الكحالة وكوعها… “تزحيط” تاريخي

حسين زياد منصور

ليس أمراً مستغرباً لدى أهالي الكحالة انقلاب شاحنة أو “تزحيط” آلية أو مركبة عند كوعها، حتى أن هذا الأمر يعد طبيعياً ومألوفاً في جميع المناطق اللبنانية.

في الكحالة، وبحسب عضو كتلة “الجمهورية القوية” النائب نزيه متى “الكوع خطر جداً، ومن المعروف أنه يشهد كل أسبوعين أو ثلاثة حادثة انقلاب لشاحنة من هذا النوع وذلك لأسباب متعددة إن كان الفرامل أو الحمولة وغيرها، والشباب في المنطقة اعتادوا هذه الحوادث لذلك يهرعون الى مساعدة أصحاب الشاحنات وانقاذهم، وهذا ما حصل هذه المرة أيضاً. وانقلاب الشاحنة طبيعي، لكن ما حصل بعد ذلك من إطلاق النار بصورة عشوائية لا يمكن أن يمر مرور الكرام”.

محطات تاريخية

ما حصل أعاد اللبنانيين بالذاكرة الى أكثر من 50 عاماً، أي ما قبل الحرب الأهلية، فالكحالة لها رمزية وخاصية، وأصبحت فيما بعد نقطة من نقاط المحاور خلال الحرب.

الكثير من الحكايا نسمعها عن الكحالة وما كان يحصل فيها، ويروي لـ”لبنان الكبير” أحد الشهود على حقبة الحرب الأهلية وما سبقها بسنوات قليلة، أن “هذه المنطقة تتميز بموقعها الجغرافي، واستناداً الى ذلك، شهدت العديد من الأحداث التي كان لها تأثير في التاريخ اللبناني الحديث، فهي كانت تقع على خطوط التماس، وقبل فترة السبعينيات كانت هناك أزمة سياسية، وتقوم بعض الميليشيات في المنطقة بحملات استفزازية سياسية وطائفية ومذهبية، والاعتداء على الفدائيين الفلسطينيين”.

ويضيف: “إن اردت الذهاب الى سوريا، ستمر بالكحالة، وفي احدى المرات كان يمر موكب تشييع لأحد الفدائيين الفلسطينيين، وترافق مع استعراض عسكري وإطلاق نار كثيف وعشوائي، ما أدى الى مقتل أحد أبناء المنطقة، وهو ما استفزهم وأثار غضبهم، فأطلقوا النار وأخذوا بالثأر من موكب مشابه، ما تسبب بوقوع الكثير من الضحايا”. وكانت النتيجة حينها قيام مجموعات فلسطينية بالهجوم على بعض المناطق حيث يوجد مسيحيون مثل الدكوانة والمكلس وحادثة حارة حريك الشهيرة.

ويؤكد النائب متى في حديث لـ “لبنان الكبير” أن “الكحالة بحكم موقعها على الطريق العام، معرضة لحصول بعض الحوادث، هذا من جهة، ومن جهة أخرى بحكم موقعها الجغرافي، خلال الحرب لعبت دوراً مهماً، وشهدت حرباً قاسية خصوصاً عند دخول الجيش السوري في المرة الأولى، وعندما دخل في المرة الثانية أيضاً في الوقت الذي تمرد الجنرال ميشال عون في بعبدا كانت لها خصوصية معينة وذلك استناداً الى موقعها الجغرافي، لذلك أبناء المنطقة معتادون أن يكونوا على أهبة الاستعداد كي يتصدوا لأي شيء يحصل معهم”.

ويشير الى أن “الأحداث التي كانت تحصل في الكحالة في الماضي كانت اعتداء عليها، وليس أن لديها مشكلة معينة، ولم تكن هي المعتدية. وبحكم جغرافيتها خلال عدة حروب حصلت، كانت الكحالة خط تماس، ولهذا السبب ارتبط اسمها دائماً بأحداث معينة حصلت على امتداد تاريخ لبنان الحديث، وكان لأبناء الكحالة دور وطني بامتياز بأحيائها وشوارعها وحدودها”.

تجدر الاشارة الى أنه في العام 1968، سقط اللبناني خليل الجمل في الأردن، وهو أول من استشهد من أبناء بيروت في مواجهات مع العدو الاسرائيلي، اثر معركة الكرامة الشهيرة، ونقل جثمانه الى بيروت، ومر من الكحالة، وكان الأهالي في استقباله. وهذه الواقعة أكدها رئيس الحكومة الراحل شفيق الوزان في احدى المقابلات الصحافية، حين كان رئيساً لـ “جمعية خريجي المقاصد”، وتوجه على رأس وفد كبير منها الى الكحالة ليكون في استقبال جثمان الجمل، وفوجئ باندفاع شباب المنطقة الكتائبيين والشمعونيين والمستقلين لحمل النعش ورفعه على الأكف والدوران به تكريماً له.

وعرفت الكحالة على أنها خط مواجهة وتماس، نتيجة المعارك والقذائف وعمليات القتل التي شهدتها، خلال فترة “تنذكر وما تنعاد” في التاريخ اللبناني الحديث.

شارك المقال