“شخطة قلم” وزير الصدفة لا تنال من العلاقات التاريخية بين الكويت ولبنان

زياد سامي عيتاني

“شخطة قلم” المستوزر في غفلة سياسية من الزمن الضائع وزير “الصدفة” أمين سلام، كشفت مدى تطفله وتسلقه إلى الشأن العام، بحيث أن كل ممارساته أكدت بما لا يقبل الشك أنه مجرد وزير “مياوم” (!) لافتقاده أبسط المفاهيم والمعرفة السياسية، والتي كان آخرها سوء مخاطبته دولة الكويت الشقيقة، ما عكس مرة جديدة فهمه القاصر لأدب المخاطبة الديبلوماسية، ولطبيعة إتخاذ الدول قراراتها.

لكن مثل هذه المواقف بكل ما تنطوي عليه من “غباء سياسي” وسوء إدراك، لا يمكن بأي شكل من الأشكال أن توتر العلاقات التاريخية الأخوية العميقة والمتجذرة بين البلدين التوأمين، خصوصاً مع وجود قيادة حكيمة في الكويت، تصر وتتمسك بأفضل وأرقى العلاقات الانسانية والأخلاقية بين الشعبين، قبل العلاقات الديبلوماسية.

فالعلاقة بين البلدين تتخطّى الجانب الديبلوماسي، فهي في الدرجة الأولى، علاقة أخوية وإنسانية بين الشعبين، وتعود إلى حوالي قرن من الزمن، فنرى في كل بقعة على أرض لبنان بيتاً كويتياً، لا سيما في المصايف، وفي المقابل نرى في قلب كل لبناني نخلة باسقة تُسقى بالحبِّ للكويت.

واللبنانيون لا ينسون على الاطلاق وقفات دولة الكويت المشرّفة والداعمة لهم في كل الشدائد التي مرَّوا بها، فتجذَّر في وجدانهم حبُّهم الكبير لقيادتها، وحُفرت صورة كويت العطاء وسخاء الكرم الانساني في ضميرهم وذاكرتهم، تأكيداً على عمق العلاقة الأخوية بين البلدين، ومثبتين وفاءهم للكويت التي تحتضنهم منذ سنوات طوال، وهم يكنّون لها دائماً ودّهم وتقديرهم البالغين لعطاءاتها ومد يد العون والمساعدة لبلدهم.

ويعود تاريخ العلاقات بين البلدين إلى العشرينيات من القرن الماضي، عندما إلتحق عدد من الطلبة الكويتيين بالجامعات والمعاهد اللبنانية. وفي الأربعينيات شهد لبنان للمرة الأولى توافد الكويتيين إلى لبنان من أجل السياحة والتجارة. وفي منتصف الخمسينيات قُدّر عدد اللبنانيين في الكويت بنحو ألف شخص، وكان بإمكان اللبناني أن يدخل الكويت ويخرج منها من دون تأشيرة.

لبنان الأسرع إعترافاً بإستقلال الكويت:

تعود العلاقات الرسمية بين البلدين إلى العام 1961 حينما إعترف لبنان بإستقلال الكويت، وكان من ضمن الدول الأسرع إعترافاً به، الأمر الذي ردّ عليه العراق بطرد السفير اللبناني لديه معتبراً إعتراف لبنان بإستقلال الكويت “بادرة عدائية” تجاهه. وفي العام 1963 أوفدت الكويت أول سفير لها إلى لبنان محمد الغانم، الذي قدّم أوراق إعتماده الى الرئيس اللبناني حينذاك فؤاد شهاب، فيما بدأ التمثيل اللبناني في الكويت بتعيين الديبلوماسي علي بزي سفيراً للبنان في الكويت. وقد جمع السفير الغانم بين التجارة والوزارة والعمل الديبلوماسي، وكان له دور كبير في تأسيس السفارتين الكويتيتين في كل من بيروت ودمشق.

في العام 1962 أقامت الكويت سفارة لها في بيروت، اتخذت لها مقراً في شارع فردان، ثم انتقلت الى منطقة الرملة البيضاء، لتعود وتستقر في إحدى ضواحي بيروت الجنوبية، بئر حسن، ومنذ ذلك الحين باتت تعرف باسم “منطقة السفارة الكويتية”.

وإسهاماً من الكويت في تقوية الروابط بين البلدين، قدمت عبر الشيخ جابر الصباح أول قرض إلى لبنان بقيمة 5 ملايين دينار كويتي لتنفيذ بعض المشروعات التنموية.

أوائل اللبنانيين الذين عملوا في الكويت:

يشير فاضل سعيد عقل رئيس تحرير جريدة “البيرق” بعد زيارة له إلى الكويت عام 1952 الى أن أول من نزل هنا كان جان غبريال ضو الذي عمل في دائرة الأشغال.

إلا ان أول لبناني نزل الكويت عاملاً بكل نشاط، فاتحاً المجال أمام اخوانه ومواطنيه، هو المهندس الشاب جان غبريال ضو، من أركان دائرة الأشغال الذي احتل مكانة بارزة ونعم بحظوة لدى الشيوخ الذين كانوا يكنون له كل محبة ويكرمون وفادته نظير أمانته في العمل.

