سنتان على مأساة التليل… الحقيقة غير مكتملة؟

عبدالرحمن قنديل

مرّت سنتان على إنفجار التليل في عكار، التي لم يكن هذا اليوم عادياً بالنسبة اليها والى أهلها الذين لطالما واجهوا تحديات إهمال الدولة وعزلها عن محيطها الجغرافي من دون معرفة الأسباب الحقيقية وراء هذا العزل الذي لطالما عانوا منه لسنوات طويلة كحال الشمال المهمل بسبب تراخي الدولة وابتعادها المتعمّد عنهم.

آثار الإنفجار لا تزال عالقة في ذاكرة العكاري الذي ذاق لوعة الأسى بكل معناها، اذ أودى بحياة 33 شخصاً وأصاب أكثر من مئة آخرين من مدنيين وعسكريين بحروق وجروح مختلفة حين توافد العشرات من القرى المجاورة إلى مبنى جورج رشيد في التليل حيث قيل لهم إن الجيش داهم مستودعات للوقود ويوزعها مجاناً، فتحلقوا حول ذاك الصهريج محاولين الحصول على بضع ليترات من البنزين، في ظل أزمة وقود خانقة عاشها اللبنانيون حينها من دون معرفتهم بأن هذا الخزان سيتحول إلى بلاء يكون ضحيّته التليل والقرى المجاورة في عكار.

تحلّ الذكرى الثانية للانفجار الذي ترك ندوباً وأزمات لدى أهالي الضحايا لا تزال تداعياتها مستمرة وكأنّه حصل بالأمس بالنسبة اليهم، فوجع فراق أبنائهم والحسرة على فقدانهم يلازمانهم ومشاهد المصابين والضحايا والدمار الهائل عالقة في أذهانهم، وهم ينتظرون حقهم في الوصول إلى الحقيقة على أمل أن تكون هناك دولة قانون تحكم بالعدل وبإستقلالية تامة عن “الوحل السياسي” بعيداً من دوامة التعطيل التي لم يسلم منها القضاء أيضاً من خلال إرجاء المحاكمات، بحيث باتت الخلاصة أن لا قانون نفذ ولا حتى محاكمات ليتحول القانون والمحاكمات إلى رهينة للتعطيل.

غالباً لا يذكر للعدالة في لبنان أنها حققت إنجازاً أو خرقاً في كشف ملابسات الجرائم والاغتيالات التي حصلت على مدى سنوات، فكان ينتهي الملف بعدها في “الجارور” ويمرّ عليه الزمن ليصبح قضية منسية في بلد ولّادٍ للأزمات والخضّات وترابط المسارات مع مسار الخلافات السياسية التي لطالما شكلت بوابة عبور لشبح التعطيل، وخير دليل ما حصل في مسار التحقيقات في جريمة إنفجار المرفأ.

جدد النائب وليد البعريني في حديث لـ “لبنان الكبير” مطالبته الملحة بضرورة كشف الحقيقة كاملة في هذا الملف “وهذا مطلب لن نتراجع عنه أبداً”، مشيراً الى أن “الملف في عهدة القضاء وكلنا ثقة بالمجلس العدلي، ونحن لا نتدخل في مسار التحقيقات حرصاً على استقلالية القضاء وإيماناً منا بهذا المبدأ، كما نرفض أي تدخل سياسي من أي طرف أو جهة في أي ملف قضائي”.

وقال: “كنواب عكار سبق أن سعينا من خلال مجلس النواب الى اقرار اعتبار كل من سقط جراء انفجار التليل شهيداً، ومنذ اليوم الأول ضغطنا ولا نزال للاسراع في التحقيقات وكشف الحقيقة، وبالطبع سنواصل هذا المسار بالضغط”.

وكشف أن “الحقيقة ليست مكتملة بعد على الرغم من مرور سنتين على هذا الانفجار الأليم، وحين نراجع في الموضوع نسمع اجابات بأن الواقع الراهن جراء الانهيار وبعض الأمور اللوجيستية هي التي تؤخره”.

وأكد البعريني أن “الدولة هي المرجع بالنسبة الينا وكلنا ثقة بأجهزتها، ولكن على هذه الأجهزة أن تكون على قدر المسؤولية في دورها، وفي أكثر من ملف رأينا أن الدولة قادرة على كشف الخيوط ومتابعة الملف للوصول الى النتائج النهائية، وهذا ما ننتظره في ملف التليل”.

وعلى الصعيد القضائي، أوضح نقيب المحامين السابق في طرابلس والشمال محمد المراد لـ “لبنان الكبير” أن الملف مرّ في ثلاث مراحل، الأولى عند وقوع المجزرة ومن ثم التحقيقات وبعدها المحكمة العسكرية، وبدأ الأهالي والمسؤولون بالمطالبة بتحويلها إلى المجلس العدلي.

وأضاف المراد: “ان المحقق العدلي القاضي علي عراجي أصدر القرار الإتهامي في تموز من العام الماضي بحق المتهمين والأظناء في هذا الملف وبعدها أحيل على هيئة المجلس العدلي”.

وكشف أن “أكثرية المتهمين استُجوبت ولم يبقَ سوى اثنين منهم فقط، وسيتم إستجوابهما في 29 أيلول المقبل، لافتاً إلى أن هذا الملف من الملفات الأسرع احالة على المجلس العدلي في التحقيق والمحاكمة وتقريباً أصبحت المحاكمة في قسمها الأخير والمحاكمة تجري على أساس قرار الإتهام”.

وتوقع أن يكون الحكم النهائي لهذا الملف، في السنة الثالثة من ذكرى الانفجار، معتبراً أن هذا الملف لم يأخذ أي طابع سياسي بل تقني والسرعة في المحاكمة والعقوبة العادلة هما من تنصفان حقوق الضحايا وأهاليهم.

شارك المقال