رسائل سياسية قاسية لجعجع وقصف مركّز لـ”الحوار”!

جورج حايك
جورج حايك

لم يكن متوقعاً أن تكون كلمة رئيس حزب “القوات اللبنانية” سمير جعجع في ذكرى شهداء المقاومة اللبنانية هذه السنة في معراب تحت شعار “لتبقى لنا الحرية”، ناعمة وسلسة، لأن توقيتها جاء في مرحلة حساسة يشتد فيها الصراع حول الاستحقاق الرئاسي المعطّل منذ سنة تقريباً، وكما كان متوقعاً تضمنت الكلمة رسائل سياسية حازمة وصارمة في مواجهة الفريق الممانع وفي مقدمه “حزب الله”.

ولا شك في أن مشهدية معراب في هذه المناسبة السنوية شكّلت رسالة بحد ذاتها، إذ جمعت أكثرية قوى المعارضة من “الكتائب” و”الوطنيين الأحرار”، مروراً بالشخصيات السيادية والمستقلة المسيحية والاسلامية، وصولاً إلى مسؤولين مدنيين وعسكريين وروحيين، وهذا يدل على محورية هذا الحدث الذي تحرص “القوات” فيه أولاً وأخيراً على مبادلة شهدائها الذين تعتبر أنهم استشهدوا من أجل “القضية اللبنانية”، الوفاء، مع كل الطقوس التكريمية المعتادة.

مع ذلك، تبقى كلمة جعجع المتخمة بالمواقف السياسية هي الحدث المنتظر، وقد اتسّمت بكل معاني المواجهة وتضمنت خمس رسائل أساسية:

– الرسالة الأولى مضبطة اتهام سياسية كاملة لـ”حزب الله” عبر تحميله المسؤولية عن كل الاغتيالات، بدءاً من الرئيس رفيق الحريري وصولاً إلى إبن عين ابل القيادي “القواتي” الياس الحصروني. ولم يكتف بذلك، انما حمّل “الحزب” مسؤولية الانهيار التام الشامل الذي نعيشه واتهمه بالفساد الى حد افلاس كل بيت ومؤسسة في لبنان. وبالتالي كشف جعجع عن عزم “القوات” على الإستمرار في مواجهة مشروع “الحزب” من دون هوادة ومهما كان الثمن، والسلاح الوحيد هو “الصمود” وعدم الرضوخ لوسائل الترغيب والترهيب التي يمارسها.

– الرسالة الثانية كانت بإتجاه مبادرة الرئيس نبيه بري الذي دعا إلى حوار لفترة معينة تعقبه جلسات مفتوحة لإنتخاب الرئيس، إلا أن موقف جعجع كان حاسماً: لا كبيرة للحوار مع الطرف الاَخر، والطريق الوحيد الذي حدده رئيس “القوات” هو أن يفتح بري أبواب مجلس النواب وأن يذهب فوراً الى انتخاب رئيس في جلسات مفتوحة متتالية. وبذلك، يكون جعجع قد نسف مبادرة بري، على الرغم من أن بعضاً من المعارضين للحوار بدوا مترددين أمام مبادرة رئيس مجلس النواب، وقد تكون مهمة جعجع غير سهلة في إقناع هذا “البعض” بعدم الرضوخ لهذا الفخ، كما تصفه “القوات” وخصوصاً أنها تعتبر اصرار جبهة “الممانعة” على الحوار محاولة لتكريس عرف جديد يسبق كل الاستحقاقات الديموقراطية الدستورية!

واللافت ان موقف جعجع العالي النبرة جاء مناقضاً لموقف البطريرك الماروني مار بشارة بطرس الراعي الذي دعا في عظته امس الى الاستجابة لدعوة الحوار من دون شروط، وهذا ما سيستلزم من جعجع إرسال أحد نوابه للتفاهم والتنسيق مع البطريرك الذي قدّم “باس” لبري و”الحزب” وربما باسيل خلفهما. ولا بد من أن تتضح الصورة أكثر في الأيام المقبلة لأن المواقف لا تزال ساخنة وقد تشهد بعض التبدلات في النظرة إلى الحوار.