ومن بين اللبنانيين الذين اجتمعوا في الكويت: هدى عبدالجليل، شكيب نايفه وولده جورج، فايز إبراهيم صاحب مطعم “دينا”، جان بريدي، ادمون بارودي وحبيب حويك.

ومن أوائل اللبنانيين الذين حصلوا على الجنسية الكويتية بين العامين 1959 و1965 أحمد خضر الطرابلسي، د.أحمد محي الدين سلامة، إبراهيم الشعار، زهير جميل بيضون، سامي بشارة، شريف بيضون، عزت جعفر، د.عاصم بيضون، د.كميل الريس، منيب محمود الشلبي وموسى يوسف شعيب.

يذكر أن عدد اللبنانيين في أوائل الخمسينيات لم يزد على ألف شخص، ومن ميزات هذا الوجود أنه بإمكان اللبناني أن يدخل الكويت ويخرج منها من دون تأشيرة على جواز سفره.

وإرتفع عدد الجالية اللبنانية في الكويت من 45 ألفاً في الثمانينيات، إلى أكثر من 70 ألفاً قبل جائحة كورونا، حسب إحصائيات غير رسمية.

السياحة والاستثمار:

معرفة أهل الكويت بلبنان جاءت في أواخر العشرينيات من القرن العشرين، وذلك بإلتحاق عدد من الطلبة الكويتيين للدراسة في الجامعات والمعاهد والمدارس اللبنانية والذين أصبحوا فيما بعد قياديين ووزراء ونواباً ومحافظين. وفي الأربعينيات أخذت أعداد كبيرة من الكويتيين تفد الى لبنان للسياحة والاصطياف، ومما يذكر في هذا المجال أن الدوائر الحكومية في الكويت كانت تقدم في مطلع الخمسينيات تذاكر سفر سنوية مجانية لموظفيها الراغبين في السفر، وهذا ما دفع بدائرة السياحة اللبنانية تشجيعاً منها إلى أن تعطي المصطافين الكويتيين وغيرهم من الجنسيات الأخرى عند وصولهم الى مطار بيروت مبالغ تشجيعية، وحددت مبلغ 100 ليرة لبنانية للكبار و50 ليرة للصغار، وبقي هذا الوضع حتى العام 1959.

دعم الكويت للبنان:

إضطلعت الكويت بدور مهم ومحوري تجاه لبنان في مراحل مختلفة، ففي العام 1988، قادت تشكيل اللجنة السداسية التابعة لجامعة الدول العربية لحل الأزمة اللبنانية الداخلية وإقرار وثيقة الوفاق الوطني لإسدال الستار على الحرب الأهلية التي إنتهت بإتفاق الطائف عام 1989.

ثم تجسد الدعم المادي والسياسي الكويتي للجمهورية اللبنانية في مواجهة الاعتداءات الاسرائيلية في حرب تموز 2006، حين قام وزير الخارجية (آنذاك) الشيخ صباح الأحمد بزيارة إلى بيروت أكد فيها وقوف بلاده سياسياً واقتصادياً الى جانب الشعب اللبناني، فيما قاد رئيس اللجنة الوطنية لشؤون الأسرى والمفقودين الشيخ سالم الصباح حملة تبرعات لصالح لبنان بعد إعلان التحرير، وشاركت الكويت في عملية إعادة الاعمار في قرى الجنوب اللبناني.

العلاقات الإقتصادية الحديثة:

تعود العلاقات الاقتصادية الرسمية الحديثة إلى العام 1999 عندما وقعت الكويت على “اتفاق التعاون التجاري مع الجمهورية اللبنانية” وشملت بنوده: الاعفاء من الرسوم الجمركية على المنتجات الصناعية ذات المنشأ الوطني المتفق عليها، وخفض الرسوم الجمركية والرسوم الأخرى ذات الأثر المماثل المفروضة على باقي المنتجات الصناعية لكلا البلدين بنسبة 25% سنوياً.

لكن زيارة الأمير الراحل صباح الأحمد عام 2010 إلى لبنان، كانت هي الركيزة الحديثة للعلاقات الاقتصادية المؤسسية، وأسفرت عن توقيع ست إتفاقيات شملت مجالات التعاون الاعلامي والاقتصادي والتجاري والثقافي والفني، وتمويل مشروع بناء متحف بيروت وإنشاء لجنة للتعاون الثنائي.

وفي العام 2018 أسست مجموعة من رجال الأعمال الكويتيين “المجلس الاقتصادي الكويتي اللبناني لرجال الأعمال” لتأسيس مشروعات مشتركة. كما تأسس “مجلس الأعمال اللبناني في الكويت” الذي ضمّ نخبة من كبار المستثمرين ورجال الأعمال والمديرين التنفيذيين وأصحاب الشركات، لتعزيز التعاون والتبادل بين القطاع الخاص في البلدين.

يشار إلى أن قيمة الواردات اللبنانية إلى الكويت قبل جائحة كورونا، بلغت 74.2 مليون دولار، وقيمة الصادرات الكويتية إليها أقل من 7 ملايين دولار.

شارك المقال