بين “الطاقة” و”المال”… “أنا أو لا أحد”

ساريا الجراح

التفاهم لا يزال يتأرجح بين “التيار الوطني الحر” و”حزب الله”، فالكوة الرئاسية التي يتمسّك بها الأخير تجسّدت من خلال ترشيح رئيس تيار “المردة” سليمان فرنجية للرئاسة ولو على حساب الفرقاء الآخرين، كما أنه يسعى جاهداً الى اقناع رئيس التيار جبران باسيل بالتقاطع معه على المرشح المطروح. وفي السياق نفسه، أطل باسيل في العشاء الخاص بالتيار في المتن الشمالي بخطاب دُرست كل عباراته بدقة شديدة، وأكد فيه أن “التيار لن يحمل ملليغراماً واحداً معكم من دون مقابل”. واختار سقف الخطاب العالي غارقاً في دهاليز سياسية واضحة “والمقابل هو رزمة القوانين الاصلاحية”، زاعماً أن “أي دعم تطلبونه منا نريد له مقابل ليس لجبران باسيل، ولا للتيار الوطني الحر بل للدولة اللبنانية”. كما أن المزايدات لم تنتهِ هنا، بل تعالى سقف الخطاب بين “التيار الوطني الحر” الممثل بوزارة الطاقة ووزارة المالية المحسوبة على حركة “أمل”.

ولا تستبعد مصادر مقرّبة من الطرفين لـ “لبنان الكبير” أن يكون صدى الجلسة النيابية التشريعية التي لم تنعقد الخميس الماضي هو الذي أحدث “تراكمات نرى ثمارها في النزاع الحالي بين الوزارتين على ملف الكهرباء والفيول، بالاضافة الى جفاف مياه العلاقة بين الرئيس نبيه بري وجبران باسيل”.

وعلى وقع البعد العدائي بين الحركة والتيار، ظهرت الى السطح فضيحة في ملف الكهرباء تتمثل في استيراد باخرة بقيمة 30 مليون دولار، مع العلم أنّ الخزانات مليئة بالفيول. والثابت أن الفيول العراقي المتوافر في لبنان يكفي لأكثر من شهر ونصف الشهر، وسيصل مطلع تشرين الثاني ما يقارب المليون ونصف المليون برميل من الفيول الصافي ومليون ونصف المليون من الفيول الخام. وفي وقت سابق، أكدت وزارة الطاقة والمياه في بيان، أن “لا استدامة في تنفيذ خطة الكهرباء وزيادة التغذية من دون استيراد الفيول، إضافة إلى الفيول العراقي”.

وفي هذا السياق، يؤكّد وزير الطاقة والمياه في حكومة تصريف الأعمال وليد فياض لـ”لبنان الكبير” أن “المناقصات التي تدور في فلك السياسة اليومي هي مناقصات شفافة حصلت تحت رعاية هيئة الشراء العام، وأن كل القرارات موثّقة وواضحة لمن أراد الاطّلاع عليها”، مشيراً الى أن “البواخر ليست اضافية بل هي جزء من الخطة الموافق عليها والمرصود لها اعتمادات في قرار مجلس الوزراء منذ كانون الثاني ٢.٢٣”.

ويقول فياض: “الفيول العراقي وحده غير كافٍ، لكنني أعمل جاهداً لاتمام العقدين التجاريين ليصبح كافياً، الا أن هذه الخطوة ليست مضمونة حتّى توقيع العقود وتنفيذها. كما أن الهدف من كل هذا هو زيادة التغذية الى أقصى امكانية وتوفير كهرباء لساعات أطول للناس ليقلّصوا أكثر ما يكون اعتمادهم على المولدات الخاصة التي تعطيهم كهرباء أغلى بكثير من كهرباء لبنان (٢٦ سنتاً الكيلوات، أما ساعة من كهرباء لبنان فيقابلها معدل ٤٢ سنتاً للمولد الخاص)”.

ويشدد المكتب الاعلامي لوزارة المالية في حديث لـ”لبنان الكبير” على أنهم كوزارة مالية قاموا بما توجّب عليهم القيام به وكانوا الى جانب وزارة الطاقة دائماً، كما أنهم أحالوا معاملة فتح اعتماد مستندي في مطلع الاسبوع بمبلغ قدره 58,877,946 مليون دولار أميركي لصالح شركةCoral Energy Dmcc منذ مطلع الأسبوع ولم يحصل أي تأخير في ذلك، موضحاً أن الكشف عن سبب التأخير ليس بحوزتهم، “ولو سلّطوا الضوء على المعنيين بصورة مباشرة لكان أفضل بكثير”.

ويقول عضو كتلة “التنمية والتحرير” النائب قبلان قبلان: “منذ الأزمة المالية جرى تقنين لاستيراد البواخر، ومنذ أكثر من شهر أعلن نائب الحاكم الأول وسيم منصوري أنه لن يستمر في دفع الأموال كما كان يجري سابقاّ، معتقداً أنها محاولة مكشوفة لوضع الجميع أمام حائط يا بتدفعوا يا أما العتمة الشاملة، والهدف من هذا هو إخفاء عجز الوزارة بالعتمة وتحميل المسؤولية للآخرين بينما الواقع معاكس تماماً فالوزارة عاجزة والمؤسسة فاشلة في ادارة القطاع”.

ويتساءل قبلان: “لماذا لا نستورد بالبواخر ونحن نعلم أن الواقع المالي صعب وخصوصاً بعد اعلان الحاكم بالوكالة عن تغيير المنهج المتبع بالتمويل من المصرف المركزي؟ ولماذا هذا القرار غير المسبوق وتحديداً بعد الاعلان عن عشرات المليارات من الدولارات التي استهلكتها الوزارة استناداً الى ملف التحقيق والتدقيق في حسابات المصرف المركزي؟ ولماذا بعد الحصول على الفيول من العراق الشقيق وبعد اعتماد اللبنانيين على الطاقة الشمسية بأكثر من مليار دولار ولماذا ولماذا؟”.

“أعتقد أن البعض يفتعل مشكلة ليبرر العجز في الوزارة ومؤسساتها”، بحسب قبلان، مبشّراً اللبنانيين بالعتمة الشاملة. ويرى أن “استباق الأمور هدفه رمي المسؤولية على الآخرين خصوصاً وأننا نعلم أن وزارة المالية عاجزة عن تأمين أقل من المبلغ المطلوب”، معتبراً أن “الأوان آن لفتح ملف الوزارة ووقف الاستنزاف المفتوح للخزينة”.

وينبّه قبلان على أن “هناك من يعمل للعتمة الشاملة توازياً مع العتمة السياسية وتعطيل الحكومة ومجلس النواب وإفراغ المؤسسات المالية والادارية والأمنية وتعطيل كل شيء في البلد لغايات استرئاسية”.

بين الملفات العالقة في أدراج الوزارة والجلسات السرية التي يتعمّد النواب اخفاءها، يقف المواطن عالقاً بين تسديد الضرائب والهلع من تصريحات لا تعود على اللبنانيين الا “بالضرر”. واليوم يطلّ علينا نوّاب الأمة ليبشروننا بأننا على طريق “العتمة الشاملة”.

شارك المقال