أين لبنان من متغيرات المنطقة؟

لينا دوغان
لينا دوغان

يستعد لبنان لجلوس قياداته السياسية حول طاولة العمل التي ناقشها معها الموفد الفرنسي جان ايف لودريان في زيارته الأخيرة الى لبنان، والتي لم يحسم بعد ما إذا ستكون جامعة أم ثنائية. وتستعد المنطقة في الوقت نفسه لمشهد جديد بعد أن بدأنا نقرأ عن موضوع إقفال الحدود السورية – العراقية، وتحديداً حيث يعيد التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة الأميركية بناء وجوده العسكري في شرق سوريا للسيطرة على ممرات النقل مع العراق.

وتؤكد المؤشرات أن منطقة شرق الفرات تتهيأ لصراع بالوكالة، بحيث تقوم الولايات المتحدة وإيران بتحضير البنية التحتية لمثل هذه الحرب من خلال تجنيد المقاتلين واستقطابهم وبناء تشكيلات عسكرية، وملء المنطقة بالأسلحة الاستراتيجية والتكتيكية، وهذا الأمر ينذر بتصعيد وشيك في منطقة تصنّف بأنها خطرة، نتيجة تداخل مناطق نفوذ اللاعبين فيها.

عودة أميركا الى الشرق الأوسط هدفها الأول إعادة ترتيب العلاقة مع المملكة العربية السعودية وفي نقطة مهمة جداً هنا بدأت واشنطن تتوجس من عودة النظام السوري الى الجامعة العربية، والانعكاسات التي قد تنتج عن عودة شرعية بشار الأسد إقليمياً، والتي قد تشكل ضغطاً على القوات الأميركية في شرق سوريا، سواء لجهة استهداف هذه القوات أو زيادة كتلة المطالبين بانسحابها من منطلق أن وجودها يعرقل ترتيبات الحل السوري.

من هنا تكون أولى أهداف التحرك الأميركي في شرق سوريا ردع إيران بالدرجة الأولى ومن ثم روسيا، وإرسال رسالة إليهما مفادها أن القوات الأميركية باقية، وأن الترتيبات والاجراءات التي يقوم بها الطرفان لن تكون مُجدية، ويؤشر نشر أفضل المعدات العسكرية إلى محاولة جعل الروس والايرانيين في وضع غير متساوٍ في المواجهة في حال قاموا بالتصعيد، ومن ثم التضييق على أذرع إيران، التي تسعى الى الافادة من مناخ المتغيرات الاقليمية، وخصوصاً حالة الجفاء العربي – الأميركي، والمصالحة بين إيران والسعودية، وعودة سوريا إلى جامعة الدول العربية، لترسيخ نفوذها وإظهار عدائها للأميركيين في شرق سوريا، بعد أن بدأت تتجرأ وتتخذ مواقف قتالية ضد القوات الأميركية. من هنا تهدف التحركات الأميركية إلى استنزاف هذه الميليشيات ووضعها في موقف مرتبك، والتمهيد لإضعاف النفوذ الإيراني في سوريا عبر تهديد مسارات وطرق الميليشيات الإيرانية إلى داخل سوريا وتحديداً “حزب الله”.

على الرغم من درجة التوتر العالية في مناطق التماس في شرق سوريا، لا يبدو أن الطرفين يتجهان الى اندلاع حرب مباشرة لأن ذلك يمكن أن يؤدي الى اغلاق مسارات التفاوض المفتوحة بين الأميركي والايراني، لكن هذا لا يمنع أن عملية اغلاق الحدود السورية المحاذية للعراق أمام ميليشيات ايران لخنقها واردة. ناهيك عن التوترات الحاصلة في أهم ممر مائي والذي يمر فيه جزء كبير من حركة التجارة العالمية، حيث أرسلت أميركا منذ أيام أكثر من 3 آلاف بحار إلى الشرق الأوسط في إطار خطة لتعزيز الوجود العسكري في المنطقة، وأكدت واشنطن أنها تهدف الى ردع إيران عن احتجاز السفن وناقلات النفط في خطوة قد تزيد من اشتعال “حرب الناقلات” بين طهران وواشنطن.

وصرحت واشنطن بأن إرسال قوات إضافية لها الى البحر الأحمر يهدف إلى حماية التدفق الحر للتجارة الدولية، وهو رد على محاولات طهران الاستيلاء على سفن شحن تجارية بعد أن احتجزت أو حاولت السيطرة على حوالي 20 سفينة خلال العامين الماضيين، وهي تدرس وضع جنود على متن سفن تجارية تسافر عبر مضيق هرمز لمنع إيران من اختطاف السفن، وتم تدريب بعض جنود مشاة البحرية لهذا الغرض.

باختصار، هذه هي الصورة الجديدة التي تدخلنا فيها أميركا، بعدما كانت الأنظار توجهت شرقاً وتحديداً الى الصين التي رعت الاتفاق السعودي -الايراني وما كشفه هذا التقارب، الى علاقة الولايات المتحدة بحلفائها في المنطقة، فواشنطن بحاجة إلى تصحيحها وإثبات أنها لا تزال ملتزمة بأمنهم وأن بإمكانها القيام بشيء في سياق ردع إيران والضغط عليها، وتكريس حضورها العسكري في المنطقة وإظهار ما تتمتع به من مكانة ومزايا في الشرق الأوسط، ولإبعادهم عن القوى المنافسة وضمان مواصلتهم التعامل معها باعتبارها الشريك الأمني الوحيد. وتعمل أيضاً على صفقة واسعة مع السعودية تقول التسريبات إنها قد تتضمن تفاهمات أمنية تضمن الدفاع عن السعودية بالاضافة إلى تطبيع العلاقة بين الأخيرة وإسرائيل، لكن الشروط السعودية في هذا الأمر تعجيزية للأميركيين.

السؤال هنا: هل لبنان بمأمن أو اذا صح القول بمنأى عن هذه المتغيرات؟ هل يأتي أيلول ويمضي كغيره من الشهور من دون أن يحمل لنا الحل؟ الجواب وبكل بساطة: إذا اشتد الخناق على ايران في أكثر من ملف وأغلقت منافذ الأسلحة البرية على “حزب الله”، فلن يكون التفاوض معها سهلاً في ملف الرئاسة اللبنانية الذي تتولاه قطر، وبالتالي لن يسهل “حزب الله” حصول انفراج في الشغور الرئاسي لا في أيلول ولا بعد بعد أيلول.

شارك المقال