البطريرك والحوار… تحوير للموقف بنوايا سيئة تستهدف المعارضة المسيحية؟

هيام طوق
هيام طوق

أيلول 2023 سيحفر في ذاكرة اللبنانيين لأنه يُعوّل على أيامه الثلاثين أن تحدث خرقاً في الملف الرئاسي أو تحمل في غلتها السياسية اسماً يكون رئيساً جديداً للجمهورية على عكس الأشهر العشرة السابقة التي كانت قاحلة، والحركة التي شهدتها ولم تؤدّ الى أي بركة، خصوصاً أن هذا الشهر تتخلله مبادرة دعا اليها رئيس مجلس النواب نبيه بري تتمحور حول حوار على مدى سبعة أيام، للدخول بعدها في جلسات نيابية مفتوحة لانتخاب رئيس، كما هناك انتظار لعودة الموفد الرئاسي الفرنسي جان إيف لودريان بعد أيام قليلة عله يحمل جديداً أكثر واقعية وفق أحد نواب المعارضة، لكن كل الأجواء تشير الى أن هناك صعوبة في الوصول الى نتيجة ايجابية مع العلم أن وجهة لودريان المقبلة ستكون السعودية لتسلّم مهمته كرئيس لوكالة التنمية الفرنسية في العلا، ومن غير المعلوم عندها أين سيكون لبنان في لائحة أولوياته.

على أي حال، وبغض النظر عن المواقف من الدعوة الى الحوار التي وجهها الرئيس بري، أشارت مصادر مطلعة لـ “لبنان الكبير” الى أنه أراد تلبية مطلبي فريق الموالاة وفريق المعارضة أي الجمع بين الحوار والدورات المتتالية لانتخاب رئيس للجمهورية للخروج من المأزق. وبعيداً من التحليلات والقراءات التي اعتبرت أن المبادرة تنسف طروح لودريان أو هي خطوة استباقية التفافية عليها بعد الموقف السلبي للرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون من إيران ما دفعها الى سحب “البساط من تحت أقدام باريس” حتى أن البعض يتحدث حالياً عن بروز دور قطري مهم في المرحلة المقبلة ليحل ربما محل الدور الفرنسي على الرغم من أن لا مبادرة قطرية حالياً انما أرجحية كبيرة لدخول قطر على الخط وبقوة أو كلاعب أساس في الاستحقاق الرئاسي، وفي انتظار ما ستحمله الايام القليلة المقبلة، برز موقف لافت للبطريرك الماروني الكاردينال بشارة بطرس الراعي خلال عظة الأحد أيّد فيه مبادرة بري الحوارية، معتبراً أن “الحوار الذي دُعيَ إليه نوّاب الأمّة، إذا حصل على الرغم من التجاذبات بين القبول والرفض، إنّما يقتضي أوّلاً، المجيء إليه بدون أحكام مسبقة وإرادة فرض أفكارهم ومشاريعهم ووجهة نظرهم من دون أي إعتبار للآخرين. ويقتضي ثانياً، روح التجرّد من المصالح الشخصيّة والفئويّة. ويقتضي ثالثاً، اعتماد الدستور واعتباره الطريق الوحيد الواجب سلوكه. ويقتضي رابعاً، الصراحة والإقرار بالأخطاء الشخصيّة والبحث عن الحقيقة الموضوعيّة التي تحرّر وتوحّد”.

وجاء الرد بعد ساعات من رئيس حزب “القوات اللبنانية” سمير جعجع الذي شنّ هجوماً على “فريق الممانعة” والدعوة الى الحوار، قائلاً: “يدعونك الى الحوار ليخنقوك ويقتلوك ويجبروك كي تفعل ما يريدون”. كما أجرى اتصالاً هاتفياً أمس بالبطريرك، وتداولا في آخر مستجدات الوضع العام في لبنان وخصوصاً ملف انتخابات رئاسة الجمهوريّة. أما رئيس حزب “الكتائب اللبنانية” النائب سامي الجميل، فسأل: “هل آتي إلى الحوار كخروف ذاهب إلى الذبح؟”.

