بغياب خطة حكومية متكاملة… الاهراءات تطلب نجدة التمويل

عبدالرحمن قنديل

حذّرت نقابات الأفران في لبنان، من “كارثة قد تحصل في قطاع الأفران والمخابز في حال تعرضت حركة الاستيراد في البحر الأسود الى فوضى أمنية وعسكرية بسبب الحرب الروسية – الأوكرانية، لأن لبنان لا يملك مخزوناً من القمح والحبوب لأكثر من شهرين ونصف الشهر، وذلك بسبب فقدان الاهراءات في الرابع من آب اثر الانفجار القديم الذي ضرب مدينة بيروت والمرفأ”. وطالبت رئيسي حكومة تصريف الأعمال ومجلس النواب ووزير الاقتصاد والأحزاب والزعامات السياسية، وكل من يعمل في الشأن العام بـ “التحرك سريعاً لاحتواء الكارثة التي تنتظر الشعب اللبناني”.

هذا التحذير جاء غداة الجدل الذي أثارته “شخطة القلم” التي تفوّه بها وزير الاقتصاد في حكومة تصريف الأعمال أمين سلام حين طالب دولة الكويت بإعادة بناء صوامع الحبوب في مرفأ بيروت، معتبراً أن قرار إعادة تمويل هذه الصوامع يمكن أن يتّخذ “بشخطة قلم” من دون معرفة أبعاد ما يمكن أن تتسبب به من مشكلات بين لبنان ودولة الكويت الشقيقة.

عقب إنفجار الرابع من آب المشؤوم، أجمع المراقبون والمهندسون على أن إهراءات القمح التي كانت ترتفع شامخة في قلب المرفأ حمت بيروت وأهلها من الزلزال المدمر الذي ضرب أجزاء منها، هذه العنابر الخرسانية المكونة من الاسمنت المسلح قاومت الإنفجار ووجهته بغالبية عصفه التدميري نحو البحر، ما ساهم في خفض الأضرار الى حد كبير، على الرغم من فداحة ما حل بالعديد من الأحياء البيروتية التراثية المجاورة للمرفأ، بدءأ من الصيفي صعوداً نحو الجميزة فالأشرفية. وبقي مبنى الإهراءات المتصدّع واقفاً على الرغم من الدمار، وإستطاع أن يمتص جزءاً كبيراً من ضغط الإنفجار الكارثي.

تضم الاهراءات 48 مخزناً كبيراً، يستوعب كل منها 2500 طن، و50 مخزناً صغيراً يستوعب كل منها حوالي 600 طن، وهي تخزّن ما نسبته 85% من حبوب لبنان وقمحه. وتناثرت الكميات التي كانت موجودة بأكملها وتلوثّت بالحريق والمواد الكيماوية، إلّا أن سوء الأزمة المالية التي يعاني منها لبنان كانت سبباً مهماً في عدم تخزين كميات كبيرة يوم حصول الانفجار، بحيث قُدرت الكمية الموجودة حينها بـ15 ألف طن فقط لحسن الحظ.

وفي لمحة تاريخية، فان عملية تخزين الحبوب والقمح في المرفأ ليست جديدة، وتعود الى عشرات السنين قبل بناء الاهراءات، وتحديداً في العام 1948، إلّا أنها كانت تتم عبر مخازن خشبية أو بلاستيكية، ما كان يسبب تلف المواد المخزنة لإرتفاع نسبة الرطوبة عند مستوى الشاطئ وفي المدينة، كما يعرضها لامكان دخول القوارض والحشرات والفتك بالحبوب المخزنة.

والآن ما مصير تلك الاهراءات بعدما دقت نقابات الأفران ناقوس الخطر وكثر الحديث و”الشحادة” حول ضرورة إعمارها في ظل الخطر الذي يهدد لبنان بين الحين والآخر؟

الخبير الاقتصادي نسيب غبريل أشار في حديث لـ”لبنان الكبير” الى أن “إهراءات المرفأ بحاجة إلى إعادة إعمار، وحتى هذه اللحظة ليست هناك أي إرادة سياسية أو حتى إجراء عملي يتعلق بهذا الموضوع بسبب الأولويات الحكومية وهي في مكان آخر، ومن الواضح أن مصير الاهراءات مرتبط بشكل أو بآخر بنتائج التحقيق في جريمة إنفجار مرفأ بيروت بالاضافة إلى عدم سماح الرأي العام بإعادة إعمارها إذا لم تكن هناك نتيجة ملموسة للتحقيق”.

ولفت الى أن “المشكلة الحقيقية تتعلق بغياب أي خطة حكومية متكاملة ليس لإعادة إعمار الإهراءات وحسب، إنما لإعادة إعمار المرفأ ككل بغض النظر عن موضوع مساعدات الدول الصديقة في هذا الشأن على الرغم من عمل بعض الحاويات وإعطاء عقد لاحدى الشركات لتدير المرفأ”.