– الرسالة الثالثة لجعجع كانت بإتجاه فرنسا وتحديداً الموفد الفرنسي جان ايف لودريان الذي يزور لبنان أواخر الشهر الجاري، ولم يسمّه بالاسم، إذ استغرب أداءه في الملف الرئاسي، بل انتقده بقسوة، وربما دق جعجع المسمار الأخير في نعش مبادرة لودريان الذي باتت مهمته صعبة في ظل رفض غالبية فريق المعارضة لأي حوار مع الطرف “الممانع”. ويبدو واضحاً أن جعجع غير مرتاح لتحرّك فرنسا، بل يفضّل نزع هذا الملف من يدها، ليتسلّمه وفد مشترك من اللجنة الخماسية التي حددت شروطاً تتلاءم مع رؤية “القوات” للاستحقاق الرئاسي بعيداً عن مصالح فرنسا ورئيسها ايمانويل ماكرون.

– الرسالة الرابعة وجهها جعجع الى النواب الرماديين الذين لم يتخذوا موقفاً واضحاً من انتخابات الرئاسة، وخصوصاً بعض النواب التغييريين وبعض نواب “الاعتدال الوطني” وكل من لا يزال ينتظر إشارة خارجية، وتغريه شعارات الحوار المشبوهة التي يطلقها الثنائي الشيعي، وهي ليست سوى قناع، وقد وصفها جعجع بدقة معتبراً “الحزب” الديب الذي يتنكّر بزي “الستّ الختيارة وعيّط للفتاة على أساس يحكي معا، بالوقت يللي كان عم بيحضّر حالو بالفعل تياكلا”. فالمرحلة برأي جعجع لا تقبل المساومة والمواقف الرمادية، ومن الواضح أن “القوات” تريد جمع أكبر قدر من النواب المعترضين على الحوار للاستمرار في المواجهة، معرّياً كل من يتقاعس أمام الرأي العام.

– الرسالة الخامسة والأخيرة كانت لرئيس “التيار الوطني الحر” جبران باسيل، إذ حذّره من أن يعقد صفقة جديدة مع “حزب الله”، على غرار صفقة مار مخايل، معتبراً أن مثل هذه الصفقة اذا تمت، ستؤدي الى محو لبنان من الوجود. هكذا يكون جعجع قد وضع باسيل أمام محاسبة الرأي العام المسيحي، كاشفاً أنه يطرح عناوين كبيرة وبراقة مثل اللامركزية الموسّعة والصندوق الائتماني، إلا أن هدفه المصلحة الشخصية! ومن المتوقع أن تكون هناك ردود لنواب “التيار” على جعجع في الساعات المقبلة.

يبدو أن جعجع في كلامه عن الصمود في مواجهة “الحزب” يعتمد أيضاً النفس الطويل، وإذا لم يتراجع “الحزب” وينزل عن شجرة شروط “الحوار” ومرشحه الرئاسي سليمان فرنجية، سيكون لبنان أمام أزمة نظام لا أزمة رئاسة، بل قد تكون أزمة وجود، وقد تُفسح هذه الأزمات المجال أكثر لتدخل عواصم القرار في الشأن اللبناني بسبب عجز اللبنانيين عن الاتفاق، أو توخياً للدقة بسبب تمسّك فريق الممانعة بشروط تعجيزية أقلّها فرض مخالفة الدستور وعدم الذهاب الى إنتخاب رئيس جمهورية وفق الآليات الدستورية الديموقراطية.

كلمة سمير جعجع ستبقى عرضة لتفاعل القوى السياسية سلباً أو ايجاباً طوال هذا الأسبوع، وسترخي بظلالها على الأجواء السياسية المتوترة أصلاً.

شارك المقال