قمة العلمين أكدت مركزية القضية الفلسطينية

زياد سامي عيتاني

إنعقدت قمة العلمين في جمهورية مصر العربية بحضور الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي والعاهل الأردني الملك عبد الله الثاني والرئيس الفلسطيني محمود عباس، وتركزت بصورة أساسية على ما يتعلق بآخر مستجدات القضية الفلسطينية، وتنسيق المواقف لحشد الدعم الدولي لإنهاء معاناة الشعب الفلسطيني، وإنجاز حقوقه الوطنية المشروعة في الحرية والاستقلال بإقامة دولته وعاصمتها القدس.

وتزامنت القمة مع تعيين المملكة العربية السعودية سفيراً لها غير مقيم لدى دولة فلسطين وقنصل عام في القدس، وجاءت هذه الخطوة التاريخية ذات الدلالات السياسية المبدئية البالغة، بعد نحو 30 عاماً على تأسيس السلطة الفلسطينية، وأكثر من 10 أعوام على الاعتراف بفلسطين دولة غير عضو في الأمم المتحدة. ولاقت الخطوة السعودية إرتياحاً كبيراً في الأوساط الفلسطينية، بحيث عبّر رئيس الحكومة محمد أشتية عن ثقته بأن “المملكة العربية السعودية تعتبر القضية الفلسطينية محط اهتمامها، وعلى رأس أولوياتها في مداولاتها الاقليمية والدولية”. لذلك، فإن من المؤكد أن الحدثين المتزامنين جاءا بالتنسيق بين الرياض والقاهرة على أعلى المستويات، بشأن مقاربة القضية الفلسطينية. في موازاة ذالك، فإن إختيار المملكة السفير السعودي لدى الأردن نايف السديري سفيراً مفوضاً فوق العادة “يبعث برسالة تطمين الى عمّان بأن الرياض لا تزاحمها على الوصاية على المقدسات في القدس”.

بالعودة إلى قمة العلمين، فإنها وبحسب ما رشح عنها، بحثت في كل ما له صلة بالشأن الفلسطيني والتطورات الدولية والاقليمية الحاصلة، وانعكاساتها على مجمل الأوضاع في الشرق الأوسط، خصوصاً القضية الفلسطينية والشعب الفلسطيني، من خلال وضع إستراتيجية موحدة، تقوم على مبادرة السلام التي طرحها الملك الراحل عبد الله بن عبد العزيز خلال القمة العربية في بيروت. كما إتفق القادة على إستمرار التشاور والتنسيق المكثف في إطار صيغة التنسيق الثلاثية الأردنية – المصرية – الفلسطينية على جميع المستويات، من أجل بلورة تصور لتفعيل الجهود الرامية الى استئناف المفاوضات، والعمل مع الأشقاء والشركاء لاحياء عملية السلام، خصوصاً وأنه تقرر أن تكون القمة دورية، لمواكبة كل التطورات المتعلقة بالقضية الفلسطينية.

يشار في هذا الاطار، إلى أن لا مفاوضات سياسية بين السلطة الفلسطينية وإسرائيل منذ العام 2014، ولم يفلح إجتماعا العقبة وشرم الشيخ الخماسيان برعاية أميركية في شباط وآذار الماضيين في تحقيق الهدوء، توطئة لفتح مسار سياسي. وقد مهد للقمة، بلقاءين فلسطينيين مهمين، ربما شكلا تفويفاً للقادة الثلاثة بشأن قضيتهم. اللقاء الأول جمع العاهل الأردني والرئيس الفلسطيني في عمّان، حيث أشار الملك عبد الله إلى “أهمية أن يوفر المجتمع الدولي الحماية للشعب الفلسطيني، وتكاتف الجهود لإيجاد أفق سياسي يعيد إطلاق مفاوضات جادة وفاعلة لحل القضية الفلسطينية على أساس حل الدولتين”. وحذر من “خطورة استمرار غياب الأفق السياسي وتداعيات ذلك على الأمن والاستقرار في المنطقة بأكملها”، منبهاً على ضرورة وقف جميع الاجراءات الإسرائيلية الأحادية اللاشرعية. وشدد على أهمية مواصلة التنسيق والتشاور مع الأشقاء الفلسطينيين إزاء القضايا ذات الاهتمام المشترك. اللقاء الثاني جمع الأمناء العامين للفصائل الفلسطينية برئاسة الرئيس الفلسطيني في مصر، بهدف بحث التطورات الفلسطينية، وسبل استعادة الوحدة الوطنية، وإنهاء الانقسام. وخلال إنعقاد إجتماع الفصائل في مصر إستقبل الرئيس السيسي نظيره الفلسطيني، في مدينة العلمين الجديدة، وناقشا آنذاك عدداً من القضايا ذات الاهتمام المشترك وآخر المستجدات في القضية الفلسطينية.

أمام كل هذا الحراك والتحرك النشط بشأن القضية الفلسطينية على الصعيد العربي، يطرح المراقبون جملة أسئلة: هل من مبادرة أو أفق سياسي يتعلق بالقضية الفلسطينية؟ أم أن تلك التحركات تتعلق بدرء مخاطر متوقعة في ظل حكومة إسرائيلية متطرفة أم بالوضع الفلسطيني في ظل محاولات دفع مسار التطبيع بين إسرائيل ودول عربية؟ يؤكد المحللون المختصون بشؤون الشرق الأوسط، أن أي مبادرة جدية تتعلق بتسوية ما للقضية الفلسطينية، لا تلوح في الأفق بل على العكس تماماً، فإن حكومة بنيامين نتنياهو المتأزمة داخل الكيان الصهيوني، من خلال ما تتعرض له من معارضة شعبية واسعة غير مسبوقة وصلت إلى داخل الجيش الاسرائيلي نفسه، ستدفع الى مزيد من التصعيد على الجبهات الفلسطينية. والأخطر من ذلك، ما تحاول القيام به إدارة جو بايدن (لأسباب إنتخابية)، من الضغط والإغراء لمزيد من التطبيع العربي – الإسرائيلي، متجاوزة القضية الفلسطينية. وعليه، فإن تعيين سفير سعودي في فلسطين، وإنعقاد قمة العلمين والبيان الصادر عنها، جاءا في إطار التباحث والتنسيق المُستمر بين القادة العرب من أجل حث المجتمع الدولي على تحمل مسؤولياته لإجبار إسرائيل على الإلتزام بقرارات الشرعية الدولية واحترام ما وقعت عليه مع الجانب الفلسطيني.

إذاً، القادة العرب وفي مقدمهم القيادة السعودية أدركوا جيداً في هذه المرحلة الخطيرة الداهمة على القضية الفلسطينية، من خلال تهميشها ووضعها طي النسيان وخارج كل الطروح، في وقت تتصاعد فيه الإنتهاكات الاسرائيلية بحق الشعب الفلسطيني، أنهم أنتجوا حيوية جديدة بإعادة إعتبار القضية الفلسطينية لتشكل أولى أولوياتهم، وأن مستقبل العلاقات العربية مع الولايات المتحدة يتوقف على مدى ضغوطها تجاه إسرائيل لإحياء المفاوضات بشأن حلها على قاعدة الدولتين. فهذه الحيوية العربية الجديدة، تؤكد بصورة ثابتة وراسخة، في مغزاها وأهميتها، “مركزية القضية الفلسطينية”، بعد سنوات طويلة من غياب إستراتيجية عربية بشأنها.

شارك المقال