وقال غبريل: “على الرغم من الحرب الروسية – الأوكرانية، لا يزال لبنان يستورد بغض النظر عن إرتفاع الأسعار السنة الماضية والاتفاق الذي حدث في موضوع القمح. ومن غير الواضح كمية الاستيعاب في حال إستيراد كميات كبيرة من القمح إلى مستقبل طويل الأجل اذا إنقطع مخزونه جراء توقف الاتفاق الذي كان ساري المفعول حتى حزيران، ولكن هناك عمل لتجديده”.

وأكد أن “الموضوع لا يحتمل إنتظار إعادة إعمار الإهراءات من أجل إجراءات إستباقية للمعالجة لأن إعادة إعمارها لن تكون بكبسة زر، ولكن هل هناك مطارح بديلة لتخزين القمح أو كافية كالبنى التحتية أو الخزانات بصورة كافية لاستيعاب المخزون خارج حدود المرفأ؟ وما هو إمكان بنائها بسرعة؟”، متسائلاً عن مصادر التمويل في ظل الأوضاع الاقتصادية الراهنة.

وعن امكان جهوزية التمويل من الخارج في ظل الأزمات، رأى غبريل أن “على لبنان اتخاذ اجراءت بطلب رسمي من مصادر الاتفاق النهائي المتّفق توقيعه مع صندوق النقد الدولي ليبدأ بتحرير الأموال تدريجاً للجهات الأخرى مثلاً الشركات المتعددة الأطراف أو أصدقاء أو صناديق تنمية وغيرها يتوجب عليها تزويد الدولة اللبنانية بما تيسّر”.

وأوضح أستاذ الاقتصاد في الجامعة اللبنانية البروفيسور جاسم عجاقة في حديث لـ “لبنان الكبير”، أن “ثقافتنا العربية الأساسية تعتمد بصورة كبيرة على أكل الخبز الذي يشكل عنصراً أساسياً للتغذية في هذه البلدان”، مشيراً إلى أن وجود الاهراءات هو لحفظ الأمن الغذائي. وكشف أن “50% من السعرات الحرارية التي نستحصل عليها يوميّاً في بلداننا العربية هي بسبب الخبز، لهذا السبب الخبز والقمح ضرورة”.

وأشار عجاقة الى أن تدمير الاهراءات بسبب إنفجار مرفأ بيروت “كان أمراً سيئاً وضرب الأمن الغذائي من أساسه”، معتبراً أن سبب عدم إعادة إعمار الاهراءات سياسي وليس إقتصادياً.

وقال: “منذ بداية الحرب الروسية – الأوكرانية في شباط 2022 أصبح هناك ضرر كبير على واردات القمح إلى لبنان وشمال إفريقيا والمنطقة الخليجية أيضاً بمعظمها بإعتبارها جغرافيّاً أقرب إلى روسيا وأوكرانيا، فكانت معظم الصادرات تذهب إلى هذه البلدان من خلال نسبة تعلقها بالقمح الروسي والأوكراني وهي نسبة كبيرة. في لبنان قبل الأزمة كانت نسبة الاستيراد من القمح تشكل 60%، ولكن بسبب توقف إتفاقية نقل الحبوب التي أقرت منذ شهرين لم تعد هناك قدرة على إستيراد القمح كما جرت العادة وهذا ما يسبب للبنان أزمة كبيرة لأن المخزون الوحيد للقمح هو الموجود في المطاحن”.

ورأى أن هناك تخبطاً كبيراً من الدولة على هذا الصعيد، معرباً عن اعتقاده أن “صرخة نقابة الأفران هي صرخة محقّة بسبب هبوط المخزون لديها تدريجاً وهذا ما سيشكل صعوبة للصمود في الأيام المقبلة، ويؤكد ضرورة بناء الاهراءات سريعاً”.

وعن إعادة بناء الاهراءات، اعتبر عجاقة، أن “هذا الأمر ليس سهلاً، من دون إجراء إصلاحات جديّة لا بناء ولا إستثمارات ولا أي مساعدات مالية يمكن أن تحدث وهذا ما يشكل صعوبة في موضوع إعادة بناء الاهراءات من دون استثمارات خارجيّة، وهذا ما عقد الأمور خلال الأزمة الأخيرة الذي شهدها لبنان مع دولة الكويت”.

وأكد أن “لا خطة بديلة لدى الحكومة، وكل ما بإستطاعة لبنان فعله هو التعاون مع برنامج الأمم المتحدة للتغذية لتأمين ما يمكن تأمينه ودول كالولايات المتحدة الأميركية وأوروبا وأستراليا لنرى ما إذا كانت ستعطي لبنان قمحاً وبأسعار مخفضة لمساعدة اللبنانيين”.

الاهراءات التي شهدت على انفجار الرابع من آب، تحتاج اليوم الى من يعيرها اهتمامه، ففي ضوضاء اختفاء العدالة والتحقيقات “لا عين رأت ولا أذن سمعت”.

شارك المقال