الفتنة على كوع خطير… هل ننزلق أم ننجو؟

هيام طوق
هيام طوق

كثيرة المواقف التي صدرت بالأمس واستنكرت وأدانت حادثة الكحالة “المرفوضة بكل مقاييسها”، مطالبة الجيش والقوى الأمنية والمعنيين بتوضيح ما جرى، والقضاء بفتح تحقيق فوري وعاجل لكشف الملابسات، ومعاقبة المتورطين، وحصر السلاح في يد الشرعية حتى أن كثيرين اعتبروا أن ما تبقى من الدولة اللبنانية ومؤسساتها سقط أول من أمس مع سقوط الشاحنة.

وهناك من يقول ان سياسة الترقيع وتدوير الزوايا لم تعد مجدية، وما حصل في الكحّالة ومن قبل في عين إبل، يضع السلم الأهلي على كف عفريت، ويقرّب فتائل التفجير من صاعق الفتنة، وان الخطر على الوطن والكيان اللبناني بات محدقاً، ولم تعد تنفع عبارات الاستهجان في ظل انهيار غير مسبوق على المستويات كافة، ووسط أزمة استعصاء رئاسيّة مترافقة مع انسداد وعجز سياسيّ مطلق. وبالتالي، لا بد من إنتخاب رئيس للجمهورية في أسرع وقت، لاعادة الانتظام الى عمل المؤسسات لأن ما يجري من أحداث متنقلة ليس سوى ترجمة مأساويّة للخروج عن مفهوم الدولة وللتحلّل الذي أصاب بنيتها في الصميم، ولا يجوز الاستمرار بمنطق الدولتين والجيشين، وذلك حرصاً على السلم الأهلي والعيش الواحد والعدالة.

وانطلاقاً من هذه الحوادث، تساءلت جهات عدة إن كان ما يجري هو استباق لجلسة مجلس الأمن في ٣١ آب الجاري للتجديد لـ “اليونيفيل”؟ اذ “فضحت حادثة كوع الكحالة عدم تقيّد لبنان بالقرار ١٧٠١ الذي ينصّ على ضبط الحدود ومنع ايصال الأسلحة الى لبنان من سوريا”، فيما رأى آخرون أن الشرخ الحاصل في المجتمع اللبناني لا يبشر بالخير، وما شهدناه في الساعات الماضية هو بذور فتنة قد تنفجر في أي لحظة، وتكون قاتلة للبنان واللبنانيين جميعاً من دون استثناء.

على أي حال، فإن اللبنانيين يشعرون بالقلق، ويتخوفون من الانزلاق الى فتنة أو حرب أهلية لا يريدونها، لكن الأحداث الاخيرة تماثل ممهداتها ما حصل في أواخر الستينيات ومطلع السبعينيات، التي أوصلت البلاد إلى حرب طالت خمسة عشرة عاماً، دفَع لبنان وأهله أثمانها باهظاً.

وفي وقت يدعو العقلاء الى التهدئة، وإبعاد كأس الفتنة أو الحرب الأهلية عن البلد مع التشديد على القيادات السياسية والروحية، المسيحية والمسلمة، على ضرورة العمل لمنع تدمير ما تبقى من الجمهورية خصوصاً أن الأزمة في البلد ليست أزمة طائفية أو مذهبية لكن البعض يؤكد أن الأمور لا يمكن أن تستمر بهذا الشكل أو تسير وفق اللغة التدميرية ليبقى السؤال على كل لسان: هل نحن أمام سيناريو فتنة أو ربما حرب أهلية لا يزال اللبنانيون يضمّدون جراحها الى اليوم؟

استبعد نائب رئيس الحكومة السابق عصام أبو جمرة “أن ينجر اللبنانيون الى حرب أهلية كما في السابق”، انما تمنى على الجميع “احترام الدولة التي يجب أن تفرض هيبتها، ولا يجوز أن تكون أصغر من الدويلة أو أصغر من الفئات المتعددة الموجودة في البلد لأنه اذا أراد كل طرف أن يفرض إرادته على الدولة، فعلى الدنيا السلام”، مشدداً على وجوب “أن يعرف كل طرف حدوده التي لا يجوز تخطيها كي تبقى الدولة موجودة، ويستمر هو والأطراف الأخرى في العيش في كنف هذه الدولة”.

واعتبر أن “من المعيب أن تحصل فتنة أو حرب كل فترة زمنية، ثم ندفع الثمن باهظاً. على السلطة الحالية أن تفرض سلطتها، كما من الضروري انتخاب رئيس للجمهورية في أسرع وقت ليكون هناك شخص على رأس الدولة، ومسؤول عنها والا ربما يحصل ما هو أسوأ مما نراه اليوم”.استبعد نائب رئيس الحكومة السابق اللواء عصام أبو جمرة أن” ينجر اللبنانيون الى حرب أهلية كما حدث في السابق”. وتمنى على “الجميع احترام الدولة التي يجب أن تفرض هيبتها على كل مكوناتها من الشعب ، فلا تكون أصغر او مرتهنة لأي من الفئات التابعة، الموجودة في البلد او خارجه لأنه اذا كل طرف أراد أن يفرض إرادته على الدولة، واستطاع، فعلى الدنيا السلام”.

