الراعي وجنبلاط أسقطا طرح إلحاق الموارنة والدروز بالمشروع الأقلوي

زياد سامي عيتاني

زيارة البطريرك الماروني بشارة بطرس الراعي الى الجبل، بدعوة من شيخ عقل طائفة الموحدين الدروز الشيخ سامي أبو المنى، على الرغم من أنها أتت متزامنة مع الذكرى الـ 22 لمصالحة الجبل التاريخية التي رعاها البطريرك الراحل نصر الله بطرس صفير، بالتنسيق والتكامل مع الزعيم وليد حنبلاط، تتجاوز في أهميتها ومدلولها الروحي والوطني تكريس مبادئ ومندرجات تلك المصالحة، التي طوت صفحة أليمة من تاريخ لبنان. فالزيارة في هذه اللحظة السياسية المتلبدة في لبنان والمنطقة، والتي تحيط بها شتى المخاطر الوجودية، التي تهدد الاقليم برمته، لجهة إعادة رسم الخريطة الجيو- سياسية لبلدانه على أسس وقواعد عرقية ومذهبية، على حساب الدول الوطنية العميقة، وذلك تطبيقاً وترجمة لمخطط نظام حكم الأقليات الاثنية، خدمة وتبريراً للكيان الصهيوني “التلمودي”، وللمشروع التوسعي الفارسي، ليست الأولى للبطريرك الراعي الى الجبل، الذي كان قد زاره في أيار 2014، إلى جانب الرئيس الأسبق ميشال سليمان، وحضرا احتفال المصالحة في بلدة بريح في الشوف، وانتهى إثرها ملف الحرب اللبنانية بالكامل.

لكن زيارته يوم الجمعة في ظل التأزم السياسي بطابعه الانقسامي، وإستمرار الشغور في الموقع الأول للموارنة في الدولة اللبنانية، أي رئيس الجمهورية، جاءت لتكريس تمسك جناحي جبل لبنان (نواة دولة لبنان الكبير) بمفهوم الدولة والانتماء الوطني اليها، رفضاً لكل مشاريع التقسيم و”الفدرلة” وتقويض مقومات الدولة المركزية ومرتكزاتها ونظامها السياسي الذي يقوم على التعايش والمناصفة اللذين كرّسهما إتفاق الطائف. صحيح أن كلمات البطريرك خلال جولته الجبلية خلت من السياسة، وركزت على العناوين الوطنية الجامعة، إلا أن خلوها من السياسة، بعد بيان الاجتماع الأخير للمطارنة الموارنة، أبلغ من أي كلام سياسي، متعمداً بذلك جعل الزيارة هي الحدث السياسي، للتأكيد على حتمية التعايش والتلاقي بين الموارنة والدروز، في هذه المرحلة بالذات، لما يمثلونه سياسياً كمكونين مؤسسين للبنان الكيان والوطن والنظام، خصوصاً في ظل الظروف المفصلية التي يمر بها لبنان في هذه الفترة وانسداد آفاق الحل وسيطرة الخطاب المتشنج الرافض للحوار والتلاقي على كلمة سواء.

وخلافاً للسائد، ومن خارج السياق الفئوي والفتنوي ذي الأبعاد التقسيمية في لبنان والمنطقة، من الأقليات ومن يحركها، بهدف تفتيت المنطقة وتقسيمها، فإن المشهد الجامع في الجبل بتلاقي طائفتين تعتبران “أقلوية” (من الناحية العددية)، إنما من ركائز قيام الدولة اللبنانية (تاريخياً)، هذا المشهد الذي رسمه البطريرك الراعي والشيخ أبو المنى من الناحية الروحية، ووليد جنبلاط من الناحية السياسية، جدد التأكيد على الثوابت اللبنانية، وعمق الحياة الواحدة المشتركة أياً كانت التباينات السياسية، وعلى التمسك بلبنان التنوع والتعايش والانفتاح والتلاقي تحت سقف الدولة اللبنانية ونظامها السياسي، ورفض كل الطروح التي من شأنها أن تؤدي الى خلل بنيوي في التوازن الوطني اللبناني، الذي هو المدماك الأول لديمومة لبنان.

لذلك، أراد مهندس الزيارة مطران أبرشية صيدا المارونية المطران مارون العمّار أن يكون توقيتها متزامناً مع عيد سيدة الخلاص شفيعة دارة المطرانية في بيت الدين، كتعبير روحي كنسي على رسوخ التكامل والاندماج الدرزي الماروني وثباتهما، للتأكيد أن لبنان مساحة وملاذاً أمينان على حرية المعتقدات الدينية وممارسة شعائرها في أي بقعة من بقاع لبنان، ما يدحض كل الأكاذيب التي يروّجها أصحاب النوايا والطروح الانفصالية، تماهياً وانسجاماً مع مؤامرة مشروع حكم الأقليات في المنطقة.

بالأمس، أكد أعلى مرجعين روحيين للموارنة والموحدين الدروز صلب إندماجهما الكلي في البنية المجتمعية اللبنانية وجوهره ونهائيته، وإنتمائهما الى الدولة المركزية، التي تعتبر بالنسبة اليهما الضامن والحاضن، وأسقطا الى غير رجعة إلحاقهما بالمشروع الأقلوي.

شارك المقال