إذاً، بعد أن كانت مواقف البطريرك الراعي تتقاطع مع قوى المعارضة في رفض الحوار حول الاستحقاق الرئاسي، ولطالما دعا النواب الى التوجه الى البرلمان، وانتخاب الرئيس وفق الآلية الدستورية، وقال في إحدى عظاته: “لا أحد يفهم لماذا بُتِرَت جلسة حزيران الانتخابيّة بمخالفة المادّة 49 من الدستور، والحوار الحقيقي والفاعل هو التّصويت في مجلس النواب لانتخاب رئيس”، لا بد من التساؤل: لماذا أيّد البطريرك دعوة بري الى الحوار بعدما كان يعتبر أن مسار الاستحقاق الرئاسي واضح في الدستور؟ وهل غيّر موقفه أو أنه يُفسر بصورة خاطئة خصوصاً أنه اشترط المجيء الى الحوار من دون أحكام مسبقة وإرادة فرض النواب أفكارهم ومشاريعهم ووجهة نظرهم من دون أي إعتبار للآخرين، وهذا ما تعتبره قوى المعارضة غير متوافر في ظل الاصرار على ترشيح رئيس تيار “المردة” سليمان فرنجية

اعتبر النائب الياس اسطفان أن “البعض وقع ضحية الصحافة الصفراء التي حاولت إظهار البطريرك وكأنه أصبح يؤيد الحوار مع أن حديثه واضح جداً أنه ضد أي حوار، وعظته يوم الأحد الماضي شددت على تطبيق الدستور في الدرجة الأولى، واذا عقد أي حوار، فمن الضروري أن يأخذ في الاعتبار الدستور ومواقف الأطراف كافة، وهذا غير متوافر”.

وأشار الى أن “البعض أراد تحوير كلام البطريرك، واظهاره أنه أصبح في ضفة مقابلة للمعارضة المسيحية، وهذا غير صحيح على الاطلاق. وما قاله النائب غسان حاصباني في هذا السياق، خير من فسّر موقف البطريرك اذ كتب على منصة إكس: وضع البطريرك الراعي مقتضيات للحوار البناء إذا حصل على حد تعبيره، للأسف غير متوافرة في دعوة رئيس مجلس النواب الأخيرة، ومنها: المجيء إليه من دون أحكام مسبقة وإرادة فرض أفكارهم ومشاريعهم ووجهة نظرهم من دون عمل أي حساب للآخرين. وهذا غير متوافر في ظل الاصرار على ترشيح الوزير فرنجية وفرض مشاريع أخرى. واعتماد الدستور الطريق الوحيد الواجب سلوكه، وهذا يعني التئام المجلس فوراً وانتخاب رئيس ولا بديل دستورياً عن ذلك، وهو شرط يتناقض مع أي نقاش خارجه. فهل سيحدث حوار بالمواصفات التي وضعها صاحب الغبطة أم سيكون لقاء خارج الدستور لفرض المشاريع والأفكار ومن دون نتائج إيجابية؟ كل هذه المواقف تتقاطع مع مواقف المعارضة وليس العكس”.

واستغرب مصدر كنسي في تصريح لموقع “لبنان الكبير” تفسير كلام البطريرك بصورة خاطئة، وكأن ليس هناك من قراءة معمّقة لما قاله، وذهب البعض الى القول انه بدّل رأيه بين عظة وأخرى، وهذا غير صحيح”، مؤكداً أن “البطريرك لا يزال على موقفه ضد الحوار في الاستحقاق الرئاسي، ويريد تطبيق ما ينص عليه الدستور في هذا الاطار، لكنه قال في عظته اذا حصل الحوار بعد أن دعا اليه الرئيس بري أي اذا اتفق النواب على اجرائه على الرغم من التجاذبات إنّما يقتضي المجيء إليه من دون أحكام مسبقة وإرادة فرض أفكارهم ومشاريعهم ووجهة نظرهم من دون أي إعتبار للآخرين. وهنا يوجه رسالة الى فريق الموالاة بعدم الذهاب الى الحوار مع الاصرار على مرشحهم، وهذا ما ينادي به دائماً، ويلتقي به مع المعارضة. ثم البطريرك وصف الحالة الموجودة حين يقول هناك قبول ورفض للحوار، ولم يعلن أنه يؤيد الحوار لا بل على العكس، فهو قال ان الحوار يقتضي اعتماد الدستور واعتباره الطريق الوحيد الواجب سلوكه، وهذا موقف البطريرك منذ بدء الشغور اذ لطالما دعا الى الانتخاب وفق الدستور ثم بعد انتخاب الرئيس، هو يدعو الى التحاور في القضايا الوطنية. وبالتالي، أين قرأ البعض تغييراً في موقف البطريرك؟ ربما يكون هناك من يريد أن يصطاد في المياه العكرة، وإظهار البطريرك وكأنه يبدل في مواقفه، وهذا غير صحيح، ومن يقرأ جيداً، يفهم جيداً ما قاله البطريرك في عظته الأخيرة”.

شارك المقال