وشدد على ان ” كل طرف يجب أن يعرف حدوده التي لا يجوز تخطيها لكي تبقى الدولة محترمة، قادرة على حكم شعبها ، وتستمر الاطراف على العيش في كنف هذه الدولة. من المعيب أن تحصل فتنة او حرب كل فترة زمنية لاسباب فئوية نفعية سخيفة ، وندفع جميعا الثمن باهظا”.

ورأى انه “على السلطة الحاكمة ان تفرض ارادتها بسلطتها، لتحقيق الضروري كانتخاب رئيس للجمهورية، ليكون دوما هناك شخص على رأس الدولة، مسؤول عنها، وعلى تقدم مسارها والا يحصل فيها ما هو أسوأ من الذي نراه اليوم”.

وقال النائب بلال عبد الله: “لا نظن أن أي جهة في الداخل تريد الحرب الأهلية فهذه الحروب صفحة وطويت من تاريخ لبنان، ويجب أن نفتش عن اعادة احياء المؤسسات الدستورية، وانتخاب رئيس للجمهورية، وتشكيل حكومة اصلاح وتطوير وتغيير، وانقاذ اقتصادي، ومناقشة كل الأمور الخلافية على طاولة حوار من دون شروط”، مؤكداً أن “ما من فريق إن كان يملك السلاح أو لا يملكه لديه النية في الدخول في مستنقع الحرب القاتلة والمضنية التي كلّفت البلد مئات آلاف الشهداء والدمار الشامل، ولا زلنا ندفع ثمنها الى اليوم. المهم التحلي بالوعي، والهدوء وافساح المجال أمام الجهات الأمنية والسلطة القضائية لتقوم بواجباتها”.

ورأى النائب عبد الرحمن البزري “أننا ندفع ثمن تحلّل الدولة وانهيارها بحيث أن أسلوب التعامل وطريقة ادارة الدولة مضت عليها عقود من الزمن، وأدت الى انهيار البلد وإفقاره وإفلاسه كما أن العقم السياسي وانسداد الأفق، وعدم القدرة على انتخاب رئيس للجمهورية، وتحريك عجلة الحياة الدستورية وانتظام المؤسسات سواء دستورياً أو ادارياً، أدى الى التفلت الذي نراه اليوم، وربما هذه الحوادث ليس مخططاً لها، لكنها ليست مستغربة لأنها نتيجة التحلل والتفكك في الدولة، ونأمل ألا تتطور”، متمنياً على القوى السياسية “تغليب لغة العقل على اللغة الشعبوية، والعمل على وأد الفتنة في مهدها، والتعامل مع الأحداث الأمنية والسياسية الحالية والتي قد تحصل في المستقبل بكثير من الحكمة والرويّة”.

ووصف الوضع بأنه “غير طبيعي ما يعني أن احتمال حدوث الارتدادات والأخطار وارد”، لكنه شدد على وجوب “ألا ننزلق الى ما هو أبعد لأنه على الرغم من خلافنا السياسي، لا نزال قادرين على التعايش مع بعضنا البعض، وهذا ما نلمسه في المؤسسات الدستورية بعيداً عن المذهبية والطائفية كما أن لبنان يشهد موسم اصطياف ناجحاً لا يجوز افشاله”، معتبراً أن “التخوف له أسبابه، لكن ليس بالضرورة له مبرراته”.

وأشار النائب السابق شامل روكز الى أن “من يراقب الأحداث، يلاحظ انحلال الدولة بصورة كاملة، واذا وجدت، فتأتي متأخرة، وهذا مؤسف، ويعطي انطباعاً للرأي العام أنه مكشوف وليس لديه أي ضمانات. انطلاقاً من هنا، يجب اعادة انهاض المؤسسات الدستورية، وانتخاب رئيس للجمهورية أولاً كي تنتظم الحياة المؤسساتية من خلال الحكومة، وتسير الأمور في الاتجاه الصحيح لأن اليوم لا ثقة بالسياسيين وبالمؤسسات”.

وأوضح أن “لا طمأنينة عند الناس الذين يتخوفون من الفتنة التي تبدو بذورها واضحة، والمؤشرات سلبية جداً، والمشهد اليوم ليس بعيداً عن المشاهد التي سبقت الحروب التي عرفها البلد”، لافتاً الى “أننا في دائرة الخطر، ولا يمكن الاستخفاف بما يحصل اليوم، بغض النظر عن الأهداف والأبعاد. السلبية موجودة طالما الدولة مفقودة”.

شارك المقال