الرئيس اللبناني في البيت الأبيض!

عاصم عبد الرحمن

تعددت المبادرات الرئاسية، من مبادرة النائب غسان سكاف إلى مبادرة النائب الياس بو صعب مروراً بخلوة بكركي وآخرها حوار “حزب الله” – “التيار الوطني الحر” بصورة متوازية مع المبادرة الفرنسية بإصداراتها التجريبية المتعددة والتي يفترض أنها منسقة مع دول الخماسية، والنتيجة واحدة فشلٌ في إحداث أي خرق في جدار الأزمة السياسية المتصلب، فمن يملك كلمة السر الرئاسية؟

عندما يوصف الشعب اللبناني بـ “العظيم” فلا شك في أنه يستحق هذا التوصيف، وعلى الرغم من سقوطه تحت ركام إحدى أسوأ أزمات التاريخ الحديث على الصعد الاقتصادية والمالية وغيرها وما طاولته من انهيارات شاملة في القطاعات الحياتية كافة، فقد استطاع أن ينزع عنه الكثير من غبار الانهيار وتمكن من تسيير حياته فوق أنقاض ما تبقى من مقومات دولة تصارع ببعض من أبنائها المقيم والمغترب والقليل من الغيارى على سويسرا الشرق.

خسر اللبنانيون ودائعهم في المصارف فاستعاضوا عنها بتحويلات أبنائهم المغتربين، انهارت الرواتب بالعملة الوطنية فتقلدوا وظائف لحساب شركات عربية أو أجنبية وأدخلوا الدولار الطازج إلى البلاد، انهارت المؤسسات التجارية فانتقلت بطواقمها إلى الخليج ودول أخرى، أطفئت معامل الكهرباء فاحتلت الألواح الشمسية أسطح المنازل التي أضيئت بإرادة لبنانية تأبى الموت مهما كان الثمن.

وعلى الرغم من تمكن اللبنانيين من تدبر أمورهم بما تيسر إلا أنهم يخسرون الكثير من الأدمغة التي أرغمتها الأزمة اللبنانية على الهجرة بحثاً عن فرصة حياة في مكان آخر. في سياق متصل يقول نائب تغييري لـ “لبنان الكبير”: “إن قدرة اللبنانيين على التعايش مع الأزمات الاقتصادية والمالية والتأقلم مع الفراغ الإداري والشغور السياسي والدستوري تُمكِّن مخفراً لقوى الأمن الداخلي من حكم البلاد وتسيير شؤونها وهو ما يثير الريبة من عدم السعي الى إيجاد الحلول الجذرية لمشكلاتنا المستفحلة أو السير بما وُجد من تسويات ترقيعية قد لا تشكل خلاصاً نهائياً للبنان”.

أما الشغور الأبرز والذي يتحور يوماً بعد يوم إلى أوبئة متعددة تضرب مختلف المؤسسات السياسية والدستورية والمرافق العامة فهو “الشغور الرئاسي” الذي يشكل علاجه باللقاحات الوطنية أولاً ثم العربية والدولية ثانياً مدخلاً لشفاء معظم الأمراض السياسية التي تضرب عمق لبنان، ولكن لا بأس فقدرة اللبنانيين تتمثل في تقبل، عند كل استحقاق، أخذ المسكنات التي لا تستأصل المشكلة إنما تهدئها مؤقتاً. انتهت ولاية الرئيس فحلت حكومة تصريف الأعمال مكانه، انتهت ولاية المدير العام للأمن العام فحلَّ الوكيل وكذلك الأمر بالنسبة الى حاكمية مصرف لبنان وحبل التوكيل مستمر على جرار شغور الأصيل، إلا أن لقاح الوطنية الذي تجرّعه نواب الأمة لا يزال فعالاً، إذ تمثلت فعاليته بمحاربة جرثومة الاعتداء الفرنسي على السيادة الوطنية والقرار الحر عبر رسالة المبعوث الرئاسي جان إيف لودريان.

وفي هذا السياق، يقول رئيس تكتل نيابي لـ “لبنان الكبير”: “إن الشغور الرئاسي مستمر حتى إشعار آخر فلا أيلول حاسم ولا عقوبات أوروبية منتجة ولا مبادرات مؤثرة منتظرة ولا حراك داخلي فاعل بانتظار كلمة السر الرئاسية التي يُفك لغزها فقط في البيت الأبيض على وقع ما ستؤول إليه الأنشطة النفطية الجارية والمناكفات المتنقلة بين حزب الله والعدو الإسرائيلي”.

ويضيف المرجع نفسه: “فرنسا المطرودة من إفريقيا لن تنجح في لبنان مهما بلغت التحديات، لا بل يفترض بنا معاينة السفارة الأميركية الجديدة في لبنان فبناؤها الضخم يعبّر عن دورها المستقبلي وهو غرفة عمليات للشرق الأوسط وأي رئيس لبناني جديد لن يكون بمنأى عن هذا الدور بانتظار ما سيبحثه الأميركيون مع الإيرانيين في هذا الخصوص”.

اعتاد اللبنانيون إطالة أمد الشغور الرئاسي الذي أصبح عرفاً إثر تكراره مرتين متتاليتين وأكثر وفق التعريف الدستوري للعرف، وتحت شعار “عادي” تستمر الحياة وتستكمل الصراعات وتتفاقم الأزمات ويتابع السياسيون اللعب على حافة الهاوية من دون رقيب شعبي أو حسيب دولي، وحده التاريخ سينصف الشعب اللبناني حين يرمي بسياسييه في مزابل اللعنة الأبدية.

شارك المقال