدر أن الخروق التي حصلت وخصوصاً جولة الأربعاء ليلاً لم تكن اشتباكاً انما اطلاق نار كثيف وقذائف من عناصر “فتح” تجاه معاقل “الشباب المسلم” بعد أن وصلتهم معلومة بأن مجموعة من المتشددين تتسلل من حي الطوارئ بثياب سود وأقنعة الى حي الباركسات لمهاجمة مواقع “فتح” واحتلالها، والمعلومة كان مشتبهاً بها واستدعى هذا الأمر رداً محدوداً من “الشباب المسلم”، ومن فتح النار وسرّب هذه المعلومة هم شباب محسوبون على “فتح” ولكن لا يريدون الالتزام بوقف اطلاق النار وينتسبون الى عشيرة خارجة عن قرار “فتح” وهي عشيرة زبيدات التي لا تريد انتظار القرار القضائي بحق قاتل ابنها خالد علاء الدين الموقوف لدى القضاء العسكري، وأرادت الأخذ بثأره بعد أن جرى تحريضها من جهة أصولية داخل المخيم.

ورأى المصدر، وبالتوصيف الدقيق أن ما حصل خلال هذه الأحداث أن كل طرف وجه رسالة الى الآخر بحجمه وقوته وقوله “أنا هنا وأنا موجود” وحديث القوة هنا نسبي، خصوصاً بعد أن توحدت الحركات الاسلامية والسلفية في اطار واحد داخل المخيم (داعش، النصرة، جند الشام، فتح الاسلام) تحت اسم “الشباب المسلم” وبقيت “عصبة الأنصار” ومجموعة الشيخ جمال الخطاب أمير “الحركة الاسلامية المجاهدة” خارج هذا الاطار، ولكل نفوذه داخل الحي الموجود فيه، وله ظاهر وباطن، والسلاح حدث ولا حرج قال المصدر، وأعدادهم تناهز الـ٦٠٠ عنصر بعد توحدهم، وصورة حضورهم المخيف فرضها التنسيق في ما بينهم معكوساً على جغرافية المخيم ومساحته، اما “فتح” فحضورها وتنظيمها وعديدها أكبر لكن يؤثر عليها في هذا التوزيع الخرق الجغرافي للمقادحة (التابعون للواء منير المقدح) وسط المخيم، في المنطقة الرمادية بالسياسة والأمن. أما اللينو وجماعته فيقفون على الحياد ومنطقة وجودهم بعيدة عن نقطة الاشتباك، لكن المصدر أكد أنه عند الحسم سيقف الى جانب حركة “فتح” على الرغم من الخلافات بينهم. ولخص المصدر كل ما حصل منذ الأحد الماضي بأنه محاولة لإحداث فتنة من بوابة عين الحلوة كان يخطط لتمددها وتكبير مساحتها وتداعياتها السياسية، وما حصل كان أكبر من ثأر، وقتل العرموشي حدث منفصل عن قتل فرهود، غامزاً من قناة تواصل حصل مع جهات داخل المخيم في الأيام السابقة وغير منفصلة عن زيارة مدير الاستخبارات الفلسطينية ماجد فرج وما يحاك داخل لجنة الحوار اللبناني – الفلسطيني. وكشف المصدر أن عزام الأحمد عضو اللجنة التنفيذية في منظمة التحرير المشرف العام على الساحة اللبنانية يصل الأحد الى بيروت لمتابعة هذا الملف، ويتوقع أن تكون له اجتماعات على أعلى المستويات لمعرفة حقيقة ما حصل، وللتأكيد أن حركة “فتح” والقيادة الفلسطينية لن تسمحا بتنفيذ أي مخطط يدفع لبنان ثمن تنفيذه.

شارك المقال