التجديد لـ “اليونيفيل” تراضياً بقرار توازني متشدد

زياد سامي عيتاني

على الرغم من أجواء الانتصار الديبلوماسي، التي يحاول لبنان الايحاء بها بشأن الصيغة التسووية التي أقرها مجلس الأمن، فإن مضمونها الذي اعتمد، شدد على حرية حركة “اليونيفيل” في نطاق عملها، بعد إرجاء التصويت الذي كان مقرراً أساساً الأربعاء، لإفساح المجال أمام مواصلة المفاوضات الخميس قبل ساعات من انتهاء تفويض هذه القوة التي شكلت في العام 1978. فلبنان الرسمي، وكذلك “حزب الله” إعتبرا أن الصيغة التي اعتمدت هي صيغة “متوازنة”، بعد التعديلات التي أدخلت عليها، علماً أن المتمعن والمدقق في تفاصيل مضمون القرار الصادر عن مجلس الأمن ولهجته، لا يحتاج إلى عناء، للتأكد من علو سقف القرار وصياغته بعبارات قاسية، من دون أن تخرج عن اللهجة الديبلوماسية، واتهم ضمناً الجانب اللبناني “بشقيه” من دون تسميته بعرقلة عمل “اليونيفيل”، إضافة إلى مطالبة الحكومة اللبنانية بتحمل مسؤولياتها! في حين أن القرار لم يأتِ على ذكر مئات الخروق الاسرائيلية براً وجواً وبحراً، على الرغم من أنها موثقة بصورة دقيقة من “اليونيفيل” نفسها!

إذاً، اعتمد مجلس الأمن النص الذي صاغته فرنسا بتصويت من 13 دولة لصالحه وامتناع روسيا والصين عن التصويت، إذ أضافت مواد تنص على أن قوات حفظ السلام يجب أن تنسق مع “الحكومة اللبنانية”، وحذفت النص الوارد في قرار مجلس الأمن العام الماضي الذي يطالب جميع الأطراف بالسماح “بدوريات معلن وغير معلن عنها” لقوات الأمم المتحدة. وقد مدد القرار الذي اعتمد “تفويض اليونيفيل حتى 31 آب 2024″، مستعيداً في جزء كبير منه صياغة اعتمدت قبل عام حول حرية تنقل عديد هذه القوة البالغ نحو 10 آلاف جندي.

ودعا القرار كل الأطراف إلى “ضمان احترام حرية تنقل اليونيفيل في كل عملياتها وحرية وصولها إلى الخط الأزرق وعدم عرقلتها”. وأكد أن “اليونيفيل لا تحتاج إلى تصريح أو إذن مسبق للقيام بمهام تفويضها، ويسمح لها بتأدية عملياتها بشكل مستقل”، مشدداً في المقابل، على ضرورة “التنسيق مع حكومة لبنان”. كذلك، دان “بأشد العبارات جميع محاولات منع الوصول أو تقييد حرية الحركة لأفراد اليونيفيل وجميع الهجمات على أفرادها ومعداتها وكذلك أعمال المضايقة والترهيب التي يتعرض لها أفرادها وحملات التضليل ضدها”. كما حض الحكومة اللبنانية على “تسهيل وصول اليونيفيل الفوري والكامل إلى المواقع التي طلبتها لغرض التحقيق السريع، بما في ذلك جميع المواقع ذات الأهمية، وجميع المواقع ذات الصلة شمال الخط الأزرق المتعلقة باكتشاف الأنفاق التي تعبر الخط الأزرق والتي أبلغت قوة الأمم المتحدة المؤقتة في لبنان عن انتهاكها للقرار 1701 (2006)، ونطاقات إطلاق النار غير المصرح بها بما يتماشى مع القرار 1701، مع احترام السيادة اللبنانية”. المناخات التي سبقت صدور القرار، كانت توحي بحتمية منح حرية الحركة لـ “اليونيفيل”، على الرغم من الموقف اللبناني الرسمي وموقف “حزب الله” الرافضين، فقط على سبيل “تسجيل موقف”، خصوصاً وأن الأمين العام للحزب حسن نصر الله أكد أنه سيبقى “حبراً على ورق”، لمعرفته وتأكده من أن أي دولة من الدول المشاركة في هذه القوات ليست على إستعداد للمخاطرة بأفرادها. وهذا ما يطرح السؤال عن سبب إصرار الولايات المتحدة والمجتمع الدولي وتمسكهما بهذه الصيغة للسنة الثانية على التوالي مع معرفتهما المسبقة بطبيعة الأرض وقدرات “حزب” الله فيها، ما يحول دون اطلاق يد “اليونيفيل” في عملها، من دون مراعاتها وتقيدها بقواعد الانضباط الأمنية الموضوعة من الحزب، الذي ينسق على أعلى المستويات مع الجيش اللبناني في الجنوب؟

للاجابة عن هذا السؤال، يرى المتابعون أن لجوء الدول الكبرى إلى إدخال تعديل جذري في صيغة قرار التمديد لـ “اليونيفيل” العام الماضي، هو بداية تمهيدية يؤسس عليها مستقبلاً، بما ينسجم ويتماهى مع التحولات المرتقبة في المنطقة بأسرها، عندما تنضج التسويات الكبرى، خصوصاً وأن التفاهمات التي حصلت تندرج في سياق الاعداد لها. لذلك، فإن مضمون قرار مجلس الأمن ليس للتنفيذ الفوري، بل ان ذلك مؤجل الى حين تهيؤ الأرضية السياسية له.

شارك المقال