المنظومة الأمنية الرسمية عصية على العابثين

زياد سامي عيتاني

خلال عهد ميشال عون البائد، ومن خلفه رئيس الظل جبران باسيل، وفريق عمله “الجريصاتي”، والذي تكفل بجدارة ومهارة لا مثيل لهما بتنفيذ المشروع “الجهنمي” المكلف به والمعد له سلفاً، والمتمثل بانهيار الدولة كمفهوم ونظام وسلطة ومؤسسات دستورية، من خلال وضع يده على مختلف الوزارات والادارات والمؤسسات العامة والامساك بها، بقي في المقابل ركنان أساسيان من ركائز الدولة عصيّان على كل محاولاته التخريبية، وهما الأجهزة الأمنية بمختلف تشكيلاتها، والنقد الوطني (قبل الانهيار العظيم في تشرين الأول من العام 2019).

وصمود هذين المدماكين الأساسيين للدولة، حالا دون تحقيق الرغبة “العونية” في أخذ لبنان إلى “جهنم” التي وعد بها، على الرغم من سقوط أحدهما (الليرة اللبنانية) لاحقاً، كنتيجة حتمية ومتوقعة للسياسات المالية والاقتصادية التي إتبعها ذاك العهد، ورفضه المطلق والقاطع التجاوب مع كل الدعوات الى ضرورة وقف نزف مالية الدولة وإستنزاف الاقتصاد الوطني، والتي كان أبرزها الخطة الاصلاحية الانقاذية التي طرحها الرئيس سعد الحريري، تجاوباً مع صرخة اللبنانيين الذين خرجوا الى الشارع ساخطين، معبّرين على أوجاعهم الحياتية والمعيشية، الأمر الذي دفعه إلى تقديم إستقالته، إنسجاماً مع موقفه المتضامن مع غضب الشارع.

ومنذ ذلك الوقت، تستمر الدولة في التحلل والانهيار، حتى باتت مؤسساتها عاجزة وغير قادرة على القيام بمسؤولياتها، ما عدا الأجهزة الأمنية، التي بقيت ولا تزال (على الرغم من مأساوية أوضاعها) هي وحدها وحصراً التي تتولى فوق طاقاتها تحمل مسؤولية المحافظة على ما تبقى من الدولة “بطلوع الروح”، ليس بسبب شح الامكانات التي تحتاجها ونفادها وحسب، مع أهميتها، إنما أيضاً بسبب الحملات السياسية المتحاملة والمتجنية عليها، التي يشنها مختلف الفرقاء، بسبب رفض قادتها الخضوع والإذعان لإرادة هذا الطرف أو ذاك.

مرد هذا الكلام سببه ما شهدته بلدة الكحالة بما ترمز إليه في الوجدان المسيحي خلال مرحلتي الحرب والسلم، ما حدا بالبطريرك الراحل مار نصر الله بطرس صفير والزعيم الوطني وليد جنبلاط، الى أن تكون نقطة إنطلاق “مصالحة الجبل” التاريخية من هذه البلدة تحديداً.

بمعزل عن الدخول في تفاصيل ما حصل وتداعياته وأبعاده، من جراء “صدفة سلبية”، كفيلة في لبنان بأن تستغل، لإحداث أزمة سياسية وحتى توترات أمنية… وأكثر، فإن ما يدعو الى القلق الحقيقي هو لعبة القدر في توقيت هذا “الحدث الصدفة” بخطورته، وما نتج عنه من ردود فعل إنفعالية (محقة ربما)، مؤججة ومستحضرة بصورة سريعة ومتسارعة للنعرات الطائفية، بحيث أنه جاء بعد انفجار الوضع الأمني في عين الحلوة ومن ثم البيانات الديبلوماسية، وصولاً الى ملابسات وفاة قيادي سابق في “القوات اللبنانية” في الجنوب.

ربما تسلسل هذه الأحداث أوحى الى البعض، بأنها مقدمة لانفجار كبير في لبنان، يمهد لانتخاب رئيس جمهورية على “الساخن”!

في هذا الاطار، يطمئن مرجع أمني بارز، إستناداً الى معلومات ديبلوماسية ومخابراتية، الى أن لا قرار خارجياً بتفجير الوضع اللبناني، لا سيما وأن لبنان في غمرة التطورات والتحولات الدولية والاقليمية، غير مرئي لدى عواصم القرار، فضلاً عن عدم توافر أي مصلحة لأي طرف لبناني من تفجير كهذا على نطاق واسع. لكنه لا يستبعد حصول مناوشات وتوترات أمنية محدودة، بسبب الأزمة اللبنانية المستفحلة، وفي ظل الفراغ الرئاسي، وتعطيل المؤسسات الدستورية، الأمر الذي قد تستغله بعض الجهات بصورة محدودة جداً، لافتعال إشكالات أمنية متفرقة، محصورة بحجمها وجغرافيتها.

ويؤكد المرجع الأمني بثقة وإرتياح أن الوضع الأمني في لبنان، خلافاً للوضع السياسي، ممسوك ومتماسك، من خلال المنظومة الأمنية الرسمية المتكاملة، التي تشكل مظلة واقية للبنان واللبنانيين، بفضل التنسيق والتعاون بدرجاتها العليا، لدرجة الاندماج بين مختلف الأجهزة الأمنية وفي مقدمها الجيش، على قاعدة إستقلالية كل جهاز من الأجهزة واختصاصه، منوهاً بحرص كل قادة الأجهزة على النأي بأنفسهم عن السياسة والسياسيين (ما يعرضها لحملات شرسة وظالمة)، إيماناً من تلك القيادات بأن القوى الأمنية اللبنانية الرسمية، تشكل الحارس الأخير للجمهورية، وسط هذا الانهيار المخيف للدولة.

وسط المخاوف من تدهور الأوضاع الأمنية، خصوصاً ممن عاش بشاعة الحرب اللبنانية المدمرة وعبثيتها، فإن الرهان معلق على الجيش اللبناني ومختلف الأجهزة الأمنية، في ظل الفراغ الرئاسي وتعطيل الدولة كسلطة وإدارات، للحفاظ على لبنان في أخطر مرحلة يمر بها، بانتظار نضوج الحلول، التي لا تبدو قريبة.

شارك المقال